ملاحظات قد لا تروق للبعض حول ..." رئيسنا قدوتنا "

زياد ابو زياد.jpg
حجم الخط

وكالة خبر

 

ترددت كثيرا قبل الكتابة بشأن الضجة والجدل الذي يدورحول كتاب " رئيسنا قدوتنا " والذي أعلن عنه وقيل أنه سيُضم الى مكتبات المدارس الفلسطينية. وكان أو تساؤل خطر ببالي هو ما إذا كان كل هؤلاء الذين انبروا لمهاجمة الكتاب أو السخرية منه قد قرأوه أو على الأقل تصفحوه وأخذوا فكرة واضحة عن محتوياته. وأجزم مسبقا ً بأن الأغلبية الساحقة ممن بادروا الى الهجوم اللاذع على كل ما له علاقة بالرئيس عباس وليس فقط على الكتاب لم يقرأوه ولم يروه ولا يعرفون شيئاً عن مضمونه.

والذين بادروا الى مهاجمة الكتاب ليسوا جميعا من أبناء الأراضي المحتلة بل بينهم العديد من الفلسطينيين المقيمين في الخارج وبينهم أيضا ً عدد من الأكاديميين المعروفين من أبناء شعبنا في داخل 1948 لم يجدوا ما يسترعي اهتمامهم من مشاكل أهلنا في الداخل ، وهي كثيرة تنوء بها العصبة أولي القوة ، وآثروا الانضمام الى الجوقة التي تهاجم الرئيس محمود عباس وأوسلو ، وتفرغوا للدعوة الى شن حملة لإرغام السلطة الفلسطينية على سحب الكتاب من التداول !!.

وأقول باديء ذي بدء بأني لا أستطيع أن أفهم كيف يسمح شخص متعلم أو مثقف لنفسه بأن يهاجم كتابا ً لم يقرأه ! فالأولى قراءته أولا ً ثم إبداء الرأي.

ومع ذلك فإنه من الواجب طرح السؤال : لماذا كل هذه الضجة ولماذا هذا الهجوم الذي وصل أحيانا ً الى حد استخدام التعليقات اللاذعة والتهكمات والإتهامات والكلمات التي يمجها الذوق السليم .

الضجة التي أثيرت حول كتاب " رئيسنا قدوتنا " إن دلت على شيء فإنما تدل على حالة الاحتقان واليأس الموجود في الشارع الفلسطيني وعلينا جميعا أن نتحلى بالشجاعة ونسأل لماذا كل هذا الاحتقان الذي يتحفز باستمرار للبحث عن سبب يفرغ عليه كل احباطاته وحنقه وغضبه ولماذا يمتهن البعض مهنة العداء الأعمى للسلطة ولرموزها.

هذا الموضوع يتطلب دراسة في العمق لماذا ! ومثل هذه الدراسة تحتاج الى خبراء في السياسة وعلم الاجتاع والسيكولوجية الشعبية. ومع أني لست من أي من هذه الفئات إلا أنني أستطيع أن أدلي بدلوي في البئر. وفي اعتقادي أن من أهم أسباب حالة الاحتقان والإحباط التي تسود المجتمع الفلسطيني يرجع الى انعدام وجود حياة سياسية يشارك فيها الجميع الفلسطيني ويشعر بأنه جزء من القرار السياسي والحياة السياسية. هذا من جهة ومن جهة أخرى الشرذمة السياسية التي نعاني منها منذ الإنقلاب في غزة والانقسام. أضف الى ذلك فشل فصائل العمل الوطني في الحفاظ على وجودها وقوتها على الأرض وتحولها في الغالب الى قيادات بدون جيوش وبالتالي تعمد الى الضجيج الإعلامي لاثبات أنها موجودة رغم أن الحقيقة معروفة وواضحة.

وثمة أسباب أخرى أكثر أهمية تقف وراء حالة الاحباط والاحتقان الموجود في الشارع وهي فشل القيادة السياسية في التعاطي مع هموم الناس وإيجاد حلول لها وتمادي الاحتلال في اعتداءاته ضد الناس وممتلكاتهم وميل الناس الى تحميل القيادة ممثلة بالسلطة وقيادتها مسؤولية تمادي الاحتلال لأنها لا تقوم بأي عمل للحد من هذا التمادي ومواجهته. وهنا يأتي موضوع التنسيق الأمني الذي أصبح أقوى سلاح في مهاجمة السلطة واتهامها بالخيانة والعمل لحساب الاحتلال وليس ضده .

وكذلك ظهور مراكز القوى وسيطرة المصالح الاحتكارية والإثراء الفاحش على حساب معاناة المواطن الغلبان وتفشي حالة الفساد وتورط بعض من لهم مواقع في السلطة فيها و فشل السلطة في معالجتها من جهة وفي النزول للشارع وبناء الجسور مع عامة الناس وفتح حوار موضوعي معهم يضعهم في صلب التفكير والتخطيط - إن وجد - لدى القيادة. فهذه العزلة والفجوة بين الشعب والقيادة هي التي تخلق أجواء خصبة للتشكيك والإتهام . فالناس في واد والقيادة في واد والحاجة هي الى جسر هذا الواد.

وأعود الى موضوع الكتاب الذي تدور حوله كل هذه الضجة.

الكتاب هو ثمرة مجهود بذلته مجموعة من طالبات الصف العاشر والصف الحادي عشر فى مدرسة البيرة الثانوية للبنات قمن بمراجعة وتلخيص ١٩ كتابا من تأليف الرئيس محمود عباس في مراحل سابقة من حياته منها (امريكا قنطرة الشر، الاستقطاب الديني والعرقي في اسرائيل ، بعضا من الحقيقة، الوجه الآخر : العلاقات بين النازية والصهيونية ، طريق أوسلو ، إنجازات وعراقيل ، الاتفاق في عيون المعارضة، اسرائيل وجنوب أفريقيا العنصريتين ،الحركة الصهيونية في ادبيات لينين )وغيرها.

وقد خلصت الطالبات الى الاستنتاج بان كل ما كتبه الرئيس ابو مازن ، كان إثبات الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ، وعلى رأسها حقه فى تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ ، وحق العودة استنادا للقرارالاممي ١٩٤. اضافة الى تقديم الأدلة العلمية والتاريخية لتبيان بطلان الادعاءات الصهيونية ، والغربية فى استخدام الدين وتزوير الحقائق التاريخية . وبعد ذلك قمن بتحضير هذا الكتيب وطالبن بالاقتداء بما طرحه الرئيس ابو مازن ووجوب التمسك بثوابتنا وحقوقنا الوطنية المشروعة وعدم التنازل عنها ، أو مقايضتها مهما كانت الصعوبات والعقبات التى تواجهنا كابناء للشعب الفلسطيني في أي مكان من أماكن تواجده .

كان يمكن أن يكون هذا البحث أمرا طبيعيا ً ولا يثير أي ضجة في مجتمع عليه أن يشجع الطلاب على الدراسة والبحث العلمي وحرية التفكير لولا أن بعض المسؤولين قفزوا عليه وعملوا منه ضجة وظهورا ً إعلاميا ً كانت في رأي البعض تسحيجا ً ورياء غير مقبول مما أثار زوبعة هوجاء من الانتقادات ليس بمضمون الكتاب وإنما للرئيس ولأسلو وللسلطة بل ولحركة فتح التي يقف الرئيس على رأسها.

حبذا لو حاولنا استغلال هذ التجربة المؤسفة وحولناها الى فرصة نجيب فيها على بعض التساؤلات التي أثرتها في متن هذا المقال والتي تدعو في أسايسها الى إحياء الحياة السياسية الفلسطينية من خلال إنجاز المصالحة الوطنية وإجراء انتخابات لتجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية بما فيها مؤسسة الرئاسة وفتح باب واسع للحوار الوطني على كافة الأصعدة لمواجهة الأخطار التي توشك أن تداهمنا وتجرف الأخضر واليابس.

الرئيس عباس لم يكن وفق المقاييس والمعايير التي تريدها إسرائيل وأمريكا وهو لذلك يتعرض الى حملة شرسة من الإغتيال المعنوي الذي عادة ما يسبق الاغتيال الجسدي وعلينا أن لا نتحول بسذاجة أو حسن نية الى أداة في يد هؤلاء الذين يسعون الى تصفيته معنويا وأن نكون على مستوى الوعي الوطني والإحتكام للعقل والمنطق لا السقوط فريسة للإحباط واليأس فنوجه حرابنا الى صدور بعضنا البعض.