52 عاما على هزيمة ال1967

thumbgen (34).jpg
حجم الخط

عمر حلمي الغول

 

حلت في الخامس من حزيران / يونيو الحالي (2019) الذكرى ال52 لهزيمة الجيوش العربية الثلاثة: المصري والسوري والأردني، وكانت هزيمة ساحقة فاجأت الإسرائيليين انفسهم قبل العرب، ومعهم الأقطاب الدولية ودول العالم قاطبة لإكثر من عامل وعامل، منها على سبيل المثال لا الحصر: الديمغرافيا، عدد وحجم وتسليح الجيوش، الجغرافيا والقدرة على المناورة، الدعم اللوجستي ... إلخ لكن الجيوش العربية إفتقدت لإكثر من عامل وسبب آنذاك: المفاجأة، عدم الجاهزية والإستعداد الحقيقي للحرب، إنتفاء المصداقية في التعامل مع القدرات وحجم الخسائر، غياب الخطة الإستراتيجية والتكتيكية،  ولم تبنِ الجيوش بناءا صحيحا .. إلخ

كانت النتيجة الخطيرة، التي مازال العرب حتى يوم الدنيا هذا يدفعون ضريبتها، وهي هزيمة تلك الجيوش، وإنعكاس ذلك على مجمل التحولات الفكرية السياسية والإقتصادية والإجتماعية والسيكولوجية والثقافية، التي إنغرست عميقا في اللاوعي العربي الرسمي والشعبي، وتجلت بشكل اوضح في مركبات النظام السياسي العربي، وأنتجت ما أنتجتة من الظواهر الإنزلاقية المندعة نحو قاع القاع. غير ان ذلك لم يحول دون وجود إنجازات مباشرة رداعلى الهزيمة/ النكسة تمثل بانبعاث الظاهرة العلنية للثورة الفلسطينية المعاصرة، حتى كرست نفسها في المشهد الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى المستويات العربية والإقليمية والدولية، وباتت رقما اساسيا في معادلة الصراع، ثم إعادة الجيوش العربية الإعتبار نسبيا لمكانتها الوطنية والقومية في حرب تشرين أول/ إكتوبر 1973، رغم ان تلك الحرب فتحت الأبواب واسعة أمام إتفاقيات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية 1978 و1979، التي شقت وحدة الصف العربي الرسمي والشعبي، ومهدت الطريق لجملة من الإنهيارات، تجلت لاحقا في صمت العرب المريب والمتواطىء أثناء إجتياح إسرائيل للبنان العربي وعاصمته بيروت، تلك الحرب، التي إستمرت 88 يوما من القتال الشرس بين القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية وجيش الموت الإسرائيلي، وما إستتبع ذلك من حربي الخليج الأولى والثانية ونتائجهما المدمرة، ولاحقا عقد مؤتمر مدريد، وصولا إلى ما نحن عليه اليوم من واقع مريع مع تسيد إسرائيل الإستعمارية في العالم العربي.

هزيمة الخامس من حزيران / يونيو 1967، كانت الإمتداد الطبيعي لنكبة العام 1948، ونتاج عدم تمكن الأنظمة الوطنية من بناء دولة مستقلة سياسيا وإقتصاديا إلآ لفترات محدودة وضيقة لأكثر من شرط ذاتي وموضوعي: ترسخ ظاهرة الإنقلابات العسكرية في العديد من الأنظمة العربية؛ غياب التنمية المستدامة والحقيقية؛ إلهاء العرب في الحروب البينية فيما بينهم؛ إرتهان العديد من الأنظمة الملكية والجمهورية للتبعية الكاملة للسوق الرأسمالي؛ إستقطاب بعض الزعماء العرب للعمل كمخبرين لإجهزة الأمن الغربية وخاصة الCIA؛ غياب الديمقراطية حتى الشكلية في البنائين الفوقي والتحتي العربي؛ تهميش دور الثقافة والمعرفة والتربية، وإعتماد مناهج تربوية ضحلة ومتخلفة لاتمت  لروح العصر بصلة؛ غياب وإنعدام اي تكامل بين الدول والشعوب العربية؛ ضعف وبهتان دور حركة التحرر العربية، وإنضواءها لاحقا تحت راية الأنظمة الرسمية ... إلخ، كل ما تقدم أفرز واقعا عربيا عاريا، وممزقا وغوغائيا، وقابلا للعيش في مستنقع الهزائم الآسن، وبعيد كل البعد عن النهضة والتطور، وإستطاع نظام البترودولار من ترويض وغسل العقل العربي، وتهميشه، وإخضاعه لمبدأ التلقي والإصغاء والقبول الأعمى لإملاءات اصحاب الشأن مقابل فتات من الدولارات، ثم انتج قادة أنظمة البترودولاربالتعاون مع أميركا وإسرائيل أدوات إسلاموية تكفيرية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين لتعميق عملية التشرذم والتشظي العربية العربية، وتقسيم المقسم، وإنتاج هويات قزمية دينية وطائفية ومذهبية وإثنية لتصفية اية ملامح للدولة الوطنية، أو للتعاون القومي إلآ بالمعايير الشكلية.

المرحلة الراهنة، التي يعيشها الوطن العربي تشير إلى عدم وجود قاع محدد للهزيمة، لا سيما وان حالة الإنهيار تتدحرج بقوة وسرعة نحو عوالم أكثر سوداوية وظلامية وتشوها. هذا لا ينفي وجود إضاءات متناثرة هنا أو هناك نموذجها في فلسطين وتونس ةتصفية حكم الإخوان في مصر 2013، ويمكن إعتبار ما يجري في الجزائر والسودان إذا ما سارت عملية التحول الديمقراطي بشكل سلس، وبعيدا عن العبث الغربي عموما والفرنكوفوني خصوصا، والتحولات الدستورية المتواضعة في بعض الدول، لكن الحالة العامة للواقع العربي شديدة القتامة، ولا تبعث على التفاؤل كثيرا، رغم كل الإضاءات المذكورة آنفا. خاصة وأن صفقة القرن الترامبية المشؤومة وتفرعاتها كمؤتمر المنامة الإقتصادي الأميركي تمثل عنوانها، وتضللها بكل ملامح اللعنة والهزيمة الماحقة. كانت وستبقى هزيمة حزيران 1967 محطة فاصلة في التأصيل لما يعيشه العرب عموما والفلسطينيون خصوصا. الرد على ذلك يكون بإحداث تغيير جذري في الخطاب الفكري والسياسي والثقافي والمعرفي عموما، ونظام البناء الإقتصادي والقانوني والإجتماعي، وفصل الدين عن الدولة فورا ودون تردد، والتأكيد على دولة المواطنة.