هذه الحالة الفلسطينية... إلى متى وإلى أين؟!

33.PNG
حجم الخط

بقلم: فيصل أبو خضرا

 

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

لا شك أن الشعب الفلسطيني بجميع فئاته وأطيافه،، وعلى ضوء ما يبدو من جمود إن لم نقل تدهورا في الأوضاع الراهنة يسأل زعماءه سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، إلى أين نسير؟ وهذه الحالة الفلسطينية إلى متى؟ ونريد جوابا أمينا و مسؤولا، بعيدا عن الخطابات الرنانة، التي أصابنا منها الطرش، أو الوعود السياسية والتي لم ينفذ منها إلا الشيء القليل القليل، مقابل سياسة إسرائيلية تُمارس أبشع أنواع احتلال عنصري في التاريخ القديم أو في تاريخ الاستعمارات الأوروبية لدول العالم.

هذا الاحتلال يبيح لنفسة مصادرة وتجريف أراض ليست له أو يهدم بيوتا لأي سبب أو حتى بدون سبب، و يعتدي يوميا على المقدسات الإسلامية والمسيحية، بدون أي رادع ووسط غياب أي رد فعل جاد باستثناء بيانات التنديد والوعيد.

لقد صبر شعبنا الفلسطيني لعقود طويلة على ظلم القوى الاستعمارية وانتظر منذ اكثر من ٧١ عاما العالم ان يتحقق حقه في تقرير مصيره على أرضة وأرض أجداده وإقامة دولته الحرة المستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية، الى ان جاء رئيس أميركي جاهل بالتاريخ المسيحي والإسلامي و حتى اليهودي ليعرض صفقات ظالمة، وكأن الحقوق الوطنية تباع وتشترى في سوق شريعة الغاب.

كما خرج علينا بمؤتمر المنامة الذي ولد ميتا، فالمعروف لكل مبتدىء بالسياسة انه وعبر التاريخ عندما يحصل صراع أو حروب أو مساع لإنهاء أي استعمار في العالم يجلس المتخاصمون مع بعضهم البعض، ولا مانع أن يكون وسيط نزية معهم للمساعدة في التوصل لاتفاق وتنفيذ القرارات الدولية، ويتم الاتفاق بينهم ثم يبدأون بعدها بمفاوضات الجانب الاقتصادي.

أما الاعتقاد بان عقد ورشة المنامة في البحرين، البلد الخليجي، وبحضور أطراف عربية يمكن ان يحقق أهداف الاحتلال الإسرائيلي وحليفته الإدارة الأميركية فهو اعتقاد أقل ما يقال فيه انه وهم، فهذا لا يعني أبدا ان الدول التي ستحضر وتشارك بمستوى متدن من المندوبين ستوافق على عروض الصهيوني الاشكنازي كوشنر وإدارته من أموال عربية وأكثرها خليجية، وكأن هذه البلدان الخليجية هي السبب في تشريد شعبنا الفلسطيني الذي لا علاقة له أبداً بما فعله النازي المجرم بحق هؤلاء الاشكناز.

وهنا نشير الى انه لم يذكر حتى في التوراة في أي سفر من أسفارها تشريد شعب يعيش على ارضه قبل دخول النبي يشوع بن نُون الى بلادنا عام ١١١٨ قبل الميلاد.

وهنا يكمن جهل ترامب وحليفه نتنياهو بتاريخ الشعب الفلسطيني الجبار الذي عاش على هذه الأرض المباركة قبل دخول النبي يشوع بن نُون بثلاثة الآف عام، أي أن شعبنا هو الذي تجذّر في هذه الأرض منذ آلاف السنين وليس كما يزعم نتنياهو وترامب وعتاة الصهيونية حول تاريخ يهودي مزعوم في هذه البلاد قبل الشعب الفلسطيني، ولو ألقى ترامب وكوشنير ونتننياهو نظرة على التوراة نفسها لأكتشفوا مدى جهلهم ومدى التضليل والأكاذيب التي تنطوي عليها مزاعمهم. وقد مر على بلادنا الكثير من بلاد الغزاة وشعوب الشرق كالمغول والكلدانيين ومن الغرب كالرومان ، ورحلوا جميعا ، ولم يبق إلا الشعب الفلسطيني صامدا في وطنه مدافعاً عن ارضه وأرض أجداده الذين بنوا الحضارة في بلادهم ومن معالمها جميع الموانىء التاريخية في فلسطين التي احتلها المستعمر الاشكنازي الجديد، ولكن هذا المستعمر جاهل في معرفة وطنه الفلسطيني وحبه لأرضه وأرض أجداده ،وأنه عبر التاريخ الطويل لم يشطب اسم فلسطين من خارطة العالم، بعكس إسرائيل، التي لم تكن موجودة على خارطة العالم قبل العام١٩٤٨م.

ولكن أميركا القوة العظمى في العالم أصبحت تدوس بأقدامها وأقدام الصهيونية على التاريخ والبديهيات التي يعرفها العالم أجمع . كما ان أميركا داست حتى على دستورها، الذي من أهم مبادئه رفض التمييز العنصري والإقرار بحق تقرير المصير لشعوب العالم.

ومع الأسف فإن الجاهل ترامب نسي من أسس لأمريكا شرف الحرية والكرامة ، والذي هو من اهم زعماء أمريكا (بنيامين فرانكلن) وغيره من الزعماء الكبار الذين وضعوا أسس الدستور الامريكي، وليس واحدا مثل ترامب الذي يعتبر قزما بين اولئك الرؤساء السابقين لأمريكا، وهذا ما تعلمناه في الجامعات الأمريكية نفسها. نعم انه كذلك لان الذي يدير شؤون أمريكا الخارجية اليوم هو اللوبي اليهودي الصهيوني في واشنطن وليس الدستور الأمريكي الذي يدافع عن حقوق الشعوب في بلادها.

العرب جميعهم وبدون استثناء رفضوا صفقة الخزي والعار التي يقترحها الرئيس ترامب، الذي يبدو انه ينفذ أجندة محاميه، ديفيد فريدمان، صاحب الباع الطويل في الهروب من إفلاسات القمار التي يملكها البليونير ترامب.

وبالرغم من صفقة ترامب ونتنياهو وورشتهما ومحاولاتهما تزييف التاريخ وفرض واقع استعماري جديد إلا أن شعبنا وقيادته وعلى رأسها الأخ الرئيس محمود عباس بقيا صامدين متمسكين بالحقوق الثابتة والمشروعة، كما أن شعبنا الفلسطيني يقدر ويثمن مواقف سلطته الوطنية بقيادة الأخ الرئيس محمود عباس، الذي قارع وبالحجج التاريخية والدينية اليهودية في واشنطن زعماء "ايباك" أثناء حكم أوباما ، وجعل العالم بكامله يعترف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ويدعم رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، إلا أمريكا التي لم تحترم دستورها ولا قيمها العليا التي داست عليها من اجل حفنة من عصابات اشكنازية، نكلت بشعبنا وارتكبت مائة وخمسين مجزرة في المدن والقرى الفلسطينية، وتعتبر نفسها من العرق السامي، وسيدنا نوح وابنه سام منهم براء.

هذا كله مقابل شعب فلسطيني صابر ومازال يصبر على ظلم الاستعمار الجديد،بأجهزته القمعية ومؤسساته وفي مقدمتها ما يسمى بالبرلمان أو الكنيست الذي اصدر ولا يزال سلسلة من القوانين العنصرية ضد شعبنا، صاحب الأرض، وضد الحجر والشجر الراسخة جذورها في الأرض الفلسطينية.

وشعبنا الفلسطيني، بكل فئاته من من مفكرين وشعراء وأطباء ومهندسين ومدرسين وصحفيين، وعمال وفلاحين، في فلسطين ودول الجوار والشتات وبكل فصائله وسلطته الوطنية ومنظمة التحرير ممثله الشرعي الوحيد، يقول لا لصفقة العار ولا لمال الدنيا مقابل وطننا فلسطين وعاصمتنا المقدسة القدس الشريف، ليوجه بذلك صفعة لمبعوثي ترامب الذين يحلو لهم مهاجمة القيادة الفلسطينية ، محاولة الإيحاء والزعم ان مواقفها الوطنية الثابتة لا تعبر عن موقف شعبنا بأسره.

لقد وضع الأخ الرئيس محمود عباس بشجاعة وصراحة الكثير من النقاط على الحروف أمام قادة الأمتين العربية والإسلامية وأمام العالم أجمع. وهنا وفي هذه الظروف الحرجة والمصيرية فإننا نطلب من الأخ الرئيس محمود عباس ان يضع النقاط على ما تبقى من حروف أمام شعبنا المناضل حول من يقف معنا ومن يقف على الحياد ومن يقف ضدنا في مواجهة كل هذه التحديات.

ونحن نعلم انه وإضافة للاحتلال وحليفته أميركا فإن ايران هي سبب رئيسي في عدم إنهاء الانفصال المأساوي ونعلم أيضا من يعمل لصالح شعبنا وقضيته ومن يعرقل مسيرة هذا الشعب من بين الفصائل.

ومرة اخرى نقول ان من من حق شعبنا ان يعرف بوضوح من قيادته مع اقتراب عقد ورشة المنامة وما سيأتي بعدها الى أين نسير.

وواضح أن حل القضية الفلسطينية لن يأتي لا عبر اجتماع المنامة ولا عبر صفقة القرن ولا باستمرار انتظار إنهاء الانفصال، خصوصا بعد أن سمعنا ما صرح به علانية الدكتور محمود الزهار مؤخرا، مما يعني للأسف أن لا حل لهذا الانقسام.

إن حلحلة القضية وصولا الى حلها يمكن أن يأتي اذا دعمت السلطة الفلسطينية انتفاضة شعبية عارمة في الضفة وغزة وعصيانا مدنيا حقيقيا عبر مقاومة سلمية لا تتوقف، لأن الحرية والاستقلال لا يمكن أن يمنحا بمفاوضات اقتصادية أو سياسية مع هذا النوع من الاستعمار، بل ينتزعان منه، وعلى الشعب والفصائل أن يكونوا على استعداد لهذا النضال الشاق. أما انتظار السياسة الاستعمارية الامريكية التي تدعم السياسات العنصرية الاستعمارية من الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ، فلن يسفر سوى عن زيادة في قضم فلسطين وتهويد القدس وتحويلنا الى عبيد لدولة الاشكناز العنصرية بقيادة المتطرفين أمثال نتنياهو وليبرمان وبينت وشاكيد وغيرهم .

لنواجه هذا الاستحقاق ونعمل بجد على حل قضيتنا الوطنية بأيدينا. الشعب الفلسطيني لا يريد ورشا اقتصادية أو منحا مالية من أي جهةً، فالحمد لله لدينا ما يكفي من العلم وخبراء الاقتصاد، للنهوض بواقعنا الاقتصادي بعد إنجاز المهمة المركزية وهي إنهاء الاحتلال، واكبر دليل على ذلك ، انه وبالرغم من الهجرة القسرية ، عام ١٩٤٨ الى لبنان ودول الخليج وغيرها من الدول العربية والعالمية إلا أننا عملنا بجد وثقة في جميع المجالات البنكية والاقتصادية والتعليمية واسهمنا بفاعلية في بناء ونهضة العديد من الأقطار.

نحن نريد أرضنا فلسطين المستقلة، أي نريد حقنا في الحياة الحرة الكريمة وليس أي معونة مادية من أي جهة كانت، ولله المستعان.