عجيب حقاً هذا «الفيس بوك».. فقد وجدت فيه حلاً لما أرهقني طوال الأيام الماضية، حول التوصل إلى نتيجة فيما إذا كانت الدردشات والتفاهمات والمفاوضات ـ غير المباشرة ـ بين إسرائيل وحماس، لها طابع جدي يؤدي إلى نتيجة، أم ان الأمر لا يعدو مجرد تكتيكات واستخدامات، لا تؤدي إلى أي نتيجة عملية، فقد قرأت رأياً لأحد المتصفحين، أقرب إلى «الفضفضة» والطرافة وربما الواقعية بحدود ما، يقول: هناك اتفاق، حقيقي، يتم بضغط من «تجار الأنفاق» الذين فقدوا موردهم المالي بعد إغلاقها، لكن هؤلاء كونوا ثروة طائلة جراء السوق السوداء التي كانوا على رأسها، وبعد فقدان هذا المورد ضغطوا، بحكم إمكانياتهم المالية، على أطراف عديدة، لحفر أنفاق جديدة، في البحر هذه المرة من «خلال «الممر المائي».
وبين الجد والسخرية، هناك متصفح آخر، ربما أكثر انسجاماً مع الواقع، يقول هذا المتصفح: إن الاتفاق، هدنة أو تهدئة، بين إسرائيل وحماس، ما هو إلاّ دليل كبير على فشل السياسة الإسرائيلية، لماذا؟ لأن مثل هذا الاتفاق يشير إلى أن محاولات إسرائيل، لقذف مسؤولية قطاع غزة، قد فشلت فشلاً ذريعاً، سواء من خلال العمل الأسود في الانفاق، أو من خلال الحديث المتكرر عن «معبر رفح» وتجاهل متعمد لأي حديث عن المعابر التي كانت بين غزة وإسرائيل، كل ذلك كان بهدف إلقاء المسؤولية على مصر، وإخلاء المسؤولية عن دور إسرائيل كدولة محتلة للضفة الغربية وقطاع غزة، هذا الفشل هو الذي أدى بإسرائيل، إلى أن تعترف بأن محاولاتها لم تنجح وما كان عليها سوى البحث عن طريقة أخرى، هذه المرة، عبر حلول لمعالجة أوضاع غزة الإنسانية، بعيداً عن مسؤوليتها المباشرة، وتخلياً عن محاولاتها بتحميل مصر مثل هذه المسؤولية!!
لكن الأكثر سذاجة فيما قرأت، تعليق من أحد القرّاء يقول: «ماذا تريدون أكثر، اتفاق لحل كافة مشاكل القطاع، مع بقاء المقاومة، بل انها ستتعزز مع تحسن الأوضاع الاقتصادية للشعب الغزي»!!
إلاّ أن للصحافة العبرية رأياً آخر، فقد طالعت عدة آراء، في مجموعها تشكل رأياً واحداً تقريباً، ينحصر تحت عنوان واحد في الغالب: على عباس أن ينسى غزة، أو: ليغضب عباس. فتحت العنوان الأول كتب شلومي الدار في «المونيتور» الإسرائيلي وبترجمة «أطلس» يشير إلى مسألة المفاوضات بين حماس وإسرائيل، حسب معلومات جدية جداً، وان أبو مازن يعلم ذلك جيداً وكأن اجتماعه مع زعيم المعارضة في إسرائيل هيرتسوغ، ربما كان محاولة أخيرة، لوضع العصي في الدواليب، ونفي نتنياهو للأمر جاء لتخفيف الضغط عليه من قبل وزراء حكومته. أبو مازن مازال يحلم بإعادة غزة إلى «فتح» دون أن يدرك أن حماس تقيم حكماً عسكرياً وواقعاً غير قابل للتحول، وليس من المنطقي، أن حماس رغم ضائقتها تتنازل عن الحكم في غزة، وتفكك قوتها العسكرية والقبول بعباس ورجاله للعودة لكي يحكموا غزة. عباس يتحمل ما ارتكبه من أخطاء في بدء الانقسام من خلال انقلاب حماس، كما يتحمل مسؤولية استمرار الانقسام، لعدم اعترافه العملي بنتائج انتخابات 2006. يعتمد أي اتفاق محتمل على قدرة حماس على إقناع جناحها العسكري، كتائب عز الدين القسام.
ومع صعوبة التوصل في الوقت الراهن لرؤية اتفاق متبلور بين حماس وإسرائيل، إلاّ أنه باتفاق أو بدون اتفاق فقد آن الأوان، لكي يكف أبو مازن عن محاولاته العودة إلى غزة، فهذا الأمر قد انتهى تماماً.
واختار مقالة أخرى، ليوئيل ماركوس من «هآرتس»، تركز في الجوهر على إسرائيل ومصلحتها الأكيدة في التوصل إلى اتفاق مع حماس، فنتنياهو محق لبحثه عن تسوية لزمن طويل مع حماس في غزة، وجلب الهدوء إلى الجنوب، حتى لو كان ذلك بوساطة توني بلير الذي يبحث عن جائزة نوبل للسلام، سيغضب أبو مازن، فليغضب إذن، فهو في مرحلة الاعتزال ولم يعمل ما فيه الكفاية لمنع زحف الارهاب إلى داخل إسرائيل. لقد تحدثنا مع السادات ومع الأسد ومع عرفات، وربما مع خامنئي وحتى مع اوباما، لكن بالتأكيد مع حماس.
والواقع، انني قرأت الكثير حول هذه المسألة، وطالعت كافة الدردشات وحتى الاعترافات بما فيها تصريحات مشعل الأخيرة، لكنني مع ذلك، لم أصل إلى أن مثل هذا الاتفاق ممكن على المستوى المنظور، مع أنني بت متأكداً من أن المشاورات والمفاوضات قد «أوقفت» الدردشات، أي ان الأمر بات أكثر جدية، فيما عدا بعض التسريبات التي أشارت إلى أن مشعل وضع شروطاً لبدء مفاوضات تهدئة في لندن، والأغلب أن بريطانيا، ومن خلال توني بلير قد أعطت وعداً بأن تسعى لاستقبال مشعل، وإزاحة حركة حماس من قائمة الإرهاب الأوروبية بشكل نهائي.. الجميع يعلم من الذي يضع الشروط دائماً!!