حكومة نتنياهو الخامسة: القضاء على «القضاء» !

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

هاني حبيب

لعلّ إحدى أهمّ ركائز النظام الديمقراطي يتمثل في مبدأ الفصل بين السلطات فصلاً يحدد الخصائص والوظائف والمهام من ناحية، كما يقرر التوازن الضروري بين مختلف السلطات الثلاث الرئيسية في الدولة الديمقراطية، تكامل بين السلطات دون تعدي أو تغول أية سلطة على السلطات الأخرى. على أن تتوضح تخوم وحدود وصلاحيات كل سلطة في إطار دستور ديمقراطي، وفي سياق تجربة الحكم فإن نزاعات حول تفسير بعض المواد أو حول الاختصاصات قد تنشأ بين سلطة وأخرى، أو في سياق تفسير القوانين ومدى انسجامها مع القانون الأسمى للدولة وهو الدستور، لذلك كانت «المحكمة الدستورية» أو «المحكمة العليا» في الدولة التي تختص بتفسير القوانين والدساتير وحلّ النزاعات بين السلطات ولها الكلمة العليا في هذا المجال.
قانون أساس الحكومة في إسرائيل بمثابة دستور للدولة العبرية، ووفقاً لنصوصه فإن الدولة اختارت النظام الديمقراطي للحكم، من الناحية العملية، وبشكل عام، فإن هذا النظام منح السكان اليهود التمتع بمزايا الديمقراطية الإسرائيلية، دون غيرهم من «المواطنين الإسرائيليين» مع أن دولة الاحتلال تفاخر على المستوى الدولي بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة في محيط أنظمة الحكم المستبدة والديكتاتورية، إلاّ أن هذا ليس ما نهدف إليه في هذه المقالة!
إثر تورّط رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو في عدة قضايا فساد، وتقديم لوائح اتهام على عدة ملفات، بدأت معركة حكومته الرابعة مع القضاء الإسرائيلي، وتجنّد كل من وزيرة القضاء شاكيد، ووزير التربية والتعليم بينيت في تبني عدة مقترحات وتوصيات من شأنها مصادرة عدة صلاحيات أساسية من المحكمة العليا، بعد الانتخابات الأخيرة، كان العنوان الأساسي لجملة التحركات المطلوبة من الكنيست الجديدة، إجراء تعديلات جوهرية على صلاحيات المحكمة العليا، خاصة بشأن رفع الحصانة عن رئيس الحكومة أثناء ولايته، وعدم التدخل إزاء قوانين أقرّتها الكنيست، وبمعنى آخر، فإن البرلمان في هذه الحالة، يصادر صلاحيات السلطة القضائية، وهو ما حاول نتنياهو خلال تشكيل حكومته الخامسة أن يجعل منه عنواناً أساسياً لمهام هذه الحكومة.
إلاّ أن نتنياهو المعروف بدهائه وذكائه وقدرته على التلاعب، انكشف مؤخراً عندما عاد عن عناده، وقبل محاميه تسلم مواد التحقيق في ثلاثة ملفات تمهيداً لتحديد موعد جلسة استماع، بعدما كان قد رفض ذلك متذرّعاً بعدم تسلم المحامين لأتعابهم، وهي حجة للتأجيل والإفلات من تحديد موعد جلسة استماع، ما أجبر نتنياهو على هذا التراجع، مقترحات بتحديد جلسة استماع حتى من دون تسلم المحامين لمواد التحقيق، أي أن مبرر نتنياهو لعدم الانصياع لأوامر القضاء قد تم التخلي عنها.
تراجع نتنياهو لا يعني استسلامه، ففي جعبته مازال الكثير للإطاحة بالمحكمة العليا، بل بالنظام القضائي الإسرائيلي، عنوان الديمقراطية الإسرائيلية، انطلاقاً من مصالحه وللإفلات من يد العدالة، متذرّعاً بذلك بأن التصويت لحزب الليكود بزعامته، وزيادة مقاعده مقارنة مع الانتخابات السابقة، دليل على أن الرأي العام يؤيده رغم الملاحقة القضائية، وغاب عن نتنياهو، أن الرأي العام الإسرائيلي لا يقل يمينية وفساداً عنه، إضافة إلى أن التصويت جاء للحزب وليس لزعيمه، لأن الانتخابات ليست شخصية وفردية، زيادة على ذلك فإن أكثر من ثلث الناخبين صوّتوا لليكود، ولكن ثلثين تقريباً كانوا ضده، ولكن محاولات نتنياهو لجعل حكومته الخامسة أداة للقضاء على «القضاء» لن تتوقف!