كلمات من عفو الخاطر

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

كتب عدلي صادق

 بعد أربعين يوماً من انقضاض فلسطينيين على الفلسطينيين في غزة؛ أودع الراحل محمود درويش خزانة الذكرى، قصيدة قال فيها بضمير المُخاطَب الفرد: أنت منذ الآن غيرك! بعد إثنتي عشرة سنة، من الحدث والقصيدة، يحق للأخيرة، أن تقف لتسأل الأول ممثلاً في شخص الإنقضاض، بعد أن تهنئته على الظفر بمد مسافة الصيد في بحره بضعة أمتار: ماذا فعلت يا ابن أمي؟ لم يكن الشاعر يومها، قد تأكد بأن من يخاطبه، سوف يرتجف ويستحي من مجرد طرح فكرة الإحتفال بذكرى اليوم الذي سمّاه "حسماً" تشنّفت فيه آذان الأصوليين الظلاميين، بسماع صوت الرصاص، فيما المسلمون المستنيرون حزانى. فبعد أيام من الإنقلاب، أتيح لمحمود، مرة أخرى، أن يزور حيفا. وما أن جلس في مقعده على المنصة في قاعة الأمسية، التي غُصت بمن زحفوا اليها من كافة مدن وقرى الجليل؛ حتى شرد بذهنه الى غزة. فبين حيفا وغزة، حبلٌ سُرّيّ، كالذي يحيا به الجنين في بطن أمه، إذ تنتقل من خلاله فضلات الأول الى دورة الأم الدموية. ولأن فكرة خطر الموت العبثي، الذي شهدته غزة، طغت عليه؛ بادر المحتشدين قائلاً:"سألوني ألا تخشى على حياتك في الكرمل؟ قلت لهم لا أتمنى نهاية أعلى وأجمل". كان يهجو، بتلقائيته، الموت القبيح والقتل الغادر! بعد لحظات جاء البوح بسبب تأثره. عرض بإيجاز شديد، جماليات أحلامه الفلسطينية لكي ينتهي الى القول:" كنا نظن أننا نجحنا في أمرٍ واحد.. نجحنا في ألا نموت، الى أن صحوت من الغيبوبة، على عَلَمٍ بلون واحد، يسحق عَلَماً من أربعة ألوان.. وعلى أسرى بلباس عسكري، يسوقون أسرى عُراة..فيا لنا من ضحايا في زي جلادين"! أحس في تلك اللحظة، وهو يستشرف المآلات، أنه زاد من جرعة المرارة، فاستدرك مواسياً وواعداً، على مألوف الخطاب الفلسطيني، المأخوذ دائمأ بغواية البلاغة والتزيد في الوعود:"إن الدولة الفلسطينية واحدة من عجائب الدنيا السبع...لأن الاحتلال يريدها هزيلة عليلة...الشعب الفلسطيني البطل سيعرف كيف يضع حدا لجنون أبنائه"! في تلك الأثناء، كان الجنون قد أطلق صافرة البداية، وعلى لوحة النتائج، تجمعت النقاط والرزايا. لم تمض سوى سنوات قليلة، حتى أصبح الخط الإستراتيجي لرأس جحفل المُنقلب عليهم، خلع غزة من طاقم أسنانه، وفي غزة نفسها، بات الهدف الإستراتيجي للمنقلبين، القبض عليها هزيلة جائعة، ليرتسم مشهد اللص الذي يهجم على الشرطي المُرهق، فيحيطه بذراعيه، ثم يصرخ المهاجم نفسه:"إلحقوني"!