من حفل التخرج: بلاد العُرب أوطاني !

حجم الخط

بقلم: د. دلال عريقات

 

اقترب مني ابني 'سري' الذي أنهى المرحلة الإبتدائية وقال: ماما، عندي موضوع لمقالك للأسبوع القادم....اكتبي عن التخريج!

أجبته: حبيبي، انا بكتب بالجريدة، يعني لازم أتناول موضوع بخص الشأن العام مش موضوع شخصي لأنه ابني بدو يتخرج!

رد: ماما، فكري والله موضوع الدراسة والتخرج والتفاصيل التي ترافقه موضوع حلو كثير ومهم لكل الناس، وانتهى الحديث.

بعد أسبوع من حديثنا، حضرت الحفل، هزتني التفاصيل الصغيرة، الترتيبات البسيطة المتقنة جداً، جدران المدرسة العتيقة، أزقة مرتبة وأنيقة، تمتزج مع العمارة الحديثة في البنايات الجديدة، روح الإنجاز والتفاؤل، كلام العيون من المعلمات المبدعات، دعم الإدارة الرشيدة، حب الأهل والأصحاب، جدية والتزام وفرحة ارتسمت على وجوه الطلبة، مشاهد الانضباط والفخر والخجل والطموح اعتلت جباه الخريجين، دموع انهمرت ومنها اغرورقت به العيون، كل هذه التفاصيل لم تكن كافية لأقرر الكتابة عن التخريج، حتى اعتلى الخريجون المسرح وبدأوا بالغناء وبعد النشيد الوطني الفلسطيني ونشيد المدرسة، ها هم يعيدوننا لأيام الدراسة، نظرت في عيون الآباء والأمهات من حولي وسمعت همساتهم وتعليقاتهم، أعادنا أبناؤنا الخريجون لأيام الشباب، كل الأمهات والآباء الحاضرين مثلي تماماً، تقشعرت الأبدان، تحركت كل المشاعر ففلذات أكبادنا يكبرون وينطلقون كالأقمار المضيئة جاذبون للأنظار.

تخريج أبناءنا البهيج تزامن مع ختام القمة العربية الطارئة في جلستها غير الإعتيادية في مكة المكرمة بخصوص فلسطين، بعد الاستماع لخطابات القادة العرب، تذكرت أبناءنا على المسرح ينشدون "فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا...لسان الضاد يجمعنا"

بلادُ العُربِ أوطـــــــــــــــاني مــــنَ الشّـــــــــــــامِ لبغدان

ومن نجدٍ إلى يَمَــــــــــــــــنٍ إلى مِصــــــــــــــرَ فتطوانِ

فلا حدٌّ يباعدُنا ولا ديــــــــنٌ يفرّقنا لسان الضَّـــــادِ يجمعُنا بغسَّانٍ وعدنانِ

لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ ولو في وجهنا وقفتْ دهاةُ الإنسِ والجانِ

فهبوا يا بني قومي إلى العـلياءِ بالعلمِ و غنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني

غصة في قلوب كل الأهالي، تطايرت الآهات وكثرت التساؤلات حتى خرجت بعض الاستنكارات ونحن نستمع لأولادنا ينشدون بحب وأمل "بلاد العرب أوطاني!"

كيف سنفسر لهم حالة التردي العربي والمؤامرات التي تحاك ضد شعبنا وكيف سنشرح لهم التحالفات العربية، والتحالفات المضادة!؟ علينا في فلسطين أن نعيد النظر بتبني هذه القصيدة التي طالما أحببنا وأنشدنا منذ الصغر إلا أنها وبجمالها أبعدتنا عن الواقع وجعلتنا نعيش سنيناً من الأحلام والأوهام!

انتهى الحفل، ترجل الخريجون واعتلت الفرحة وجوه الجميع واستمرت الاحتفالات، انتشرت الورود وحلقت البالونات وتمازجت المشاعر، مشاعر جميلة جداً، مشاهد تحرك الوجدان، مع بساطة التخريج والفكرة، تجد نفسك كولي أمر متأثراً جداً فها نحن نخرج أبناءنا ونفرح بهم بناة لهذه الأرض، فعلى مستوى هذا التخريج الصغير، تعرفت خلال الأعوام السابقة على المُبدعين، فهؤلاء الطلاب منهم الفنان، القارىء، الرسام، الرياضي، الاجتماعي يملكون مهارات الحياة ومهارات القيادة ومهارات التواصل، شكراً لمدرسة الفرندز لتحضير جيل يملك من المهارات ما سيميزه ويسهل طريقه نحو مستقبل مستنير في فلسطين.

وأخيراً...هبوا يا بني قومي إلى العلياء بالعلم، الأداة الأكيدة والأكثر فاعلية لنا هي العلم وقبل أن نغني للأجيال القادمة 'بلاد العرب أوطاني'، فلنحقق الوحدة الداخلية فلنتحد وننهي أشكال الانقسام.