ورشة «المنامة» وطريق الملامة والندامة

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

عبد المجيد سويلم

لستُ من أنصار من يعتقد أن الورشة ستعقد على كل حال، ولستُ من أنصار من يعتقد أن الورشة حتى وإن عقدت ستكون بالأهمية التي يُراهن عليها ترامب وفريقه، وأميل إلى الاعتقاد أن مثل هكذا أهمية لن تتعدى كتظاهرة «إعلامية» ظهيرة اليوم الذي ستعقد فيه.
لماذا؟
أولاً: لأنها دليل فشل وليست مقدمة لأي نجاح محتمل، فهذه الورشة ستبدأ بتأييد نصف خليجي، وسيظل عدد المؤيدين يزيد تارةً وينقص تارةُ أخرى، بحياء وخجل شديدين أحياناً وبذرائع ومبررات ملتبسة سياسياً في أحيان أخرى.
البعض إن اضطر إلى المشاركة، سيقول: إن مشاركته لا تعني الموافقة على «الصفقة»، وإنه لن يقبل بأقل من أن يترافق الطرح الاقتصادي مع مسار سياسي، والبعض الآخر سيقول: إن هدفه هو حشد الدعم المادي من أجل أن يتمكن الشعب الفلسطيني من الصمود على أرضه ومواجهة الأخطار المحدقة به.
البعض لا يريد أن يغضب ترامب والبعض الآخر يريد أن يسترضيه في هذه المرحلة الحرجة من الصراع في منطقة الخليج.
ورشة بهكذا نوع من المشاركة، خجولة ومترددة، «تبريرية» و»ذرائعية»، مواربة واسترضائية، منافقة وانتهازية، القناعة فيها وبجدواها معدومة ومشكوك بها على أقل تقدير، لا يمكن أن تكون «الشق» الأول من «صفقة القرن» لأنها لا تصلح من حيث المبدأ لأن تكون.
ثانياً: عندما تشاور فريق ترامب مع «المنامة» لعقد هذه الورشة، ألم يخطر بباله وببال «المنامة» أن الحضور الإسرائيلي ليس له مكان (اقتصادي)، وأن هذا الحضور هو حضور سياسي بامتياز، وأن الشق الاقتصادي في الحضور الإسرائيلي مسألة تدعو إلى القهقهة وليس مجرد الضحك، طالما أن إسرائيل هي المسؤولة بصورة مباشرة عن سرقة أموال الشعب الفلسطيني وحصارها لأكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، إضافة إلى سرقة أرضه وموارده والسطو على كل مقدراته!
أيعقل والحال هذه أن يكون الحضور الإسرائيلي اقتصادياً؟ أم يكون هذا الحضور يا ترى جائزة سياسية لها على ما تمارسه من ضغوط حتى يركع ويخنع الشعب الفلسطيني، ويوافق على كل «الخطوات» السياسية التي «حُسم» أمرها في «القدس واللاجئين والضم و»شرعية» الاستيطان؟
فإن كان الحضور الإسرائيلي لأسباب اقتصادية فتلك مصيبة وأما إن كان حضورها سياسياً فالمصيبة أعظم.
ثالثاً: من المفترض أن «المنامة» على علمٍ مسبق بعقد هذه الورشة، وأن فريق ترامب قد تشاور معها حول أهداف وزمان وطبعاً مكان هذه الورشة، فلماذا لم تتصل «المنامة» بالقيادة الفلسطينية وتطلعها على التوجه الأميركي؟!
لو كان الأمر بالبساطة التي تطرح حول «الازدهار» و»الرفاهية» و»الاستقرار» لما كان هناك سبب لعدم التشاور، ولو كان الهدف هو «دعم» صمود الشعب الفلسطيني وتلبية احتياجاته لكان ذلك سبباً إضافياً للاتصال بالقيادة الفلسطينية والتشاور معها، ولو كانت هذه الورشة مكرّسة «للتداول» في الشأن الاقتصادي البحت، وأنها (أي الورشة) لا يجب أن «تحجب» الأساس السياسي «للصفقة» الترامبية فما الحرج التي تشكله هذه الورشة «للمنامة»؟ ولماذا تأخر «الضغط» على القيادة الفلسطينية لحضورها إلى ما بعد الإعلان عنها والبدء «بتسويقها» إلى المنطقة؟!
رابعاً: لماذا «التضحية» الأميركية بالبحرين؟ التي نصرُّ على أنها شقيقة عزيزة لفلسطين لكي «تتنطّح» لهذه المهمة، ولماذا لم يتم عقد الورشة في بلد محايد غير عربي وغير مسلم، لكي لا تتأبّط ولا تتخبّط أي دولة عربية أو إسلامية في مثل هذه المهمة؟!
الواضح هنا هو أن ترامب وفريقه منتهزاً ومستثمراً في التوتر الحاصل مع إيران أراد أن «يفرض» خضوع الخليج في مخطط التطبيع المسبق والمجاني، وأراد أن يؤكد من بلد عربي أن حل القضية الفلسطينية سيكون أساساً حلاً اقتصاديا بأموال عربية وإسلامية، وأن إسرائيل ستكون حاضرة كضيف شرف وبظهور خاص ومميز في هذا الفيلم الأميركي الجديد والقصير.
خامساً وأخيراً، فإن من حق كل دولة أن تغير أولويات سياستها، ومن حقها الكامل أن تدير هذه السياسات وفق مصالحها كما تراها وتحددها، ومن حقها أن تناور في مرحلة ما ـ وربما في كل مرحلة ـ  لكي تحمي هذه المصالح، لكن ليس من حق أحد أن يكون من نتائج سياساته وأولوياته إلحاق الضرر والأذى بشقيق عربي يعاني ما نعانيه ويتعرض لكل ما تتعرض له.
وبافتراض أن الأمور كما دارت وسارت حتى الآن يمكن أن تحتمل حسن النوايا وطيب الأهداف والمنطلقات، وبافتراض أن «المنامة» يمكن أن يكون شعارها [اللهمّ أسألك نفسي]، فإن واجبها أن تتنبّه لخطورة عقد هذه الورشة على أرضها في مرحلة حساسة لفلسطين كما هي حساسة للبحرين الشقيقة.
من جهة المواطنة والمواطن الفلسطيني، فإننا نراهن على فشل عقد الورشة، ونعوّل على إفشالها وإلى تحويلها إلى مجرد محاولة يائسة لزجّ إسرائيل وإدخالها من نافذة صغيرة أضيق بكثير من حجم طموحاتها وتهديداتها وأطماعها وتوسعيتها وعدوانيتها وعنصريتها، ونخشى أيها الأشقاء الأعزاء في المنامة أنكم ستجبرون على تحطيم الكثير من الجدران المحيطة بالنافذة، لكي يتسنّى لإسرائيل الدخول إلى باحة القاعة، وكلنا أمل أن تتأثر الأعمدة الأساسية في البنيان، وألا تحدثوا من الشقوق ما يؤدي إلى تصدعات من النوع الذي لا ينفع معه أي نوع من الترميم.
ها هو أمر عقد هذه الورشة يبدأ بالملامة، وكلنا حرص ألا ينتهي الأمر بالندامة.