لا يكاد نحال عربي يكتب اسم "أحمد عبود" على محرك البحث "قوقل" إلا ويبدأ رحلة التعليم الممتعة التي تنقله من صناعة الخلايا إلى غذاء النحل وشروط التهوية وكيفية جمع العسل وحبوب اللقاح، ليطول المطاف بين جنبات عالم النحل الفلسطيني "أحمد عبود" الذي كرسَ وقته في التنقيب بهذا المجال، ليُترجم ذلك عبر حلقات ينشرها على "اليوتيوب" بهدف نقل الفائدة للكل العربي، ما جعل دروسه محط نظر النحالين الذين يرتقبون كل جديد لديه، والتي كان آخرها تقنية التزاوج تحت ضوء القمر بعد إطلاعه على التقنية في هولندا.
"أحمد عبود" بدأت حياته مع تربية النحل برفقة والده في قرية "طنطورة" قضاء حيفا في زمن الانتداب البريطاني، موضحاً أنّه عمِلَ في عالم النحل منذ (35) عاماً حيث كان والده نجاراً ونحالاً يصنع الخلايا الحديثة ذات الإطارات المتحركة في فلسطين، وكان النحالون العرب من دول الجوار يتوافدون إلى فلسطين لرؤية الخلايا التي يصنعها والده.
وأضاف عبود خلال حديثه لوكالة "خبر": "بعد النكبة الفلسطينية في العام 1948 هاجرت العائلة إلي سوريا، وواصل والدي صناعة الخلايا الحديثة، التي كان شاهدها عند المحتل الإنجليزي في وقت لم تكن موجودة في الدول العربيةن التي كانت تعتمد على الخلايا الطينية، ما أدى لزيادة معرفة النحالين السوريين والعرب بها".
وتابع: "الحكاية بدأت مع جدتي أم والدي، التي كانت تُربي النحل مثل كثير من نساء الريف الفلسطيني، حيث تعلّمَ والدي منها وأصبح شغوفاً وهاوياً لتربية النحل، وعمِلَ أيضاً في مشاريع نموذجية كانت تُسمى في فلسطين بالدوبيا، ولازمَ شغف صناعة الخلايا والدي بعد الهجرة، لكنّ بسبب ظروف الهجرة لم يعمل فترة بتربية النحل ثم أصيب بمرض الروماتيزم، وفي حينه وصف له الأطباء قرص النحل، وذهب إلي أحد النحاليين واشترى منه طرداً وصنع خلية أُعجب بها النحالون، فصنعَ 40 خلية حديثة في البيت ليواصل بذلك هوايته في تربية النحل ويوفر على نفسه العلاج".
ولفت إلى أنّه انتقل بعد ذلك من سوريا إلى ليبيا، وفي ذات يوم خرج إلى "غابة" فوجدَ طرداً فوق شجرة، وعاد إليه والده في اليوم التالي وبرفقته صندوقاً معبئاً بالعسل، وبذلك عاد إلى تربية النحل مجدداً وبنى (10) خلايا لتربيتهم، واصفاً العودة لتربية النحل بالبداية المشوقة.
وأردف عبود: "مع تلك البداية المشوقة كنت في حينها أدرس العام الثاني من علوم الفيزياء بالجامعة، وكنت أساعد والدي في تربية النحل، وأيضاً عملت في تربية النحل إلى جانب والدي، وكرست علوم الفيزياء في عالم النحل".
واستدرك: "في البداية أنشأت خلايا معزولة لمقاومة الحرارة، وصنعت بعض الأدوات الخاصة بتربية النحل، وبعدها أصبح لي اسم وعملت مع جمعية مربي النحل التي كانت تستورد النكتبول من ألمانيا، فحصلت في حينه على عرض من إدارة جمعية صناعة المادة للعمل معها بعد أنّ تمكنت من معرفة تركيبتها وعناصرها، وبالفعل صنعت ماكينة الإنتاج والمادة المكونة للنكتبول وأصبح لدينا اكتفاء ذاتي وأصبحنا نُصدر تلك المادة لكل المدن الليبية".
وبيّن أنّه بعد التخرج من كلية علوم الفيزياء البحثية في العام 1992، كانت أول محطة احترافية له في أطراف طرابلس بعد حصوله على قطعة أرض مشجرة من وزارة الزراعة، وآنذاك أنشأت محطة وقواعد ثابتة لتغذية الخلايا وفق مبدأ الأواني المستطرقة والتغذية الآلية للمساعدة في تربية ملكات النحل بشكلٍ كبير، بالإضافة إلى صناعة حاضنات كهربائية مستخدماً بذلك علم الفيزياء.
وأشار إلى أنّه بعد البدء في تربية (10) خلايا بدأ بالاحتراف وأصبح يمتلك (800) خلية، حيث كان إنتاج العسل يُقدر لديه بحوالي (30) طناً، مضيفاً: "كان لدي بعض الملاحظات من خلال مراقبة النحل، وهو تناسب كمية حبوب اللقاح مع العسل، وذلك بالضغط على بطنها لتسقط نقطة الرحيق لتقدير مدى نجاح الخلايا وكانت النتيجة نجاح كبير".
وقال: "بعد ذلك أصبح لدي شغف وحلم في النحل بدأ منذ العام 1992، واتجهت لتربية ملكات في الكؤوس البلاستيكية التي عرفتها من خلال قرءاة مجلة أمريكية كتبت عن الاختراع الجديد، فطلبت الكؤوس عن طريق جمعية النحل في طرابلس وتم استيرادها، ومن ثم بدأت بها"، موضحاً أنّه أول نحال في العالم العربي استخدم هذه الكؤوس وأنتج بواسطتها ملكات وهلال ملكي.
تطوير العمل
قال عبود: "في بلغاريا أنشأت شركة متخصصة في إنتاج معدات تربية النحل، وابتكرت عدة أدوات مفيدة في المجال، بينها قاشطات ومجموعة من الأجهزة، وسجلتها كبراءة اختراع في الاتحاد الأوروبي، كما أنشأت منحل، من خلال عملي في النحل وأصبح لدي اهتمام بإنتاج حبوب اللقاح ومصايد حبوب اللقاح، وبدأت التدقيق في عيوب وإيجابيات المصايد التي تتميز بالبساطة، وركزت اهتمامي على كيفية صناعتها بأيدي النحال وبما يمتلكه من معدات بسيطة ومواد أولية".
وتابع: " قبل أربع سنوات انضميت إلى عالم موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، وبدأ في كتابة عدة مقالات عن تربية النحل وتقنيات الخلية ومنتجاتها، بالإضافة إلى نشر مقاطع فيديو حول تقنية إنتاج حبوب اللقاح لأنّها غير معروفة للأسف في العالم العربي".
وأوضح: "كل معارضنا العربية مليئة بمنتجات سم النحل والحبوب اللقاح والبروبليس المستوردة، في وقتٍ نمتلك به خبرات غير معروفة، لذلك بدأت في تصنيع مجفف حبوب اللقاح ونشرت موديلاً سجلته ووضعت مخططه بين أيدي النحالين، وأصبحت أنتقل من دولة إلي أخرى لشرح وبعض التفاصيل العلمية".
ونوّه إلى أنّ أول دورة نظمها في هذا المجال كانت بالأردن ومن ثم المغرب، مُردفاً: "قدمت 11 دورة وصنعت كافة المعدات حتي تكون مرجعاً، ومنها المجفف وماكينة حبوب اللقاح وجميعها بين أيدي النحالين".
كما بيّن عبود أنّ التقنيات التي وضعها أصبحت في متناول النحالين، حيث يبدأ المحاضرة على الدوام بتقسيم العمل، مثل: "تقنية حبوب اللقاح، يتم فيها شرح كل التفاصيل اللازمة لعملية الإنتاج وكيفية التركيب والتعامل مع المنتج، وتسويقه وحفظه عن طريق التبريد أو التجفيف بطريقة علمية وفق المواصفات والشروط الأوروبية، وأيضاً إنتاج البربلويس والمحرضات الخمسة التي تُحفز وتدفع النحل لجمع البروبيس وأنواع المصايد الشبكية وغيرها، بالإضافة إلى فصل البروبليس وتحويله لبودرة أو سائل".
ونبّه إلى أنّه لم يكن يمتلك أجهزة جمع سم النحل، ونبضات جمع السم وكيفية الحصول عليه في نقاء عالي، إلا أنّه ومن خلال دروات تلقاها في الوطن العربي، وجد عدة أخطاء في المقاسات النحلية التي كانت عائقاً أمام جمع البلوبليس، حيث كان الثقب غير مناسب مثل نوع النحل في المغرب والجزائر، بالإضافة إلى "صدر النحلة".
وكشف أنّ الدولة الوحيدة التي كانت تجمع حبوب اللقاح هي الجزائر، عدا أنّها تستخدم المصائد لكّنها ضعيفة جداً وأيضاً الثقب حجمه غير مناسب لحجم النحل، ولذلك تم تصحيح الخطأ بوضع القطر المناسب وهو 4.5 وليس 4.6، علماً بأنّه لكل دولة مقاس يتم تحديده وفق حجم النحل، لأنّ العديد من دول المغرب العربي يمتاز نحلها بصغر حجمه.
الإنجازات
لفت بعود إلى أنّه استمر في تطوير علمه وتعلّم البرمجة بعدة لغات عبر برنامج "الأوتوكاد"، حيث بدأ في تصميم الماكينات الخاصة بتربية النحل مثل: "ماكينات الشمع الأوتوماتيكية المصنعة لشمع الأساس، وماكينات إزالة الرطوبة من العسل، وتكسير بلورات العسل، وغيرها"، موضحاً أنّ عمِلَ بماكينات (c.n.c)، بالإضافة إلى استمرار نشر الأبحاث والتقنيات الخاصة بجني العسل.
وتابع: "بدأت في نشر مخططات الماكينات التي توصلت لها، واستخدمت في صناعتها الخشب الموجود في كل الدول العربية، وأيضاً استخدام دفائات الحرارة بدرجة 2000 واط، بدلاً من الدوائر المعقدة، وذلك لتسهيل إنتاج حبوب اللقاح، لافتاً إلى أنّه عرضَ فيديوهات لماكينات التنظيف المصنوعة من الخشب عبر "يوتيوب" ومواقع التواصل الاجتماعي.
وأكّد على أنّ زوجته كانت داعمة له باستمرار، على عكس بعض الزوجات اللواتي يتأففن من اهتمام أزواجهن بتربية النحل أو قضاء وقتٍ طويل بهذه الأمور.
وأشار عبود إلى أنّه كشف عن تقنية جديدة، وهي تلقيح الملكات تحت ضوء القمر والتحكم بالسلالة بدون اللجوء للتلقيح الصناعي، مُبيّناً أنّه سيتجه خلال وقتٍ قريب إلى هولندا للحصول على دورات في مجال التلقيح تحت ضوء القمر، لنقلها عبر قنواته في مواقع التواصل ويوتيوب.
وأضاف: "أترقب أي تقنية جديدة في أوروبا لتعلمها ونشرها، حيث أصبحت الآن أمتلك سبعة مواقع تتحدث عن منتجات الخلية، بينهم موقع مخصص في جمع سم النحل وتسويقه، وجمع حبوب اللقاح وتسويقها، وأيضاً حول آلية جمع وتحويل البوروبليس إلى بودرة"، مُنوّهاً إلى أنّه ينشر العديد من المعلومات الغير معروفة لدى النحالين العرب.
وقال : "كل دولة تتميز في مجال معين وقد وجدت أنّ كلمة النحل تعني عند معظم العرب العسل، مع أن الخلية لها منتجات عديدة مثل حبوب اللقاح الذي يتحول إلى خبز النحل، أمور أخرى يمكن أن تُنظم لها معارض خاصة، وكل الدورات التي قمت بها الدول العربية كان للنحال العربي شغف كبير للتعرّف على كيفية إنتاج حبوب اللقاح".
وتابع: "في وقتنا الراهن انتشرت آلية إنتاج حبوب اللقاح في الأردن وسوريا، إلا أنّ دول المغرب والجزائر تميزت بإنتاج كميات كبيرة منها، وأصبح البروبلس متوافر باستخدام المصائد والتقنيات الحديثة سواء على شكل سائل أو بودرة، وفي نفس الوقت أصبحت صناعة سم النحل تتم عن طريق مولدات النبض واللوحات المتنوعة، حيث كانت المعدات مرتفعة جداً وتُقدر تكلفة الجهاز بحوالي 500 دولار، أما الآن اصبح بمقدور النحال صناعته بما لا يتجاز 10 دولار فقط".
ونوّه إلى أنّ المخاطر التي كانت تُواجه النحال في الوطن العربي هي قلة إنتاج العسل نتيجة العوامل الجوية والجفاف، فيما تعدّدت منتوجات الخلية، وأصبح باستطاعة النحال إنتاج حبوب اللقاح، لتعويض قلة النحل ويكون بذلك قد أوجد دخلاً ثابتاً في الربيع، وفي الصيف يتم إنتاج سم النحل من خلال استخدام حبوب اللقاح، وفي الخريف يجري إنتاج "البروبليس" وبذلك يتم تقليل كمية الجهد.
وختم عبود حديثه بالقول: "أوجه كلمة للنحال العربي، بضرورة الاهتمام بالبحوث الحديثة والتقنيات المنتشرة في العالم الغربي المتقدم، مثل تقنيات إنتاج حبوب اللقاح وخبز النحل وسم النحل والبربوليس والهلام الملكي، والابتعاد عن إنتاج العسل فقط، لأنّ العسل أصبح مُنتجاً ثانوياً في العالم الغربي، حيث إنّ بعض المنتجات الأخرى المفيدة والرائدة يمكن إنتاجها".
الصور تتضمن أول دورة في المغرب والتي مثلت انطلاقة نوعية في إنتاج منتجات الخلية عام 2016