حسم الصراع أم تأجيجه !؟

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

عبد المجيد سويلم

الصراع في منطقة الإقليم أصبح دون غطاء من أي نوع كان، وتحول إلى صراع مكشوف على الهيمنة والنفوذ والتحكم.
وهو صراع يفتقد كل أنواع التوازن. وهذا بالذات هو مكمن الخطر فيه ومنه على حدٍ سواء.
وإذا أردنا أن نسلسل الأمور ونبسّطها (بمعنى أن نرجعها إلى أصولها وجذورها وإلى ما أصبحت عليه اليوم) فإن لدينا المعطيات التالية:
معادلة دولية مختلة بالكامل، لأن الولايات المتحدة تهيمن في الواقع على مجمل الحالة العربية عموماً، وهي حليف لإسرائيل، وشريك لها في خطط ومخططات هذا الصراع، في حين أن باقي أطراف المعادلة الدولية إما حيادية سلبية، أو حيادية إيجابية، أو ربما حليفة غير لصيقة لأي طرف من أطراف المعادلة.
الصين ليست حليفاً لإسرائيل ولا لتركيا ولا لإيران، ولا لأي مركز من مراكز الحالة العربية.
روسيا، أيضاً، ليست حليفاً إلاّ نسبياً لسورية، ولكنها على علاقة إيجابية مع إسرائيل وتركيا، وهي حليف جزئي لإيران.
الاتحاد الأوروبي ليس حليفاً مباشراً لأحد من أطراف هذه المعادلة، لكنه ما زال يدور في الفلك الأميركي، وعلاقاته حذرة للغاية مع روسيا، وأقل حذراً مع الصين، وهو مناوئ لإيران، ومتخوف من تركيا، ولا تروق له السياسة الإسرائيلية، ولا يقيم وزناً حقيقياً لعلاقاته الاقتصادية والعسكرية مع مراكز القوة في الحالة العربية.
تركيا تطمح للخروج من دائرة السيطرة المباشرة للولايات المتحدة دون أن تتمكن، وربما دون أن تطمح لذلك (أصلاً)، وهي تناور وتلعب على التناقضات، لكنها محكومة باصطفاف يستحيل الخروج منه في المدى المنظور.
أما إيران فقد تحولت إلى الهدف المباشر لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي تحاول الإبقاء على علاقة قوية مع روسيا والصين، وعلى علاقة إيجابية مع الاتحاد الأوروبي، وهي بسبب تحولها إلى هدف مباشر تلملم كل الأوراق الممكنة لإجهاض استهدافها وتقويضه.
ولدى إيران البعد الديمغرافي والجغرافي والسياسي القوي في منطقة الإقليم، وهي تلعب بكل هذه المعطيات وتستند إليها.
أما الحالة العربية فهي ليست حالة موحدة ولا تشكل مركزاً واحداً أو موحداً، أو كتلة مصالح متراصة قائمة بحد ذاتها.
الواقع يقول إن الهدف من كل معادلة الصراع هو السيطرة على العالم العربي، وإبقاؤه مشتتاً وواهناً وهشاً، وصولاً إلى تقسيمه واقتسامه وانقسامه.
الحالة العربية هي حالة هلامية تفتقد إلى المركز القيادي الفعال، فلا مصر قادرة على قيادة الحالة العربية، وهي ليست قادرة على المدى المنظور لأسباب ليس مجالها هنا، ولا الخليج مؤهلاً لكي يكون البديل عن القيادة المصرية.
والحالة العربية بهذا المعنى ليست سوى حالة معنوية وإعلامية، ولكنها ليست حالة مادية متماسكة ومصالح سياسية موحدة. ولو كان للحالة العربية مواصفات وحدة المصالح والأهداف لما كانت المعادلة الشرق أوسطية على هذه الشاكلة أصلاً، ولما كانت الأطراف المكونة للمعادلة على نفس الخطط والأهداف والتحالفات والاصطفافات.
إذاً، الصراع في الإقليم هو صراع على الحالة العربية فيه. وهو صراع على الهيمنة على الحالة العربية، وليست الحالة العربية إلاّ ما يمكن اعتباره موضوع الصراع. أي أن الصراع هو على أن لا تكون الحالة العربية «ذات» في هذا الصراع، وبقاء العالم العربي خارج الفعل والتأثير المستقل في كامل هذه المعادلة هو حجر الأساس في مجمل الصراع. تهمش الموقف التركي لأن المصالح الاستراتيجية التركية أعيد تفصيلها على مقاس الأردوغانية، وتضخم الموقف الإيراني لأنه فصّل أساساً على المصالح القومية للدولة الإيرانية.
أما إسرائيل فقد وجدت نفسها بعد أن حلت الترامبية وتربعت على سدة البيت الأبيض في وضع باتت بموجبه قادرة على حسم هذا الصراع لمصلحتها.
خلاصة القول هنا هو أن إسرائيل على عجلة من أمرها لحسم هذا الصراع، وكل ما يدور في المنطقة الآن من خطط ومخططات هو بالضبط خطط ومخططات حسم الصراع.
العقبات التي تعترض حسم هذا الصراع هي:
1ـ تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه الوطنية وصموده في وجه هذه الهجمة.
2ـ نفوذ إيران وقوتها العسكرية والعلمية، وطموحاتها لامتلاك التكنولوجيا النووية، واحتواء كل مكامن قوتها.
3ـ وحدة الموقف العربي الداعم للحقوق الوطنية الفلسطينية، وأهمية استهداف هذه الوحدة وتفكيك الإجماع العربي حولها.
4ـ إعادة إشغال سورية ومنع النظام من استعادة السيطرة على الإقليم الجغرافي السوري إلاّ بعد أن يتم فك تحالفه مع إيران و»حزب الله».
5ـ تخريب لبنان وتحويله إلى حالة الاحتراب والشرذمة والفوضى قبل الفصل الأخير من هذه الخطط والمخططات.
6ـ إجهاض أية محاولات للنهوض الاقتصادي لكامل دول المنطقة، وخصوصاً الضغط المباشر على الأردن باعتباره الرئة التي يتنفس منها الجزء الأكبر من الشعب الفلسطيني.
تعتقد إسرائيل أنها ماضية قدماً وبنجاح نحو حسم هذا الصراع من خلال السعي لتركيع الشعب الفلسطيني، لكن الواقع يقول إن إسرائيل في الحقبة الترامبية لا تفعل شيئاً سوى إعادة تأجيج هذا الصراع، وهي لن تربح أبداً هذه الحرب، بل هي عاجزة حتى عن ربح معركة حقيقية واحدة في هذه الحرب. وهذا الموضوع بحاجة إلى مقال مخصص.