قراءة أولية في هبّة اليهود " الفلاشا"

راسم عبيدات.jpg
حجم الخط

بقلم: راسم عبيدات

 

المجتمع الصهيوني يعاني من تصدعات وشروخ اجتماعية، وتجري في داخله كأي مجتمع صراعات طبقية، تلك الصراعات نتاج سيطرة أغلبية يهودية اشكنازية على مفاصل الدولة الرئيسية من مال واقتصاد وسياسة وانتاج، طبقة تنظر الى باقي المكونات للمجتمع الصهيوني بمنظور عنصري إستعلائي،ولا يمكن لها في يوم من الأيام على سبيل المثال لا الحصر ان تسمح بان يقود يهود " الفلاشا" الدولة، فهي غير قابلة او مستوعبة لعملية دمجهم في المجتمع اليهودي، فكيف لها ان تسمح بان يكونوا قادة لدولة الإحتلال، يؤمن اليهود الإشكناز، انهم هم من بنوها وشكلوا منها "دولة عسكرتارية قوية في المنطقة..؟؟.

"الفلاشا" والذين جزء كبير منهم ليسوا يهودا جرى استقدامهم من اثيوبيا والسودان وغيرها من البلدان الأفريقية، لتتم عملية تهويدهم لاحقاً من اجل ان يكونوا جزءاً من التفوق الديمغرافي على اعداد شعبنا الفلسطيني في فلسطين التاريخية، وبما لا يشكل خطراً على يهودية الدولة.

والمجتمع الصهيوني الجانح للعنصرية والتطرف والمتماهية حكومته مع مجتمعه في هذا الإطار، يعيش تناقضات طبقية وصراعات ذات طابع اقتصادي واجتماعي وعرقي، وتلك التناقضات يجري لجمها وتجميدها في سياق صراعها الرئيس مع شعبنا الفلسطيني،وتتوحد بكل مكوناتها القامعة والمقموعة ضد شعبنا الفلسطيني، فهي ترى في شعبنا نقيضا لوجودها، ولذلك اليهود "الفلاشا"،هم جزء من المشروع الصهيوني والأكثر شراسة في الدفاع عنه، رغم وجودهم في كيان يستغلهم طبقياً ويتعامل معهم بعنصرية واحتقار على اساس لون البشرة والأصول الأثنية، يرفض دمجهم في المجتمع والكيان الصهيوني، ولذلك نجد ال 140 ألف اثيوبي والذين جلبوا من اثيوبيا والسودان والعديد من الدول الأفريقية، في عمليات سرية قادها الموساد،عملية موسى 1984 – 1987 وعملية سليمان 1989 يعيشون في 19 تجمعاً سكانياً رئيسياً على هامش المدن ( العفولة والخضيرة) في ظروف اقتصادية سيئة وبطالة مرتفعة، وجزء كبير منهم لا يمتلك مهارات وقدرات مهنية وعلمية وثقافية، ولذلك جرى استيعابهم في الوظائف الدنيا والأعمال الخدماتية وفي مجال الجيش والشرطة، بعكس المهاجرين الروس القادمين من جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق، فهؤلاء كفاءات علمية واقتصادية وتكنولوجية،إستطاعوا ان يحتلوا مراكز متقدمة في دولة الإحتلال في مختلف المجالات والميادين سياسية اقتصادية اجتماعية تربوية وثقافية، وشكلوا احزابا خاصة بهم.

وقد وصل العديد منهم الى مناصب متقدمة في الدولة وزراء واعضاء كنيست ورؤساء مؤسسات طبية واقتصادية وغيرها. ولعل ليبرمان زعيم حزب "اسرائيل بيتنا" والذي شغل مناصب حكومية متقدمة كوزير للجيش وغيرها، وصل الى هذا المنصب هو وغيره من المهاجرين الروس، بفضل هؤلاء المهاجرين.

لا شك بان اليهود " الفلاشا" مسحوقين إجتماعياً، ويعانون من اضطهاد طبقي وتفرقة على أساس لون البشرة والأصل الأثني، وهذا ما يحول دون دمجهم في المجتمع الصهيوني، فأهالي كثير من اليهود الإشكناز،يرفضون التواجد في الأماكن العامة التي يرتادها اليهود " الفلاشا"،او حتى لا يقبلون دراسة أبنائهم في مدارس يتعلم فيها طلاب من أبناء" الفلاشا"، وتدني مستوياتهم العلمية والمهنية، يدفعهم للعمل في اعمال خدماتية وربما تحتاج الى جهد عضلي اكثر منه عقلي، في حين الكفاءات منهم تواجه مشكلة في العمل على خلفية لون البشرة والأصل الأثني.

اليهود " الفلاشا"،ترتفع معدلات العنف والجريمة بكل اشكالها في اوساطهم و40 % منهم دخلوا سجون الإحتلال على خلفية المخدرات والسرقات والنصب والإحتيال وغيرها.

رغم كل ما ذكرت انتفضوا ضد الطبقة المخملية الإشكنازية التي تتحكم بمفاصل الدولة السياسية والإقتصادية والإجتماعية ولكن انتفاضتهم هذه التي جرت اكثر من مرة على خلفية السلوك المهين للشرطة والجيش والمجتمع الصهيوني معهم، انتفضوا من اجل المطالبة بالمساواة في العمل والدمج في المجتمع، وتحسين شروط وظروف حياتهم المعيشية والإقتصادية، ووقف سياسة التمييز العنصري ضدهم، وهنا علينا أن ننتبه جيداً بان هؤلاء اليهود " الفلاشا" المقموعين، يعتبرون بأن اسرائيل دولتهم، وهم في وحدة مع قامعيهم ضد أي خطر قد تتعرض له الدولة، ومستعدين أن يكونوا اداة قامعة عنيفة ضد من يثور ويناضل من أبناء شعبنا الفلسطيني لأجل نيل حريته وإستقلاله، وربما يكونوا الأداة الأكثر فاشية في القمع والتنكيل، ولذلك وجدنا بان شرطة الاحتلال وجيشه رغم كل المظاهرات العنيفة التي جرت من قبل هؤلاء اليهود على خلفية قتل شرطة الإحتلال لإبنهم سلمون تاكا، وما نتج عنها من اغلاق طرق وشوارع ومفارق رئيسية واحراق سيارات ومحلات تجارية وغيرها، تعاملت الشرطة معهم بقفازات حريرية، رغم اصابة أكثر من مئة عنصر منها بجروح.

ولذلك هناك من أبناء شعبنا من يعيش حالة من الوهم بأنه يمكن ان تتشكل جبهة واحدة مع هؤلاء اليهود " الفلاشا" وعلى قواسم مشتركة للنضال ضد سياسة الأبارتهايد والفصل العنصري، فصراعاتهم الطبقية وخلافاتهم القائمة على عدم المساواة والدمج، يجري تاجيلها وتجميدها،في إطار الصراع مع شعبنا الفلسطيني، وتجد جميع المكونات الصهيونية موحدة في القمع والتنكيل بحق شعبنا الفلسطيني ،وأي نشاط او تظاهرات أقل بكثير من المظاهرات التي قادها اليهود"، ستشاهد كيف يجري التعامل معها من قبل جيش وشرطة الإحتلال، فعدا التوصيف بانها أعمال إرهابية،حجم القمع والتنكيل واستخدام الرصاص الحي والمطاطي والقنابل الصوتية والغاز المدمع والضرب والسحل المستخدم فيها، ترى نتائجه على الأرض بالحجم المرتفع للشهداء والجرحى والمعتقلين،

هبة تشرين اول 2000 في الداخل الفلسطيني – 48 - سقط فيها 13 شهيداً وعشرات إن لم يكن مئات الجرحى، وهي كانت سلمية الى حد كبير، ولكن هم يرون بأن من قاموا بها هم اعدائهم والمتناقضين مع مشروعهم على أرض فلسطي التاريخية، ولذلك لا بد من قمعهم ولجمهم وكسر إرادتهم وتحطيم معنوياتهم، وكذلك الحرب الشاملة التي شنت وتشن على العيسوية في القدس،تؤكد بأن الإحتلال في إطار الصراع مع نقيضه، يبرر كل أشكال القمع والتنكيل،ويخرق كل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية.

صحيح بان مظاهرات اليهود "الفلاشا" تفضح حقيقة المجتمع الصهيوني،ككيان عنصري إستعلائي،ونحن نقف ضد القمع والتنكيل بحقهم، ولكن لا يجب الغرق في وهم أنهم سيتحولون الى حمل وديع ومناصر لحقوق شعبنا الفلسطيني، بل هم في التصويت لإنتخابات البرلمان الصهيوني "الكنيست" أكثر فاشية وعنصرية، فمعظم أصواتهم تذهب للأحزاب اليمينية الصهيونية دينية وعلمانية.

هم إستغلوا هامش الديمقراطية المتوفر لهم في دولتهم،وقاموا بمظاهراتهم واحتجاجاتهم لنيل مطالبهم وتحسين شروط وظروف حياتهم،بالمقابل نجد الشعوب العربية، تقدس جلاديها واصنامها وثقافتها وتربيتها تقوم على التقديس والتأليه وعدم الخروج على أولى الأمر،كشكل من اشكال تكريس العبودية والخضوع.. فحضور أي احتفال او مهرجان فلسطيني أو عربي فمعظم كلمات آل البيت كما قال سيادته او جلالته او فخامته ليس بالمرة الواحدة بل مرات ومرات،والرئيس او الملك او الأمير خط احمر وثابت من الثوابت الوطنية،وهو لا ينطق عن الهوى ...شعوب وقيادات تسير على هذا النهج لن تحرر اوطان ولن تصون كرامات.

فلسطين – القدس المحتلة