أعلن وزراء المالية العرب، التزامهم بمقررات جامعة الدول العربية الخاصة بتفعيل شبكة أمان مالية لدعم موازنة الحكومة الفلسطينية بمبلع 100 مليون دولار أميركي شهرياً، سواء من خلال الأمانة العامة للجامعة أو مباشرة لحساب وزارة المالية الفلسطينية، لمواجهة الضغوطات والازمات المالية التي تتعرض لها.
وأكد وزراء المالية العرب في بيان عقب ختام اجتماعهم الطارئ، اليوم الأحد، برئاسة تونس بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، الدعم العربي الكامل لحقوق دولة فلسطين السياسية والاقتصادية والمالية وضمان استقلالها السياسي والاقتصادي والمالي .
وأدانوا القرصنة الإسرائيلية لأموال الشعب الفلسطيني، ودعوا المجتمع الدولي لإدانتها والضغط على الحكومة الاسرائيلية لوقف هذه القرصنة واعادة هذه الاموال الفلسطينية كاملة غير منقوصة.
ودعا وزراء المالية العرب، الدول الاعضاء لتقديم قروض ميسرة بمبالغ مالية في شبكة الامان المالية، بالاتفاق الثنائي مع دولة فلسطين ومواصلة تقديم الدعم المالي او القروض الميسرة لدعم مشاريع البنية التحتية والتنموية لدولة فلسطين.
بدوره، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، اليوم الأحد، أن تفعيل شبكة أمان بمبلغ 100 مليون دولار شهرياً، أصبح اليوم في ضوء الظروف الضاغطة ضرورة ملحة، واختبارًا حقيقياً لمدى جدية الالتزام بدعم صمود الشعب الفلسطيني.
وقال أبو الغيط: إن "جميعنا يعرف أن قرار تفعيل شبكة الأمان يجري تجديده في كل قمة عربية منذ قمة بغداد في 2012، وآخرها قمة تونس الثلاثين، بل وفي قمة مكة غير العادية قبل أسابيع"، مشددًا على أهمية العمل على المستوى العربي بصورة حثيثة وناجزة على إسناد الفلسطينيين عبر شبكة الأمان المالية، أو بأي صورة من صور الدعم المالي، على سبيل المنح أو حتى القروض، من أجل تجاوز هذه الأزمة الضاغطة والخطيرة.
وأشار إلى أن عجز الموازنة الفلسطينية بلغ نحو 700 مليون دولار هذا العام، في ظل محدودية الموارد والإيرادات، كما أن "أموال الضرائب المستحقة للسلطة تُمثل نحو 70% من الإيرادات المحلية الفلسطينية"، وفق قوله.
وأضاف أبو الغيط: إن "الموقف الفلسطيني في رفض استلام الأموال منقوصة مبدئي، يستدعي الاحترام ويفرض علينا كعرب تقديم كل الدعم والمساندة، ذلك أن الأموال هي أموال فلسطينية، ولا يحق لإسرائيل في استقطاع أي جزء منها، والتسليم بحق إسرائيل في معاقبة الفلسطينيين اقتصادياً بهذه الطريقة هو شرعنة لإجراء غير شرعي أو قانوني، فضلا عن كونه غير إنساني أو أخلاقي".
وتابع: وأردف: لقد تابعتُ هذه القضية عبر الأشهر الماضية باهتمام شديد، وأثرتها مع أطراف دولية عدة على أكثر من صعيد، وحررت خطابات لعدد من هذه الأطراف أنبه لخطورة الموقف الذي يبدو أنه يتدهور يوما بعد يوم".
من جانبه، أكد الكاتب العام لوزارة المالية التونسية عبد الرحمن الخشتالي، أهمية مواصلة الدول العربية لمساندة السلطة الفلسطينية مالياً، بما يضمن استمرارها في الاطلاع بمهامها وتطويق تأثيرات العقوبات الإسرائيلية عليها، مثل احتجاز أموال الضرائب وغيرها من الإجراءات التي تستهدف الشعب الفلسطيني لإضعاف وكسر إرادته.
ودعا الخشتالي لاتخاذ خطوات فاعلة لتفعيل القرارات العربية الرامية لمساعدة السلطة الفلسطينية في مقدمتها القرار الصادر عن القمة العربية التي عقدت في تونس 2019 بتفعيل شبكة الأمان المالية المخصصة للسلطة الوطنية الفلسطينية، معربًا عن تمنياته بأن يتوصل الاجتماع إلى موقف يعكس المكانة المركزية للقضية الفلسطينية، وحرص الدول العربية على دعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
من جهته، قال وزير المالية شكري بشارة، إن "الوضع المالي للحكومة الفلسطينية أمام منعطف خطير نتيجة القرصنة الإسرائيلية لعائدات الضرائب الفلسطينية (المقاصة)"، داعياً الدول العربية الى التدخل العاجل لتوفير شبكة أمان مالية بـ155 مليون دولار شهريا، تنفيذًا لقرارات القمم العربية المتعاقبة.
وأضاف بشارة: إن "مساعدات المانحين انخفضت بشكل حاد خلال الأعوام الستة الماضية، من معدل مليار دولار قبل العام 2013 إلى أقل من 450 مليون دولار في عام 2018، أي بانخفاض 60%، وذلك بشكل أساسي نتيجة توقف الدعم الأميركي، وعدد من الدول الأخرى".
وتابع: "بالرغم من ذلك فقد استمررنا في تطبيق استراتيجيتنا دون إثقال كاهلنا بأي اقتراض مالي إضافي، وتمكنّا من الحفاظ على الدين العام بنسبة متواضعة لا تتجاوز 11% من الناتج المحلي".
وأردف: "نلتقي اليوم ونحن نواجه وضعاً مالياً خطيراً، وخلال الستة أعوام الماضية تم اعتماد استراتيجية تتمحور حول هدفين رئيسيين: الأول: تخفيف العجز الجاري تدريجياً، والابتعاد عن تمويل النفقات الحكومية الاستهلاكية مقابل التوجه نحو تمويل النشاطات الاستثمارية والتطويرية، والثاني: الاستعداد استباقياً للسيناريو الحتمي والمتمثل في تراجع المساعدات المالية الدولية، وذلك من خلال تعزيز اعتمادنا على مواردنا المتاحة ذاتياً".
واستكمل حديثه: "قطعنا شوطاً متقدماً لتحقيق هذه الأهداف، فقد نجحنا في مضاعفة إيراداتنا خلال الأعوام الستة الماضية عن طريق الترشيد والإصلاح، بالرغم أننا خفضنا ضريبة الدخل في العام 2016 من 20 إلى 15%، وذلك لضخ سيولة بالأسواق وتحفيز القطاع الخاص الفلسطيني، وبذلك تم تقليص العجز الجاري من 13? من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013، إلى 4.5% في عام 2018، وكنا متجهين لتخفيض العجز هذا العام إلى 2.5% قبل الانتكاسة الأخيرة".
وأردف: "لكي لا نضلل أنفسنا، فإنه وبالرغم من الانجازات على صعيد إدارة المال العام، إلا أننا على يقين بأنه لا يوجد أي بصيص أمل لمأسسة اقتصاد فلسطيني قابل للازدهار والنمو المستدام تحت معوقات الاحتلال العسكري الخانق الذي تجاوز النصف قرن"، متسائلاً: "كيف يمكن أن نحقق نمواً قابلاً للديمومة في ظل حرماننا من الاستثمار في أكثر من 64% من أراضينا المعروفة بمناطق (ج)، والتي أصبحت يوماً بعد يوم مخصصة لتطوير المستوطنات وللأغراض العسكرية الإسرائيلية، وكيف يمكن أن نطور البنية التحتية ووسائل النقل بين مدننا أو المشاريع الإسكانية في تلك المناطق وتطوير القطاع الزراعي أو استغلال المصادر الطبيعية، في ظل استمرار حرماننا من أبسط حقوقنا والمتمثلة بحق الوصول إليها واستخراجها".
وأضاف: "كيف يمكن تطوير القطاع السياحي في ظل حرماننا من حقنا في الوصول إلى القدس الشرقية والأماكن المقدسة فيها التي أنعم الله عليها بكونها تاريخياً من أهم المعالم الدينية والسياحية، والذي يجهله العالم أن معظم الفلسطينيين محرومون من وضع قدمهم فيها، وكما يعلم الجميع نحن لا نتمتع بحرية الحركة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أنّ حركة المواطنين والسلع داخليا تتعرض لسلسلة معيقات من الحواجز العسكرية في الضفة الغربية تزيد عن 700 حاجز عسكري إسرائيلي، ومن هنا كيف يمكن حتى أن نقيس اقتصادنا ولو نسبياً عندما لا نسيطر على حدودنا، ومياهنا، وهواؤنا، ولا نتمتع بأي سيطرة على أي مرفأ يربطنا مع العالم الخارجي".
وتابع: إن "هذا الواقع المرير، يولد تلقائياً عجزاً تجارياً متأصلاً في السلع والخدمات لصالح إسرائيل، يبلغ حاليا حوالي 6 مليارات دولار سنوياً، ونتيجة لواقع الحال غير المتوازن أصبحنا معتمدين بشكل أساسي على الضرائب والرسوم الجمركية التي يتوجب على اسرائيل إعادتها لنا شهرياً، وفقاً للاتفاقيات المبرمة، وفي طليعتها بروتوكول باريس لعام 1995، وللتذكير هذا البروتوكول ينص على أن الضرائب ورسوم الجمارك تستوفى وتعاد إلى مكان الاستهلاك النهائي، بمعنى أن هذه الأموال تدفع مسبقا من قبل الفلسطينيين حكومة ومواطنين لكي تعود لنا بعد 50 يوماً منقوصة من عمولات وتكاليف واقتطاعات وجزء كبير منها دون أي تفسير أو شروحات شفافة".
وأردف: "نتيجة العجز التجاري لصالح إسرائيل وحجم الاستيراد منها، أصبحت قيمة الضرائب التي يتوجب على إسرائيل إعادتها لنا تقدر بحوالي 200 مليون دولار شهريا، أي ما يعادل 2.4 مليار دولار سنويا، وبمكر واستغلال لا مثيل له فقد شوهت إسرائيل على مدار الـ25 عاما الماضية الأطر الناظمة بشأن إعادة الضرائب".
وأشار إلى أن إسرائيل أعلمت السلطة الفلسطينية بقرارها بخصم مبالغ إضافية من الأموال الفلسطينية تبلغ 12 مليون دولار شهرياً أي 144 مليون دولار سنوياً، وبررت هذا القرار أنه إجراء عقابي أقرته الكنيست الإسرائيلية لمعاقبة السلطة على ما نقوم به من دعم وتأمين رواتب، وبدلات اجتماعية، ومساعدات إنسانية لصالح عائلات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والجرحى وعائلات الشهداء.
وتابع: "أصبح حتماً علينا رفض الاقتطاعات غير القانونية برمتها، ونتيجة لذلك، فنحن نتعامل الآن مع وضع مالي معقد وخطير وأصبحنا ملزمين بالاعتماد على 40% فقط من دخلنا".
وأضاف: "ارتأينا أن نتجه إلى إخواننا في الدول العربية للمسارعة في إنقاذ الوضع المالي المأساوي الذي نمر به، فلا بد الاستمرار والالتزام بقرار جامعة الدول العربية القاضي بدعم فلسطين بمبلغ 55 مليون دولار شهرياً، وتفعيل شبكة الأمان العربية بقيمة 100 مليون دولار شهرياً وفقا لقرارات جامعة الدول العربية، وهي الحاجة الفعلية لضمان استمرار النظام الفلسطيني على مدار الأشهر المقبلة، هذا هو الحد الأدنى الذي يسمح لنا بالبقاء والوفاء بالتزاماتنا المالية والتربوية والصحية والاجتماعية ودعم المخيمات داخل وخارج فلسطين، خاصة تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة".
ومثل وفد دولة فلسطين في الاجتماع وزير المالية شكري بشارة، ووكيل الوزارة فريد غنام، وسفير دولة فلسطين لدى مصر، مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية السفير دياب اللوح.
ويأتي انعقاد الاجتماع اليوم بدعوة من الأمين العام للجامعة العربية، والذي يأتي تنفيذاً للقرار الصادر عن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي عقد يوم 21 إبريل الماضي بالقاهرة بحضور الرئيس محمود عباس، وتنفيذ قرار قمة تونس بتفعيل شبكة أمان مالية بمبلغ (100) مليون دولار أميركي شهريا، لتتمكن القيادة الفلسطينية من مواجهة الضغوط السياسية والمالية التي تتعرض لها.