أبو علي شاهين، مناضل وسياسي فلسطيني، وأحد أبرز رموز حركة النضال الفلسطيني. عاش حياة خصبة وعميقة، حافلة بالبطولات والمآثر، ووهب كل طاقاته وقدراته وإمكانياته لقضية شعبه ووطنه وأمته العربية. فالحياة لا تقاس بالسنين التي عاشها، وإنما تُقاس بالقيم العظيمة والمعاني النبيلة وحجم ما زرع في حدائق الوطن والإنسانية.
لم أنل شرف اللقاء به خلف أسوار سجون الاحتلال، لكن والدي الذي رافقه لسنوات كثيرة في الأسر حدثني عنه، وعن بطولاته مرارا وتكراراً، وكثيرة هي الألسن التي تناقلت سيرته العريقة بفخر وشموخ.
قرأت اسمه المحفور على جدران زنازين غزة، وسيرة حياته في أدبيات السجون، فازددت فخراً به و شوقا للقائه. ثم التقيته في غزة أكثر من مرة، بعد عودته للوطن منتصف تسعينيات القرن الماضي على إثر إبعاد قسري امتد لعشر سنوات.
للتاريخ الفلسطيني حكاية لم تنتهِ بعد، و "فتح" هي أول من كتبت حروف البداية وفصول الحكاية، فهي قلب الثورة الفلسطينية النابض، وأول الرصاص، وأول الحجارة. وهي من أشعلت انتفاضة الأقصى. تتشابك تجربتها النضالية مع مجمل التجربة الجماعية للحركة الأسيرة. ولا يمكن للتاريخ الفلسطيني أو تاريخ الحركة الأسيرة، أن يقفز عن رجل كأبو علي شاهين.
لم أكتب عنه من قبل. وقد فكرت مراراً. ومنذ رحيله في الثامن والعشرين من آيار/مايو2013. أن أكتب عنه، وكلما شرعت بالكتابة تراجعت، لأنني وببساطة وفي كل مرة أفشل في انتقاء الكلمات والعبارات التي تليق بهذا الرجل وحجم عطائه وتضحياته ومكانته. ومع ذلك فقد قررت أن أكتب، حتى ولو بالمختصر المفيد وفاءً له ولغيره ممن يشبهونه. إذ حين تكتب عن العظماء، تر الدنيا من زاوية أخرى، يملأها الأمل والحنين وبشائر الانتصار. وللكتابة عن الشهداء رونق خاص.
أبو علي شاهين، عظيم أنت في حياتك وبعد مماتك. لم ولن ننساك. وكيف يمكن لنا أن ننساك وأنت ممن سجل اسمه خالداً في ساحات الوغى، ومدارس الثورة الفلسطينية والحركة الأسيرة.!
وعلى امتداد المسافات الواسعة والسنين الممتدة من ساحات المعارك والبطولة مرورا بالسجون والزنازين، إلى مروج الوزارات وبناء الوطن والدولة، عرف أبو علي شاهين قائدا محارباً شجاعاً، يتقدم الصفوف في ساحات الوغى، وفي بناء الدولة وصنع السلام.
أبو علي شاهين، مناضل حمل هموم شعبه، وأسير سابق أدرك معنى الأسر ومعاناة الأسرى، فكان مناصراً قوياً لهم، وداعماً لحريتهم ومسانداً قوياً لقضيتهم العادلة، وسطرت أفكاره إرثا كفاحياً وطنياً.
يقول غسان كنفاني في قصة "المدفع": "كم هو بشع الموت، وكم هو جميل أن يختار الإنسان القدر الذي يريد". اختار أبو علي شاهين قدره، عندما اختار طريق النضال. فأحبته الثورة، وعشقه شعبه واحتضنه ثرى وطنه.
أبو علي شاهين، من المعتقلين الأوائل المؤسسين للحركة الأسيرة. ساهم بقوة في تأطير وتثقيف المعتقلين، إذ تميز بثقافته الرفيعة، ووعيه المتقدم، فجعل السجون محطات ثورية متقدمة، وأعاد للكرامة هيبتها خلف القضبان، فدفع الثمن سنوات طوال في العزل الانفرادي. واحد من رجال الرأي والحكمة، وركن أصيل من التراث الثوري والنضالي والتنظيمي في كافة الميادين والأزمنة.
ولد عبد العزيز علي شاهين عام 1940 في قرية "بشيت" القريبة من مدينة الرملة. وهُجرت عائلته عام 1948 لتستقر وتعيش في مخيم تل السلطان بمدينة رفح. حصل على الثانوية عامة 1960. وانتمى لحركة فتح سنة 1962 في الدوحة. وشارك في عدة دورات عسكرية.
اعتقل في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر 1967، ثم أطلق سراحه في الثالث والعشرون من أيلول/ سبتمبر1982 بعدما أمضى خمسة عشر سنة في السجون الإسرائيلية، غالبيتها في العزل الانفرادي. بعد إطلاق سراحه، وُضع عبد العزيز شاهين تحت الإقامة الجبرية بمنزله. ولكنه لم يعدم الوسائل لتأسيس حركة الشبيبة الفتحاوية.
في مايو/آيار 1983 تم نفيهُ بمفرده إلى منطقة الدهنية، أقصى الشرق الجنوبي لرفح، ومن ثم أبعد الى خارج فلسطين عام 1985، ليعود إليها في أكتوبر عام 1995 بعد توقيع اتفاقيات أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية.
انتخب عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني الأول (1996– 2006) وعضوا في المجلس الوطني الفلسطيني. وشغل موقع وزير التموين (1996-2003) إضافة إلى مواقعه القيادية في حركة فتح، التي انتمى إليها، وساهم في تأسيسها، وأحبها وأخلص لمبادئها.
فليفخر كل فلسطيني بأن فلسطين أنجبته، ومن حق حركة فتح بأن تشمخ بأنه أحد قادتها ومؤسسيها ومن صناع مجدها. ولتنصفه الحركة الأسيرة باعتباره واحداً من أبرز رموزها، على مدار خمسة عشر عاما قضاها في سجون الاحتلال، ومن واجب الشعب الفلسطيني أن يبقى وفيا له.
سلام عليك أيها الثائر .. أيها التاريخ المستيقظ الذي لم ولن ينطفئ ..