بقلم: يوسف السيد صفوت أبوجهل
يَعُزُ عليَّ، أَنَنَي تَركتُ يوسُفَ الصغير وإبتعدْتُ عنهُ عُمراً طويلاً بغيرِ إرادةٍ مني،..
وكَبُرت، ثُمَ أيقنتُ أنَ ليسَ خلفَ هذه الملامحَ سِوى حُطامٍ ورماد، وعلى نحوٍ كئيب، رُحتُ أعيشُ الحياةَ لأنني على قيدِ الحياةِ فقط، وكَكَائِنٍ حي لم يَحِن ميعادُ موتهِ بعد، صرتُ أُفكرُ أنَ الموتَ هو إختصاراً رائعاً لِكُلِ هذه المهازلِ اليومية ، ثُمَ أُصبتُ بالبُعد،..
هارباً أقتربُ من كل شيئ، إلا من يوسُف ،يَحومُ الذئبُ من حولِه ، وا أسسفى على يوسُف،.. الذي أنا هوَ، وهُوَ إيايْ، أنايَّ البعيدةِ جداً، في داخلي، تحتَ قِشرتي الصَدِئَة هذه، أسمعُ صَدى صَوتَه طفلاً بريئاً ،يَبكي ويَضحك ويَصمتُ ويَلعب، يَغفو ويَصحو، ذلكَ السنجابَ الصغير، ما زالَ يَعضُني بلُطف، و يُخرفِشُ تحتَ جِلدي، حتى أيقظَ روحي، حينَ رأيتُهْ في المرآة، خلفَ تينَكَ العينينِ يضحك،..
أَحزنَنَي وأضحَكَني، مسحتُ عَنهُ بُخارَ الماء، قَرّبتُ وجهي إليه وأحبَبَتُه، بصدقٍ أحبَبَتُه، يا لِدواخِلِنا القريبَةِ منا ولا نراها،..وصِرتُ أزورُهُ كُلَ مساءٍ أومسائين، أطرُقُ بابَ روحي، أخلَعُ نَعلَيَ، تاركاً كُل هذا العالمَ المجحِفِ المُوحِش خارجاً، آوي إليه، أأمن لديه، أستريحُ بقُربِه أمُدُ رِجلَيَّ أطولَ إمتداد،أستلقي على أرضِهِ المليئةِ بالحُب واللَطافةِ والسَخَاءْ، أتأمَلُ سَماءَه، يا لها من سماءْ،..
يُعطِّرُني بالمِسكِ والتين، والكلماتْ، ونمضي نُبعِدُ، نُبحِر، نغرقُ، نطفو، نرسُمُ، نكتُب، نقرأ، نُمطِر، نَعدو حُفاةً بغيرِ إنقطاع، صديقينِ قريبينِ للغاية، دوناً عن العالَمِ والحياة، فلا شيءَ في الخارجِ مُلفِت،..
أيها الأصدقاء، السادة والسيدات، لا سعادة ولا حياةً حقيقية خارج ذواتنا وأرواحنا، لا تقبُروا أنفسكم في الحياة والتفاهات والعمل والأحاديث الجوفاء، فتلكَ هي العُزلَة، إن أرواحنا هي إتساعاً فريداً كبيراً، وهي أكبر شيئٍ على الأرض قد نصِلُ إليه ونحصلُ عليه ونصل به نحوَ السماء، صِلوا هذه الرَحِمَ المقطوعة، فإنها تشمَلُها الوصيَة .