العلان يهزم الاحتلال بالنقاط

رجب ابو سرية
حجم الخط

ليس أهل غزة فقط، هم من يعانون فقط، من الشعب الفلسطيني، فهناك اللاجئون المقيمون في مخيمات سورية، الذين يتعرضون لنكبة ثانية، وهناك مواطنو الضفة الغربية والقدس، الذين يتعرضون لاحتلال مباشر، يمارس بحقهم كل أشكال القهر عبر نحو 500 حاجز امني تقطع أوصال الضفة الغربية، فيما يمارس المستوطنون الفاشيون كل ما يمكنهم القيام به من أعمال تنكيل بحق سكان القرى في الضفة الغربية، بما في ذلك حرق الأطفال أحياء، وهناك حتى مواطنو " دولة إسرائيل " الذين يتعرضون لحرب يمينية شرسة تستهدف النيل مما حققوه بالصبر والمعاناة من مكتسبات المواطنة في وطنهم، وهناك بالطبع أكثر من خمسة آلاف أسير، نحو 80 % منهم من مناضلي الضفة الغربية. 
الملاحظ انه منذ أن افترق الفلسطينيون - سياسيا، منذ أوسلو، أي منذ نحو عشرين عاما، تتزايد حالة التباين في أشكال وأساليب الكفاح الوطني، والأهم اختلاف أو افتراق القوى التي تمارس هذا الكفاح، وبعد أن كان الفلسطينيون موحدين على مدار نحو أربعة عقود، ظهرت " آفة " التباين أو الكفاح " الفردي " أو الجماعي / الفئوي، منذ ما بعد انطلاق الانتفاضة الأولى، حيث لم تكن القيادة الموحدة، وحدها، هي القائد الميداني المركزي. الآن يلاحظ أن حركة فتح وحلفاءها يمارسون الكفاح المدني، الشعبي / السلمي، في مناهضة جدار الفصل العنصري، هم وبعض القوى المتحالفة معهم، فيما القوى الإسلامية (حماس والجهاد الإسلامي ) لا تبدي أي اهتمام يذكر بالأمر. 
وفي غزة، تمارس حماس وحليفاتها، ما تسميه " المقاومة " العسكرية، ورغم أن هناك جماعات ومجموعات عسكرية عديدة، تشارك القسّام، خاصة في حال إطلاق الصواريخ أو في حال شن إسرائيل للحرب على غزة، إلا أن قرار الحرب والتهدئة ومن ثم الهدنة بيد "حماس" وحدها وفقط . 
أما فيما يخص ما يواجهه الشتات من مشاكل، فالأمر أكثر تعقيدا، حيث وصل الأمر _ في وقت من الأوقات _ إلى أن تكون بعض الفصائل الفلسطينية على جانبي الاقتتال، رغم انه ليس لفلسطين ولا للفلسطينيين لا ناقة ولا جمل في حرب سورية الداخلية. 
الأنكى من كل ذلك انه مع الوقت تتكرّس ثقافة أن الضفة / فتح، وغزة / حماس، لا شأن لهذه بتلك، إلا من زاوية التضامن أو التحريض من قبل إحداهما على الأُخرى، حين تقوم سلطة احداهما باعتقال كوادر وأعضاء الأُخرى من مواطني " دولتها"! 
يكاد أمر الفلسطينيين، الآن يشبه واقع أو حالة جماعات الإسلام السياسي، العسكري التي تتقاتل فيما بينها ومع ما تبقى من أنظمة حكم  في كل من سورية، اليمن، ليبيا وحتى العراق، بينما تقيم واحدتها " نظام حكمها " أو " دويلتها " على ما يخضع لها من مناطق وسكان، بما يشبه ملوك أو حكام أو إمارات الطوائف، في نهاية عهد العرب بالأندلس. 
ورغم أن هناك قضايا أو ملفات، يفترض بها أنها ليست قضايا خلاف، بل أكثر من ذلك أنها قضايا توحيد، مثل قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال ( والذين كانوا قد حاولوا أن يصلحوا ذات البين، حين وقع الانقسام عبر ما عرف حينها بوثيقة الأسرى لإقامة نظام الشراكة السياسي )  وكنا ممن توقعوا، بل وممن طالبوا، واقترحوا أن تشكل تلك القضية ( قضية الكفاح من أجل إطلاق حملة تضامن وإسناد  شعبي لإطلاق سراح المعتقلين، خاصة حين يطلقون هم معارك الأمعاء الخاوية ) مدخلا لإعادة توحيد ما تشطّر وانشطر وتشظى من الواقع السياسي والجغرافي الفلسطيني، إلا أن الوقت بدّد ما كان يدور في أذهاننا من أحلام.
فالأسرى ما زالوا يقبعون خلف الجدران منذ عشرات السنين، ولم تحررهم، لا اتفاقات أوسلو، ولا ما تبعها من مفاوضات، كان يشترط _ أحيانا _ الجانب الفلسطيني أن يتم إطلاق سراح بعض الأسرى من ذوي المواصفات الخاصة، حتى يوافق على إطلاقها، ولا عمليات تبادل الأسرى، لا عملية الوهم المتبدد، ولا عشر عمليات مثلها، ذلك أنها أولا وأخيرا وقبل كل شيء هي قضية سياسية، مرتبطة بوجود الاحتلال نفسه ومقاومته المشروعة والشرعية، ولا يمكن إغلاقها إلا بزوال الاحتلال.
المهم، أن بطولات فردية، يسطرها معتقلون أبطال، خاصة فيمن يصنف اعتقالهم على انه اعتقال إداري، أي سجنهم لأشهر ولمدد غير محددة، تحت ادعاء التحقيق ودون حكم، حتى لو كان عسكريا.
فبعد ما اجترحه لأكثر من مرة المناضل خضر عدنان، الذي اجبر بإضرابه عن الطعام سجّانه الإسرائيلي قبل أسابيع على إطلاق سراحه، ها هو محمد علان،  يسجل انتصارا آخر على سجانه، بعد أن غامر بحياته من أجل نيل حقه الطبيعي في الحرية. 
الدرس الأساسي والرئيسي الذي يعلمنا إياه خضر عدنان ومحمد علان، هو انه رغم أن اللحظة هابطة إقليميا وفلسطينيا، إلا انه يمكن تسجيل الأهداف في مرمى الاحتلال الإسرائيلي، بل ويمكن إلحاق الهزيمة به، ليس بالضربة القاضية، كما يظن البعض ممن ينتظر قنبلة إيران النووية أو بوارج تركيا أو حتى صواريخ القسام، ولكن بالنقاط، ويمكن بالتأكيد ضمان ذلك وتقريب لحظته، بشيء من التوحد بين الشرائح والقوى واستراتيجيات الكفاح الوطني!