زار هرتسوغ المقاطعة، وعاد من هناك مفعما بالثناء على ابو مازن، الذي يحزم حقائبه قبيل زيارة طهران وفتح ممثلية إيرانية في رام الله. بتفاؤل آسر يعد أيضا بأن الفلسطينيين مستعدون لـ»خطوات أصيلة في المواضيع الجوهرية». فهل بانتظارنا تنازل تاريخي عن «حق العودة»؟ أم لعل محمود عباس سيغدق على إسرائيل حدودا أمنية في الغور، منعا لوصول «داعش» او الحرس الثوري الى طريق رقم 6؟
عثر بوجي على «فرصة إقليمية نادرة»، «تاريخية»، في استعداد السعودية ودول سنية مهددة أخرى للاستناد الى قوة إسرائيل العسكرية لإنقاذها من «داعش» وإيران. وفي مثال عن ر. يهوشع، يسمح الأسد للقلق بأن يدخل منقاره الى حلقه كي يخرج من هناك عظمة خانقة. خروجه منه بسلام هو ثوابه. وها هو، بدلا من أن يدفعوا لنا في لحظة ضيقهم – مثلا، التنازل عن المبادرة السعودية (تقسيم القدس، حدود 1967، اللاجئين) – لدى هرتسوغ اللقلق هو الذي يدفع مقابل إخراج العظمة.
يذكرنا تفاؤل هرتسوغ ببطل كتاب فولتير الكلاسيكي «كنديد أم تفاؤل» (1759) الذي يجتاز تجارب رهيبة من الكوارث والشر الإنساني: هزة أرضية في ليشبونا تقتل عشرات الآلاف، اختطاف زوجة أحلامه واغتصابها المرة تلو الأخرى، مرض السفلس، فظائع محاكم التفتيش، النجاة من إغراق يغرقه فيه منقذه، وفي كل هذه يرى «الخير الكامن في كل العوالم المحتملة».
بروح تفاؤل عبثي كهذا، فإن هرتسوغ «يؤمن بأن الزعيمين سيدخلان الى الغرفة وينظر الواحد في عيني الآخر ويتوصلان الى اتفاق». وهما لا يحتاجان الا الى «السعي بشجاعة»، القيام بـ»خطوات شجاعة»، «الا يخافا، الا يخشيا، ان يتجرآ». فكيف يستوي هذا مع تسمية نتنياهو «مجرماً» فقط لأن جنديا قتل من هاجمه بسكين؟ مع الإعجاب بـ»المخربين» وتوزيع الجوائز على «الإرهابيين» القتلة؟ مع منكر الكارثة عباس نفسه، الذي يستخدم ضدنا آلة التحريض والمقاطعة الكبرى منذ أيام غوبلز؟ وما هو التفسير في أنه لا يوجد توقيع واحد، تعهد واحد، لم ينتهكه الفلسطينيون. فقط تفاؤل «كنديدي» مغمض العينين، ومقابل توقيع آخر كهذا مستعد ليسلمهم جبال «السامرة» التي تشرف على غور بيسان وحتى غوش دان.
سذاجة؟ كنديد ليس ساذجا، وكذا هرتسوغ بعيد عن ذلك. كنديد سقط في الأسر ونومته مغناطيسيا فلسفة شوهت رؤيته وشوشت تفكيره. جمود أيديولوجي كهذا لا يتأثر بالواقع. أمام مفهوم السلام لا أهمية للحقائق.
تفسير علمي لهذا الشيطان الآسر يعطيه البروفيسور كينت لفين، مؤرخ وعالم نفس، في كتابه «متلازمة أوسلو». وحسب لفين، تعمل هنا «عقدة الولد المضروب» الذي يتهم نفسه عبثا في أن سلوكه الشرير هو سبب معاناته، ويقع في الوهم في أن السلوك الخير من جهته سيغير شيئا ما. وهو ملزم بأن يؤمن في أنه فقط اذا ما فعل هذا وذاك، فإن وضعه سيتحسن. وهو لا يمكنه أن يسلم بواقع ان معاناته اعتباطية تماما.
وفيما يشبه ذلك يرفضون عندنا التسليم بواقع أن الرفض العربي، ومع الحصار، هو حقيقة معطاة وثابتة، طالما أردنا ان نقيم لنا دولة هنا. وضد حقيقة الحياة هذه يصرخ شعار اليأس غير العقلاني «هل الى الابد سيأكل السيف؟» من أجل صحته النفسية الضرورية، ذاك الذي يخضع للحصار والوهم في أنه اذا انسحب من هنا ومن هناك سيتوقف العداء وسيرفع الحصار. هل يمكن فتح عيني الولد المضروب؟
عن «يديعوت»
الاحتلال: قتلنا أحد منفذي عملية تل أبيب والآخر مصاب بجراح
02 أكتوبر 2024