الخطأ الاستراتيجي الأميركي !

ناجي-شراب.jpg
حجم الخط

بقلم: الدكتور ناجى صادق شراب

 

كرر جاريد كوتشنر وفريقه دائما أن الفلسطينيين قد ارتكبوا خطأ إستراتيجيا بعدم مشاركتهم ورشة البحرين ، والتي كما أشار عن قصد انها قد عقدت من أجلهم، وان إدارة الرئيس ترامب لن تتخلى عن الفلسطينيين، وأن الفلسطينيين يستحقون العيش بكرامة وطنية.

والسؤال من الذى إرتكب الخطأ الإستراتيجى؟ هل هي الولايات المتحده؟أم إسرائيل؟ وهل هي الدولة التي نظمت الورشة وأستضافتها؟ وهل هي الدول العربية التي شاركت؟ سؤال مطروح.

الإصرار على أن الفلسطينيين هم من أرتكب الخطأ الإستراتيجى فهنا تكون النوايا البعيده ان من يتحمل الفشل الدائم هم الفلسطينيون، وأن إسرائيل ليست مسؤولة، وهنا يكمن عدم العدالة بوضوح. وكيف يمكن التساوى في المواقف بين الدولة التي تحتل كل الآراضى الفلسطينية، وكيف يتحمل المسؤولية الشعب الفلسطيني الذى يعانى من ذل وإهانة الاحتلال اليومية بالإعتقال والقتل ومصادرة ألآراضى وهدم البيوت، وبالأسرى القابعين في سجون إسرائيل، وبالحصار والحروب؟

وهل أرتكب الفلسطينيون خطأ إستراتيجيا عندما ذهبوا إلى مدريد ووقعوا إتفاقات أوسلو، واعترفت منظمة التحرير بإسرائيل دولة لها أن تعيش في أمن وآمان وكأى دولة عربية، ومقابل ان تكون بجانبها دولة فلسطينية ديموقراطية مدنية تعددية؟

وهل إرتكب الرئيس عرفات خطأ إستراتيجيا عندما مد يده للسلام إلى إسحق رابين وشمعون بيريس في حديقة البيت الأبيض وبحضور الرئيس بيل كلينتون؟ وهل من الخطأ الإستراتيجى ان يقبل الفلسطينيون بدولة على مساحة 20 في المائة فقط متنازلين عن 25 في المائة من أرضهم التي أقرها قرار التقسيم في الأمم المتحده رقم 181؟

وهل الخطأ الإستراتيجى في السنوات الطويلة من التفاوض التي التزم بها الرئيس عباس، وظل رافعا شعار السلام والمفاوضات ونبذ كل العنف والكراهية؟

الفلسطينيون لم يحضروا ورشة البحرين ليس لأنهم لا يريدون الازدهار الإقتصادى لشعبهم، ولا يرفضون المساعدات والمنح المالية ويقرون بها، بل هم يرفضون ان يكون هذا ثمنا سياسيا مقابل التنازل عن حقوقهم المشروعة، والتنازل هنا يعني التنازل عن الهوية الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني ، واي شعب لا يقبل بهذا التنازل.

نعم الاقتصاد ضرورى وشرط للسلام، كما يقول جاريد كوتشنر، ولكن عندما تعلن وتعرف الرؤية السياسية ، والمبادئ العامة التي تحكم المستقبل السياسي. هل هناك دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية؟ هل هناك حل عادل لمشكلة اللاجئيين؟ هل هناك قبول بالمبادرة العربية، التي اعلن كوشنر صراحة انها لم تعد مناسبة كإطار للحل.

الخطأ الاستراتيجى وكما جاء في مقالة مشتركة لثلاثة كتاب ومسؤوليين إسرائيليين وهم عامي أيلون، مدير الشين بيت سابقا، وغيلارد شير، مدير طاقم رئيس الوزراء إيهود باراك، ورجل حزب العمل أورنى سشكا في مقالة لهم في مجلة بوليتيكو وصفوا خطة السلام ألأمريكية أنها غير أخلاقية وغير عملية، ووصفوا ورشة البحرين ألتى أنهت أعمالهاقائلين "لو قمت بخدش سطح حملة العلاقات العامة لوجدت نهجا تبسيطيا في التعامل مع وضع معقد. وان الورشة تتعامل مع المظهر وليس مع الجوهر، وانها ليست أكثر من إسم جديد لفكرة فاشلة، ووضع الاقتصاد قبل السياسة خطأ إستراتيجى وليس تكتيكيا، وخطأ آخر على طريق طويل من الفشل.

فالتركيز على الاقتصاد خطأ قد يعيق التفاوض من جديد، ويعتبر صفعة في وجه الفلسطينيين. ولا احد ينكر أن الفلسطينيين يتطلعون لتحسين إقتصادهم، وقدراتهم وأن يعيش شعبهم في رخاء، لكن تبقى ألأولوية لهم حق تقرير مصيرهم. ولو كان ألأمر متعلقا بإحتياجات اقتصادية ومال لماذا الصراع، و هناك إتفاق باريس ، ولم يحقق الهدف منه، الإنتفاضتين ألأولى والثانية لم تندلعا نتيجة مطالب إقتصادية ، بل لأهداف تتعلق بالشعب الفلسطيني، ومصيره السياسي".

هذا التوصيف لهؤلاء الكتاب الإسرائيليين ليس من باب الدفاع عن الفلسطييين ، ولكن من منطلق ان هناع صراع له أبعاد كثيرة، ويحتاج إلى حل. فتقديم الاقتصاد على السياسة يعني نهاية العلملية السياسية. وهذا ما ذكره جاريد كوتشنر لا مجال للسياسة الآن، وفي الوقت المناسب سيتم ألإفصاح عن الجانب السياسي، وهذا هو الخطأ الإستراتيجي ، وليس الموقف والقرار الفلسطينيي. وهذا النهج ليس بالجديد بل هو نفس النهج الذي سارت علية الإدارات ألأمريكية منذ نشأة الصراع، وإذا كان الاقتصاد شرطا ومطلبا للسلام لماذا تعاقب إدارة الرئيس ترامب الفلسطينين بشطب القدس من طاولة التفاوض، وإلغاء كل المعونات والمساعدات عن وكالة الغوث ، بل والمطالبة بالغائها، وشطبها؟ ولماذا تغلق مكتب منظمة التحرير التي منحت إسرائيل الشرعية السياسية التي إنتظرتها سنوات طويلة؟

الفلسطينيون لن يمنعوا تدفق ألأموال وتحسين أوضاعهم الاقتصادية ولكن عبر آلية دولية وليس أمريكية ، وتصحيح الخطأالإستراتيجى، يكون فعلا بعيش الشعب الفلسطيني بكرامة وطنية وبإنهاء الاحتلال وقيام دولته المستقلة القادرة على إدارة مواردها الاقتصادية ، وليس عبر آلية الاحتلال التي تسعى الخطة الاقتصادية ألأمريكية إلى شرعنته وديمومته.