في الوقت الذي لم يتم الكشف عن موعد البدء في تنفيذ ما يسمي في "صفقة القرن" وبالتزامن مع انعقاد الورشة الاقتصادية في العاصمة البحرينية "المنامة" التي تأتي تحت عنوان " الازدهار مقابل السلام" ، يطل علينا السفير الأمريكي لدى دولة الاحتلال "ديفيد فريدمان" بتصريحات خطيرة سياسياً على حياة القضية الفلسطينية وأسس الحلول العادلة والشاملة لها، والتي مفادها التشريع في إعطاء الحق ظلماً وعدواناً لدولة الكيان في ضم أجزاء ومناطق من الضفة الغربية ، والتي تأتي في نطاق أن الاحتلال صاحب الحق الكامل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، على اعتبار أن الشعب الفلسطيني لا يملك الحق في ملكية الأرض التي احتلتها إسرائيل.
تصريحات السفير الأمريكي لدى دولة الاحتلال، لم تأت من فراغ، بل كان لها ارهاصات ومقدمات تدلل على أن الرؤية الأمريكية ووفق سياسية ادارتها الجديدة بزعامة "ترامب" تقوم على خطة مدروسة ومعدة مسبقاً، عنوانها الرؤية الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء كافة معالمها السياسية التي تقوم على فكرة حل الدولتين ضمن سلام عادل وشامل يكفل للشعب الفلسطيني الحق المشروع في الحرية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
الرؤية الأمريكية لتصفية معالم القضية الفلسطينية، والتي سبقت تصريحات "فريدمان" تمثلت في عناوين هامة تم تطبيقها على أرض الواقع منذ تولي "ترامب" لسدة الحكم، منها إيقاف الدعم المالي لوكالة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وعدم الاعتراف بحق العودة وتقرير المصير، ونقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة على اعتبار مبطن أن القدس عاصمة موحدة لدولة الكيان، ناهيك عن الاعتراف الأمريكي الواضح بأن الجولان السوري المحتل هي أراضي ذات سيادة إسرائيلية.
المقدمات الأمريكية بالانحياز الفاضح والتام لدولة الاحتلال، والتي سبقت تصريحات السفير الأمريكي "ديفيد فريدمان" بحق إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية لمستوطناتها السرطانية، ليس بالأمر المستغرب والجديد على سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي منذ لحظة توليها سدة الحكم لم تنصف ولو على خجل أو بالشيء القليل الشعب الفلسطيني وفق القوانين والمواثيق الدولية التي تنص على الحق الفلسطيني في العدالة والحرية وإقامة دولته المستقلة.
الكم الهائل من التصريحات والخطابات السياسية الفلسطينية التي صاحبت تصريحات السفير الأمريكي" ديفيد فريدمان" كلها لا تتعدى في مضمونها الموضوعي سوى مزيداً من الاستنكار والشجب والتنديد اللفظي ليس إلا.! ، ولم تقدم في مضمونها عناوين وطنية فعلية للتصدي لتصريحات "فريدمان" ومواجهتها بشكل وطني واقعي ووحدوي وشمولي، ويعود ذلك لاعتبارات وطنية عديدة ، من أهمها حالة التيه السياسي التي تعيشه الحالة الفلسطينية وعلى رأسها المؤسسة الرسمية ، وانشغال الفصائل والأحزاب بتفاصيل حياتها اليومية وابتعادها عن الرؤية الشعبية في ضرورة انهاء الانقسام السياسي البغيض واستعادة الوحدة على أسس عملية تقوم على الشراكة الوطنية لكافة ومناحي تفاصيل الحياة السياسية.
أما عن الواقع العربي ورؤيته الشمولية من السياسة الأمريكية المنحازة لدولة الاحتلال ، فهو يخضع لاعتبارات عديدة ومتشابكة ومترامية الأطراف في مواقفه ورؤيته من السياسية الأمريكية وادارتها الجديدة ، والتي منها المحاور الإقليمية التي تخضع للحسابات وموازين القوى ، والوصول إلى حد التطبيع شبه الكامل مع الاحتلال ، وعدم استقرار الواقع السياسي العربي نتيجة الحروب والأزمات والنكبات التي أحلت به بعد ما يسمي تجاوزاً في ثورات "الربيع العربي" التي اجتاحت بعض الدول العربية والتي كانت ضمن رؤية سياسية عالمية قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ، لكي تفرض بساط تحكمها في الواقع العربي تمهيداً لسيطرة صهيو أمريكية كاملة ، وبالرغم من ذلك استطاعت بعض الدول العربية تجاوز المحنة وإعادة التوازن والرؤية وتحديد الهدف الوطني لها ولشعوبها وقامت بإنقاذ شعوبها من براثن الاستعمار المبطن ، وهنا نسوق جمهورية مصر العربية واقعاً ونموذجاً حيث تمكنت من استعادة واقعها الوطني وبعدها العربي بحنكة ساستها المميزة واجماع شعبها العظيم.
المعطيات السابقة الذكر فلسطينياً وعربياً تجعل من تنفيذ السياسية الأمريكية، ورؤيتها الخاصة على صعيد القضية الفلسطينية من جهة، وعلى صعيد الشرق الأوسط من جهة أخرى سهلة المنال ولا تحتاج إلى جهد وعناء في تنفيذ الإدارة الأمريكية الذي يصف في نهاية المطاف في مصلحة دولة الاحتلال ، فالانقسام السياسي الفلسطيني ، وعدم التوصل فلسطينياً لرؤية وطنية وحدودية شمولية ، وعدم القدرة على بناء نظام سياسي جديد يحمل في طياتها تحديد الرؤية في إدارة الصراع مع الاحتلال وقوى الاستعمار العالمية كلها عوامل مؤثرة سلباً على عدالة القضية الفلسطينية ، ومشروعها الوطني المستقل.
وأما عربياً فلا بد من أن تعاد القضية الفلسطينية لصدارة العمل العربي ضمن رؤية فلسطينية عربية واحدة ومشتركة، تعيد العنوان للقضية أهمية الشأن والاعتبار، بأن النزاع مع الاحتلال ليس نزاعاً فلسطينياً فقط، بل هو نزاعاُ عربياً وهو الأهم والأعم والأشمل، حتى تكون الرؤية فلسطينية عربية والحل العادل للقضية حلاً وفاقياً متوازناً، لكي تتوقف قوى الاستعمار والرؤية الأمريكية عن مناصرة الاحتلال، وصولاً للحق الفلسطيني في الحرية وإقامة الدولة المستقلة.