حديث يوم الجمعة

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

أثناء انتظار صلاة وخطبة الجمعة، كان الحديث يدور عن السياسة والاقتصاد على هامش ورشة المنامة ورزمة المشاريع التي طرحت، وهي ليست مشاريع جديدة، بل حصيلة عديد اللجان الدولية التي استنزفت أموالاً طائلة لإعداد هذه المشاريع؛ لنيل ثمن سياسي دون أن يتحقق شيء من المشاريع الإستراتيجية.
وتظارف أحد المصلين موضحاً أن استراحة القهوة بالنسبة للإسرائيليين المشاركين في ورشة المنامة هي الأهم والأكثر أهمية؛ لأنهم من خلالها سيخرجون عن الرسميات ليتبادلوا أطراف الحديث مع الوفود العربية.
وآخر قال: إن الموضوع اليوم فلسطينياً ليس أساسه براعة وتميز أداء داخلي؛ لأن الضغوطات التي تمارس علينا تحتاج إلى قدرات سياسية وتصليب الجبهة الداخلية، فنحن نعرف إمكانيات الحكومة ومكوناتها، ولو كان الظرف طبيعياً لنهضت وحققت تميزاً.
بعد انقضاء الصلاة، كان الحديث أكاديمياً مفرطاً في الأكاديميا، حيث تجمعنا مع نخب أكاديمية في وداع أستاذ جامعي توفاه الله، وكانوا يصرون على أن دور المستشفيات الحكومية بالأساس منح الحياة للمرضى، وبالتالي هم يرون غياب البروتوكول في المستشفيات الحكومية، فتطوّع الطبيب الذي لا تربطه في المشافي الحكومية أي صلة، قائلاً: بالعكس يوجد بروتوكول، إلا أن الأكاديميين أصروا على أن الأمر يتعلق بإطالة أمد الحياة، وأصر الطبيب متسائلاً: أين يموت المرضى؟ غالبيتهم في المستشفيات.
واضح أننا نحمّل المستشفيات الحكومية فوق طاقتها من باب واحد لا ثاني له، وهو أننا كلنا نريد أن نتعالج خارج الوطن أو في المستشفيات الإسرائيلية، ولا نرى مفراً من هذا الوضع إلا إلقاء اللائمة على المستشفيات الحكومية وإلصاق كل شيء بها، حتى أننا نريد أن نتيقن أنهم يجب أن يمنحونا الحياة، وبالتالي تدخلنا في قرار العلاج من قبل الطبيب المختص وأي كان فهو مسؤول دون نقاش.
تدخلت كوني من الذين يكثرون غلبتهم، بالقول: بالعكس تماماً، في أي حالة آلام بالصدر فوراً يوضع المريض في المشفى الحكومي تحت الرقابة ويمنع من المغادرة، ويستدعى الطبيب المختص. صحيح أن ضغطاً يفوق طاقة الأطباء والتمريض على أقسام الطوارئ في المستشفيات، ولعل المثال الساطع مجمع فلسطين الطبي في رام الله، الذي يخدم كل محافظة رام الله والبيرة وبعض مناطق ضواحي القدس، فمهما تخيلنا تطويراً للإمكانيات، لن نستجيب للضغط بشكل يكون واضحاً، إلا إذا تم فتح مراكز طبية حكومية في تجمعات القرى المختلفة؛ ليخفف الضغط ويخلق تركيزاً في عمل المستشفيات.
واستمرت جولة النقاش في ذات الموقع بتدخل من أحدهم، محملاً جمعية حماية المستهلك مسؤولية جديدة قائلاً: "موضوعكم ليس الأسعار فقط، بل يتسع ليشمل قضايا كثيرة أهمها (التهرب الضريبي)، ففي حال تم تحسين الجباية في الوطن وضمان عدم التهرب ستتوفر موارد مالية كبيرة تسهم في التنمية".
واستطرد مضيفاً: "أنا عندما أدفع ضريبة القيمة المضافة لا أدفعها للتاجر، بل أدفعها للخزينة، إذاً هو يحصلها ولا يوصلها للخزينة؛ على اعتبار أنها حقه، ولا يوثقها إلا عندما نطلب فاتورة لأغراض محاسبية، ولماذا لا يدفع المهنيون على اختلاف مخصصاتهم الضريبية للمساهمة في موارد الخزينة، أم أن الموضوع هو أن على رأسهم ريشة؟".
صديقه قال له: يا زلمة انت بتشرح للزلمة وبتطالبه.. خاطب وزارة المالية. إلا أن المتحدث أصر على أن مسؤولية جمعية حماية المستهلك أن تحمينا أمام الجميع، ولا أخاطب غيرهم.
خطوتان إلى الأمام بين الحشد، وإذ بالأب يشكو همّه؛ كون أبنائه صيادلة ولا يجدون سبيلاً لفتح صيدلية؛ في ضوء تشديدات نقابة الصيادلة بوضع لائحة انتظار، وعدم الرغبة بزيادة أعداد الصيدليات، وبقاء الخريجين ضمن راتب متواضع إذا توفرت فرصة عمل، وكذلك بسبب ارتفاع خلوّات الصيدليات المعروضة للبيع، ما يتيح للشركات شراء عدة صيدليات وفتح فروع متعددة على حساب الأجيال الصاعدة الذين يصبحون موظفين ليس إلا.
قلت له: إن الأمر يتعلق بوزارة الصحة ونقابة الصيادلة والقانون وإمكانية اتخاذ الإجراءات اللازمة. فأصر على أن المرجعية وزارة الصحة، إلا أننا تفاجأنا بأن القانون يحتوي على وصف أن المرجعية هي نقابة الصيادلة.
سألني أحدهم بخصوص تلوث مياه مردا في محافظة سلفيت، وتسمم أعداد من أهل القرية، وتصريحات سلطة المياه بمنع الهيئات المحلية من استخدام أي مصدر مائي دون التأكد من سلامته، وأنه يجب الحصول على موافقة سلطة المياه، وفي نفس الوقت أكدت وزارة الصحة على سلامة مياه مردا، طيب السؤال: لماذا لا ينسقون مع بعضهم البعض.. سلطة المياه ووزارة الحكم المحلي ووزارة الصحة ومجلس تنظيم قطاع المياه.
واضح أن المشهد يظهر عدم التنسيق، خصوصاً أن الدول المانحة أنفقت مبالغ كبيرة على تأسيس واستمرارية مجلس تنظيم قطاع المياه، وأن مختبرات وزارة الصحة المركزية مؤهلة لفحص المياه ومصادرها، الأمر الذي يستدعي التنسيق وخطاباً موحداً تجاه قضايا المياه ومصادرها والتلوث وكيفية علاج القضايا.
وباتت الناس تقول: يبدو أن أفضل حل لتأهيل وتحديث شبكات المياه هو الإعلان عن تلوث وتسمم بعض المواطنين، ما يؤدي للاستنفار والتحرك من قبل جهات الاختصاص لمعالجة الأمر.
ساعتان يوم الجمعة، استمعنا فيهما لكل هذه القضايا، فما بالنا لو أمضينا سحابة اليوم كله بين الناس أكاديميين ومهنيين وعمالاً وطلاباً، لخرجنا برزمة من القضايا المتعددة التي تتطلب جيشاً جراراً للتعاطي مع أسبابها ونتائجها وآثارها كمعيقات.