"ماما ماما" كانت أنيناً موجعاً هزَ أرجاء الغرفة الطبية بمستشفى الشفاء في مدينة غزّة، ليسترق ذلك الأنين خلجات من في الغرفة ملقياً نظرهم على جسدٍ صغير أدمته الجراح.
نظرة بريئة للطفل وسام أبو عرار ( 14 شهراً) يُحاول فيها فهم ما يجري مما لم تدركه مصطلحات طفولته، حيث إنّه لم يدرك أنّ كلمة "ماما" ستبقى صوتاً بلا مجيب بعد استشهاد والدته فلسطين "37 عاماً" وهي تحمل في أحشائها جنيناً (5 شهور)، رحلت هي وجنينها وطفلتها "صبا" بعد أنّ حاولت حماية أبنائها بجسدها الضعيف من حمم صاروخ صهيوني استهدف منزلهم شرق غزة.
إلى جانب سرير الطفل "وسام" ترقد شقيقته الطفلة "سلوى" صامتة بلا همس أو أنين أو إدراك أو طفولة مزهرة، حيث أصيبت بصدمة نفسية بعد أنّ شاهدت أشلاء أمها تتناثر أمامها.
"سلوي" طفلة تحب اللعب والحديث وهي من أكثر البنات مرحاً، ولكنها صامتة لا تتحدث وإذا ما حاولت الحديث معها أو مداعبتها فلن تزيد فوق صمتها شيئاً ويستمر مشهد لا يمكن لبشر أنّ يحمل رؤيته، وذلك وفقاً لحديث زوجة عمها "أم هشام" تعقيباً على صمت الطفلة.
وأضافت "أم هشام" التي كانت تجلس بجانب 3 أطفال مصابين من عائلة أبو عرار، وهم: "وسام وسلوى وابنة عمهم رفيف 3 سنوات": أنّه "لم يغيب المنظر عن مخيلتها، حيث تم انتشال الشهيدة فلسطين بغطاء لملم جسدها المتناثر في المكان، أمام أعين الأطفال"، متسائلة: "ما ذنب هذه الأم والأطفال ؟، هل هذا هدف لإسرائيل؟ هل يشكل خطراً على أمنها؟".
وختمت حديثها بدمعات انهمرت من عيانها بدون استئذان أمام الأطفال، وقالت: "حسبي الله ونعم الوكيل".
واستمر مشهد صمت الطفلة "سلوى" وهي تنظر إلى شقيقها الذي كان من المفترض أنّ يكون إلى جانبها وشقيقتهم "صبا" وأمهم "فلسطين" لتعليق زينة شهر رمضان، ولكّن الاحتلال بدّد هذه الصورة وحوّلها إلى صراخ وعويل، ودماء متناثرة على سرير المستشفى وجروحاً ظاهرة ملأت الجسد، وجروحاً أخرى غير ظاهرة لن تفارقهم حتى الكبر.
يُذكر أنّ الاحتلال الإسرائيلي شنّ في مطلع مايو الحالي، عملية عسكرية ضد قطاع غزّة، تخللها قصف الطائرات الحربية والاستطلاع مناطق مختلفة في القطاع، ما أدى لاستشهاد 27 مواطناً وإصابة العشرات بجراحٍ مختلفة.