قراءة في خطة “السلام من أجل الازدهار”

حجم الخط

بقلم: الدكتور أحمد جميل عزم*

 

كثيراً ما تسمع قصصاً من فلسطينيين أن الإسرائيليين جاؤوا وصادروا أراضيهم وعرضوا عليهم شيك تعويض، أو أنهم قدموا لهم شيكا بسعر عال شريطة ترك أرضهم للمستوطنين. هذا شيء قريب مما تفعله الإدارة الأميركية الراهنة، وتقدمه ثمناً للصمت الفلسطيني على القضاء عليهم وطنياً، والهدف ليس تعويضهم، بل تأليب العالم ضدهم أنهم يرفضون التعويض، وأنهم بسوء إدارتهم سبب معاناتهم.


أعلن البيت الأبيض رسميّاً، وثيقة تخص التصور الاقتصادي للوضع الفلسطيني لمدة عشر سنوات. ويتوقع أن تكون محور اجتماعات البحرين. 
تتكون الوثيقة من 38 صفحة، وعنوانها الأساسي “السلام من أجل الازدهار”، والعنوان الفرعي “الخطة الاقتصادية: رؤية جديدة للشعب الفلسطيني”.


تستحق هذه العناوين التوقف، فأولاً، البدء بالسلام لأجل الازدهار، كأنّ السياسة تسبق الاقتصاد، وهو ما يطالب به الفلسطينيون، وجزء كبير من العرب والعالم، ولكن المطروح خطط اقتصادية مجردة. وهذا في الواقع يمكن فهمه، في ضوء السياسات الأميركية الفعلية، فالتصور الذي يقوده الفريق الأميركي المعني بالشأن الإٍسرائيلي، أنّه يمكن تحقيق ما يريده الإسرائيليون سياسياً، (القدس، الجولان، تدمير وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين (الأونروا)، ضم المستوطنات، …إلخ)، مقابل “رشوة” الفلسطينيين مالياً، بمساعدات ضخمة، عابرة، وربما وهمية، وتدفع من الجيوب العربية والدولية، لا تؤدي لاستقلال سياسي أو اقتصادي، بل ترسخ التبعية للإسرائيليين، وأنّ الفلسطينيين يجب أن يوافقوا.

ولكن الفلسطينيين بشكل خاص، رفضوا هذه الخطة.


الجزء الثاني من العنوان الرئيسي للخطة، يستحق التوقف، خصوصاً بعد قراءة التفاصيل، فالمشكلة لدى الفلسطينيين، وإسرائيل لا علاقة لها بالأمر. 
يسجل عنوان الفصل الأول، “طرفة” تستحق التوقف، فقد جاء في العنوان “اتفاقية سلام دائم ستضمن فرصة لمستقبل اقتصادي لكل الفلسطينيين”، ولكن في النص لا يوجد إشارة لاتفاق سلام، كأنّه كان هناك فقرة عن الموضوع وأزيلت ونُسي العنوان كما هو.

في الواقع ذُكرت إسرائيل ست مرات في الخطة، وفي كل المرات ذكرت بجانب الأردن ومصر، وأحياناً أضيفت لبنان، وفي كل هذه المرات الحديث عن التجارة والتعاون الاقتصادي، ولم تذكر إسرائيل كطرف في المشكلة أو كاحتلال أبداً. فكأن السلام ليس مع إسرائيل، وكأن إسرائيل طرف في الحل، وليست أساس المشكلة.


مجمل الخطة، يتحدث عن تطوير التعليم، والاقتصاد، والحوكمة. وبالأحرى قسّمت الخطة إلى ثلاثة أقسام، (إطلاق القدرات الاقتصادية، تمكين الشعب الفلسطيني، تعزيز الحوكمة الفلسطينية”. رغم ذكر كلمة الشعب الفلسطيني (people)، فإنّه لم يتم الإشارة إلى أي تجسيد وطني أو سياسي لهذا الشعب. فقد ذكرت كلمة “دولي” 27 مرة، عند الحديث عن الأسواق والمجتمع الدوليين، ولكن لم تذكر كلمة “دولة” في الإشارة لفلسطين أو مستقبلها مُطلقا، ولم تذكر كلمة وطني (national)، إلا في مرة واحدة عند الحديث عن قاعدة بيانات وطنية.


هناك عبارات عديدة، تعكس السعي أن يقرر واضعو الخطة، للشعب الفلسطيني مستقبله، وطموحاته، وحتى أحلامه. فمثلا جاء أنّ الخطة تساعد الفلسطينيين على “السعي نحو أحلامهم”، ولم تناقش الخطة أحلام الفلسطينيين بالاستقلال وزوال الاحتلال وعودة اللاجئين. بل تحدثت الخطة عن إعادة خلق ثقافية فجاء فيها أنها تتضمن “فرصا جديدة من أجل نشاطات ثقافية وإعادة خلق ستحسّن نوعية الحياة للشعب الفلسطيني”، كأن مشكلتهم بسبب ثقافتهم.


العنوان الوحيد الذي قد يتخيل شيئا وطنيا وسياسيا حقيقيا في هذه الخطة، هو “المعابر الحدودية”، فهل ستنحسر السيطرة الإسرائيلية؟ أو تزول؟ لا شيء من هذا أبداً، بل يدور الحديث عن تحسين العبور ونقل البضائع. وهذه فكرة إسرائيلية موجودة منذ سنوات، والإسرائيليون هم من يجبون الجمارك والأموال، وهم من يقرر كم يدفعون للفلسطينيين. ويشاهد المسافرون بين الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن مؤخرا مشاريع موجودة فعلاً، لتحسين مناطق تخزين ونقل البضائع.


الفلسطينيون لا يسيطرون على الأرض أو الحدود أو المياه أو الموارد الطبيعية أو الأسعار فكيف سيقومون بالتنمية؟


كل ما في الخطة يستحيل تحقيقه مع بقاء الاحتلال، فمثلا “خفض الجمارك”، بل حتى أسعار المحروقات، أمر لا يقرره الفلسطينيون، بل الاحتلال. ما هو مطروح ألا يطلب الفلسطينيون الحرية، مقابل وعود يستحيل تحقيقها بوجود الاحتلال، ويسهل تحقيقها إذا زال.

جامعة بير زيت - عن "الغد" الأردنية