هل ينتهي الإرهاب بسقوط عشماوي؟

resize (2).jpg
حجم الخط

عماد الدين حسين

 

السؤال في العنوان أعلاه، يردده كثيرون منذ سقوط الضابط المصري المفصول هشام عشماوي في درنة الليبية في أكتوبر الماضي وحتى وصوله للقاهرة مكبلا بالأغلال ليلة الثلاثاء الماضي؟!

المؤكد أن الإرهابيين في مصر تلقوا ضربة قوية جدا بسقوط عشماوي، لكن الخبر المؤسف، أن الإرهاب فى المنطقة بأكملها، لن يتلاشى بسهولة، لأنه ليس مرتبطا بشخص فقط، ولكن بأفكار متطرفة ودول وأجهزة مخابرات إقليمية ودولية تدعمه بطرق مختلفة، لأسباب متنوعة.

القبض على عشماوي ومشهد تسليمه لمصر، سيجعل أي إرهابي صغيرا كان أم كبيرا، أن يفكر أكثر من ألف مرة، لأن شبح سقوطه وتسليمه يمكن أن يمثل عامل ردع كبيرا.

لكن هل يعنى ذلك أن مثل هذا المشهد سيقضى على الإرهابيين تماما؟!

للأسف مرة أخرى الإجابة هي لا، خصوصا أن التطرف باسم الدين له سحر وسطوة وجبروت كبير على من يعتنقه.

التطرف عموما، والديني خصوصا يصور لصاحبه أنه صاحب مبدأ، وشهيد وحتى لو تم إعلامه سيدخل الجنة من دون حساب. وفى هذا الصدد سمعنا مؤخرا عن نوعية جديدة من متطرفي وإرهابيي داعش يطلق عليهم «خلايا التماسيح»، وهى خلايا نائمة على غرار الذئاب المنفردة، إضافة إلى إرهابيين آخرين يبتلعون «حبة» تتيح لهم الانتحار فورا حتى لا يعترفوا بأي معلومات لأجهزة الأمن، أو تفجير أنفسهم في أكبر عدد ممكن من الناس، كما فعل إرهابي الدرب الأحمر قبل شهور.

مشهد تسلم عشماوي سيحبط كثيرا من معنويات الإرهابيين وقادتهم، لكن للأسف لن يقضى على الإرهاب، لأن هذا الفيروس، لا يقوم فقط على أسماء أشخاص مهما كانت مكانتهم الكبيرة لدى أتباعهم. الدليل على ذلك، أن أسامة بن لادن بكل مكانته المعنوية والمادية حينما قتل، لم ينهار تنظيم القاعدة، بل تناسلت منه العديد من التنظيمات، التى تمارس العنف والتطرف والإرهاب فى أماكن أخرى بالعالم. وقبل بن لادن قتل العديد من قادة التنظيمات المتطرفة مثل أبو مصعب الزرقاوي فى العراق ومحمد كمال فى مصر، والعديد من قادة الإرهابيين فى سوريا وليبيا. لكن تنظيماتهم ظلت مستمرة.

السؤال هو لماذا هى مستمرة؟!

هناك أكثر من سبب: الأول موضوعي ويتعلق بأن ظاهرة التطرف والإرهاب فى العالم العربي والإسلامي مرتبطة بحالة وظروف هذه المجتمعات التى تعانى من الفقر والجهل والمرض والتخلف، وسوء توزيع الثروة وتراجع منظومة القيم بصفة عامة. إضافة بالطبع إلى الاستبداد وغياب الديمقراطية والمشاركة السياسية.

وكل هذه الأسباب توفر بيئة خصبة للعنف والتطرف، واستمرارها يجذب المزيد من الاتباع.

يرتبط بالسبب السابق أيضا الفهم المغلوط للدين، والذى يجعل بعض الجهلاء أو السذج أو ذوى التعليم المنخفض أسرى لتفسير دينى غير صحيح، يقدم لهم نموذجا مبسطا ومخلا ومريحا ومسطحا، ويلقى بكل أسباب المشكلة على شماعات مختلفة وليس على تخلفهم وجهلهم وفقرهم وقلة حيلتهم ورضائهم بالأوضاع البائسة.

السبب الثالث والمهم جدا هو أن تجارة الإرهاب صارت مربحة جدا، بل صارت سلاحا دبلوماسيا للعديد من الدول الكبرى والصغرى.

الأمر لا يتعلق بالمؤامرة فقط، كما أشرنا فى السببين الأول والثانى إلى وجود أسباب موضوعية للإرهاب. لكن صار واضحا أن دولا كبرى كثيرة تشجع الإرهاب سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة للحصول على مكاسب متنوعة، وأفضل دليل على ذلك ما حدث ويحدث فى سوريا والإصرار الغربي الغريب على منع الجيش السورى من ضرب الإرهابيين فى آخر معاقلهم بإدلب، والتلويح طوال الوقت بأن دمشق استخدمت السلاح الكيماوى، وثبت لنا جميعا أن إسرائيل وكل أعداء الأمة العربية هم المستفيد الأكبر من «لعبة الإرهاب» فى المنطقة.

إذا لكى ينتهى الإرهاب تماما لا بد من التنمية الشاملة فى مجتمعاتنا خصوصا التنمية السياسية ونعنى بها وجود أكبر مساحة من التوافق الوطنى تحت سيادة القانون والدستور. وأن يكون لدينا نموذج دينى مستنير، إذا تحقق الشرطان السابقان، فسوق يقل التدخل الأجنبى بصورة تلقائية لأن مناعة أوطاننا الشاملة ستكون أقوى.

رغم كل شىء علينا أن نوجه تحية كبيرة لكل من يحارب التطرف والإرهاب بصورة صحيحة، تجفف منابعه، ويهيئ الأرض لمستقبل أفضل.

عن الشروق المصرية