الطريق 443 شريان مواصلات رئيس، يسافر فيه سائقون من كل أطراف الطيف السياسي. محقون هم المستوطنون الذين يدعون بأنه لا يمكن اعتياد السفر على طريق فيه كمائن رشق حجارة او زجاجات حارقة. وغضبهم موجه – حقاً – تجاه ممثليهم، الذين يحتلون مواقع رفيعة المستوى في الحكومة، المترددة على حد رأيهم.
العمليات المتراكمة، التي تسمى «انتفاضة» على لسان المحذرين من «الارهاب» المتعاظم، لا يُستجاب لها من جهاز الامن بالشكل الذي ينبغي فيه برأي المستوطنين مكافحة «الارهاب».
ويطرح السؤال ما هي طريقة مكافحة «الارهاب»؟ هل منع العمل في اسرائيل او تشديد البيروقراطية المتشددة على أي حال على من نال تصريح الدخول سيوفر جوابا على «الارهاب» أم انه ينبغي فرض حظر تجول على القرى والمدن الفلسطينية، اجراء اعتقالات ادارية جماعية، طرد المشبوهين بـ «الارهاب» الى الخارج، اطلاق النار على راشقي الحجارة وملقي الزجاجات الحارقة، وربما تفجير منازلهم لغرض الردع؟
يبدو أنهم في جهاز الامن يعرفون الاساليب المذكورة وكذا اساليب ابداعية اخرى، وعلى الرغم من ذلك فان الجيش والمخابرات يستخدمونها بتقنين. وسبب ذلك معروف، ولكنه لا يجري الحديث فيه. فـ «المناطق» التي تسمى «يهودا» و»السامرة»، او «توسكانا» على لسان الشعراء، هي مناطق محتلة. دولة إسرائيل، ولا يهم اذا كان اليسار او اليمين في الحكم، تسيطر على السكان المدنيين، الذين ينتمون الى قومية اخرى، لا تعترف بشرعية حكمها.
نقول: كل الحكومات، يمينا أم يسارا، بذلت جهداً للسيطرة على السكان المقيمين في «المناطق» بشكل يثير حفيظتهم بأقل قدر ممكن، وبشكل يبدو للعالم أقل تعسفاً.
والنتيجة بعد عشرات السنين من الاحتلال هي خيبة أمل لاذعة، شك، وانعدام ثقة من الطرفين. يخيل أن هذا هو القاسم المشترك الوحيد بيننا وبين الفلسطينيين، ويجدر أن يسمى القاسم المشترك الادنى.
إذا ما سرنا بعيدا لنصل الى اطراف الطيف السياسي فسنحصل على اليمين الذي يرفض ان يرى ما الذي يؤدي في واقع الامر الى التصاعد في العمليات، واليسار الراديكالي الذي يركز على حقوق الانسان بشكل منقطع عن النزاع. فانعدام الامل لدى الفلسطينيين جراء السياسة المقصوده لحكومات نتنياهو بتجميد كل حوار هو السبب لتصاعد العمليات اليوم، مثلما هي ايضا المساهمة «المتواضعة» للارهابيين اليهود، الذين يسمون «فتيان التلال»، ممن يتعاملون مع السكان الفلسطينيين كغزاة رومانيين. ومن الجهة الاخرى، فان اليسار الراديكالي يركز على حقوق السجناء الفلسطينيين وكأن اسرائيل هي سويسرا و»حماس» و»الجهاد الاسلامي» يحترمان ميثاق جنيف.
لقد أثار المضرب عن الطعام، محمد علان، جنون اليمين وأقلق الباقين لأن الرجل، الذي ليس لأحد فكرة عما هو متهم به، نجح في إخضاع المنظومة. علان هو نموذج للاقتداء، وتحريره من شأنه أن يشجع سجناء آخرين على الشروع بالاضراب عن الطعام. من زاوية نظري من ليس مشاركاً في النزاع فإنه يعتبر مقاتل حرية. أما كمواطنة إسرائيلية فبودي أن اصدق بان المخابرات لا تعتقل الناس بسبب لحيتهم الكثيفة بل بسبب خطورتهم الفورية على أمن دولة اسرائيل.
إن الاعتقالات الادارية هي أداة اشكالية، ولكن في دولة كدولتنا، تتصدى لتهديدات غير عادية، مطلوب احيانا رد غير عادي، يجسر انعدام قدرة الجهاز القضائي على منح جواب لجهاز الامن، مثل كشف المصادر الذي يستوجب اجراء قضائيا نظاميا.
في هذه الاثناء، يشتعل الميدان ولكن حكومة اسرائيل تواصل سياسة الخندق، وفي كل فرصة تنثر بيد سخية البهار الايراني كي تشرح لماذا لا يمكن اجراء مفاوضات مع الفلسطينيين، وكأن الحديث عن مؤامرة خبيثة. أشرطة باراك، التي نشرت في نهاية الاسبوع، تدل خيرا (شتاينتس وبوغي ايضا لا يتحمسان لفتح حرب مع ايران) وشرا أن قوة حكومات نتنياهو هي بالاساس في عضلات اللسان.
عن «يديعوت»