بقلم: سميح خلف

غرينبلات وواقع الاحتلال ومنطق وضع اليد

سميح خلف
حجم الخط

القاهرة - وكالة خبر

ثمة ماهو مهم ان نستدركه ونفهمه في السياسة الامريكية تجاه النزاع والصراع الفلسطيني الاسرائيلي ومعذرة ان قلت الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، فلم يعد الصراع عربيا اسرائيليا في ظل عدة متغيرات في موازين القوى الاقليمية والدولية ولكن من المهم ان نفهم ان تلك السياسة الامريكية في عهد الرئيس ترامب التي احدثت معايير انقلابية في ميكانزمات السلوك الامريكي السياسي والامني والعسكري تجاه هذا الصراع ، فسياسة امريكا الحاضرة الان هي سياسة خارجة عن كل التقاليد السياسية والعلوم السياسية والدبلوماسية وخارجة عن القانون الدولي ، وخارجة ايضا ً عن كل القرارات ذات الصلة بالصراع وكل الاطروحات والمبادرات التي طرحت منذ عام 1936 الى وقتنا هذا .

سياسة امريكا مبنية على قوة وضع اليد واعتبار ان الواقع هو المترجم للخطوات السياسية والموقف السياسي والامني المغلف طبعا بما يقال عن الامن القومي الامريكي ، تعتبر الخارجية الامريكية الحقائق على الارض هي التي يبنى عليها الموقف الامريكي وليس الرجوع لاساسيات الصراع والقانون الدولي والجغرافيا السياسية لهذه المنطقة وخاصة ما بعد الحرب العالمية الاولى اي اتفاقية سايكس بيكو .

منذ اكثر من عام كتبت مقالات متعددة وخصصت عدة مقالات لما يسمى صفقة القرن ومؤشراتها وعلى ماذا ستبنى في ظل واقع الاستيطان وتفكك موقف عربي موحد وبروز قوى اقليمية واعداء جدد للعرب كما يقال متمثلة بايران ونفوذ ايران بالمنطقة ، حيث اصبح الصراع مع اسرائيل صراع ثانوي وليس رئيسي ، وامام عقم السياسة الدولية في الماضي من ايجاد ترجمات لكل القرارت الدولية الخاصة بالحق الفلسطيني منذ قرار 194 وقرار التقسيم 181 الذي كان بموجبه الاعتراف بدولة ما يسمى اسرائيل ، كانت فرصة لان تخرج سياسة ادارة ترامب عن كل هذه الاطروحات بما يستوجب وجود حل اقتصادي امني للمنطقة بعيدا ً عن الخطوط السياسية والامنية ، اي الاعتراف بما حقق الاحتلال من توسعات وما حقق من تمدد من معاهدات واتفاقيات مع كثير من الدولة العربية والافريقية والاوروبية .

صفقة القرن التي اصبحت من الطلاسم كما يقولون وكما تقول الادارة الامريكية لا يعلم بها الا ثلاث غرينبلات كوشنير الرئيس ترامب ، وتركت للتاويلات ولكن كان يمكن الاستشفاف عن فحواها من الموقف الامريكي وقرارات ترامب المتتالية بخصوص القدس واللاجئين والمعونات الامريكية والاونروا ، في حين انكر غرينبلات كل التسريبات التي طرحت بخصوص التوسع في سيناء او دول اخرى ، اي هنا قد تم تحديد وجه صفقة القرن الذي لن يعطي دولة للفلسطينيين ، بل سيثبت الامر الواقع في نظام ليس له اي تعريف سياسي ، بل يمكن تعريفه ببنود اقتصادية امنية تحافظ على الوضع القائم مع كما قلنا منذ اكثر من سنتين كنتونات بروابط مدن في الضفة الغربية تحت ادارة او حكم محلي يجمع البلديات والمحافظات من خلال وزارة الحكم المحلي في الضفة الغربية وبكل عناصرها الادارية والامنية والاقتصادية ، اما ماهو مطلوب من غزة فقد ترجمه غرينبلات في عدة نقاط تعطي مؤشرا ً لما ستعطيه صفقة القرن للفلسطينيين ، فهو يطالب تنازلات من الطرفين ولا ادري اي تنازلات ممكن ان يعطيها الفلسطينيين وهل بقي لديهم شيء ليعطوه بعد الاعتراف باسرائيل والتنسيق والامني والاقتصادي والاستيلاء على 70 % من الضفة والغور اي الشريط الحدودي على نهر الاردن والتنازل عن حق اللاجئين في حدود مقبولة وعادلة .

اذا ً ماهو المطلوب من الفلسطينيين ليتنازلوا عنه بعد قرار ضم القدس ؟ شيء واحد مطلوب من الفلسطينيين ان يتنازلوا عنه وهو وطنيتهم ووحدتهم الوطنية فيما تبقى من ارض الوطن .

غرينبلات يقول ان الاستيطان المستوطنات لا يعيقان الحل السياسي ! والعدو والمعيق للسلام هما حماس والجهاد الاسلامي وهذا مؤشر خطير يعني ان بنود صفقة القرن اذا لم توافق عليها حماس والجهاد وفصائل المقاومة ستتعرض غزة لعدوان مدمر ، هاذين الفصيلين هما من نسيج الشعب الفلسطيني وليس جيش اتى عبر البحار ، بل هما من المكون الاجتماعي للشعب الفلسطيني .

اذا ً ليس لدى كوشنير وغرينبلات مانع في ان تمر صفقة القرن على بحر من الدماء في غزة ، اما النقطة الارتكازية الثانية لغرينبلات فهو يقول ان الاستيطان لا يضر بعملية السلام اي اقرار بضم اسرائيل لغالبية الضفة ومنع اي كيانية سياسية فلسطينية .

غرينبلات يقول يجب ان نترك الماضي و الماضي لدى الفلسطينيين هو ماضي وطني وحقوق في الارض واللاجئين اي يجب على الفلسطينيين ان ينسوا ارضهم وحقوقهم ،وابتكاره الجديد لا يزيد عن كونه توفير رغيف الخبز والمشاريع لاعادة البنية التحتية في الحاق امني لدولة الاحتلال ودول اخرى في دول الطوق ، هذا هوا تصور غرينبلات الذي لا يفهم من التاريخ شيئا ً ولا يعيره اي اعتبار ، اي يجب ان تمر تلك الخطة والازدهار لهذه المنطقة على حساب امال وطموحات الفلسطينيين وعلى دمائهم ايضا ً ، انه حل اقليمي دولي يقذف كل مكونات الصراع من قرارات دولية وحقوق انسانية في مزبلة ولا يهمه اين تلك المزبلة سواء الامم المتحدة او مجلس الامن او غيره .

اذا ً هذه صفقة القرن وهذا هو تصريح غرينبلات ورجال السلطة ونخبها مشغولين في اصدار كتاب عن عباس " الرئيس عباس قدوتنا " ! وليعمم على طلاب المدارس ! ،الى هذا الحد من الاسفاف والغباء اي قدوة يتحدثون عنها واي واقع لهؤلاء الان فيما قاله غرينبلات ، ويقولون نحن ضد صفقة القرن !