عن خطة نتنياهو لابتلاع الضفة

3342.jpg
حجم الخط

هاني عوكل

 

كثيراً ما يكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألفاظاً من قبيل ضم المستوطنات في الضفة الغربية والتعهد بعدم تفكيكها وتوسيع الاستيطان هناك ورفض أي خطة سلام على حساب "تنحيفها"، والأهم أنه يضع القدس الشرقية في مرمى تهويدها.
هذه السياسة التي يتبناها نتنياهو ليست من بنات أفكاره ولا هو الأول في موقف ابتلاع الضفة وأسرلتها، إذ سبقه الكثيرون الذين جلسوا على مقعد الحكومة وراحوا يبنون المستوطنات في أرجاء الضفة حتى لا يكون للفلسطيني فضاء آمن ولا دولة مستقلة.
قبل ترشحه لانتخابات الكنيست السابقة في نيسان الماضي، تعهد رئيس الحكومة بضم مستوطنات الضفة، وهو في حقيقة الأمر مقبل على هذه الخطوة إن عاجلاً أم آجلاً، لكنه رفع هذا الشعار في ذلك الوقت كما في قبله، من أجل كسب تأييد الرأي العام الإسرائيلي.
الفلسطينيون كلهم يعلمون جيداً أن شخصاً مثل نتنياهو يُكمّل باقي أسلافه في مشروع تهويد الضفة، ويريد أن تحسب له نقطة في سجله كما فعل من قبله أرئيل شارون حينما بنى جدار الفصل العنصري، إذ حصل نتنياهو بالفعل على هدايا كثيرة من الأميركيين سواء عبر اعترافهم بالقدس عاصمة لإسرائيل وكذلك الحال موافقتهم على الضم الرسمي للجولان.
من العبث الحديث عن أي طريق لمفاوضات جديدة تتركز حول مفهوم السلام طالما وأن رئيس الحكومة الإسرائيلية ماضٍ في تطوير مشروعه الاستيطاني بالضفة، وسياسته تتلخص في أن جمود المفاوضات يقوده لاستثمار الوقت في ترسيخ سياسة الأمر الواقع.
ماذا فعل المجتمع الدولي مع هذه السياسة؟ لا شيء ولا هي واشنطن تريد الضغط على تل أبيب من أجل ثنيها عن وقف الاستيطان، وأفضل من فعل ذلك الرئيس السابق باراك أوباما الذي قيل إنه على خلاف مع نتنياهو ولا يوده، وظل يرفض استيطانه بالصوت وحده لكنه سكت عن كل الأعمال الاستيطانية، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
قبل يومين فقط تعهد نتنياهو أمام مستوطنيه وحشود من مؤيديه بعدم تفكيك المستوطنات، لا الكتل ولا حتى البؤر وبؤر البؤر، وهي رسالة للناخب الإسرائيلي أن عليه اختيار بيبي في الانتخابات التي تُجرى بعد شهرين تقريباً، لأنه يدعم الاستيطان ويعززه في الضفة.
في حقيقة الأمر من غير المستبعد على رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي استثمر علاقة الحب من طرفين التي تربطه بالرئيس الأميركي ترامب، أن يذهب خطوةً إلى الأمام باتجاه ضم المستوطنات في الضفة وتطبيق السيادة عليها ويجعلها امتدادا رسميا للجغرافيا الإسرائيلية التي نشأت على حساب أرض فلسطين التاريخية.
وقد تبدو هذه السياسة متسقة مع تأكيد نتنياهو على رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة وبكامل صحتها الجغرافية في الضفة، لأن ذلك بتقديره سيعني حزاما ديمغرافيا فلسطينيا يعيق التوسع الاستيطاني، ويشكل تهديداً على أمن إسرائيل.
لو أرادت إسرائيل بكل أطيافها السياسية دولة فلسطينية لكانت أعطت الفلسطينيين حقهم حسب اتفاق أوسلو الذي وقع العام 1993، إذ كان من المفروض أن يحصل الفلسطينيون على دولتهم العام 1999، لكن المشروع تأجل وهو اليوم بات قاب قوسين أو أدنى من الإجهاض.
وبالتالي قد يوافق نتنياهو على دولة فلسطينية في أي مكان عدا الضفة الغربية، قد تكون في قطاع غزة وقد لا تكون، وأفضل الأحوال أن يبقى الحال على حاله بوجود سلطة فلسطينية تتمتع بحكم ذاتي نسبي، وتعمل على تصريف حياة الفلسطينيين في حدود ما تبقى من الجغرافيا المتاحة.
من المؤسف القول إن رئيس الحكومة الإسرائيلية نجح في فرض الأمر الواقع على المجتمع الدولي، من حيث إنه مضى ويمضي في بناء المستوطنات بالرغم من الانتقادات الدولية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إذ يستوطن الضفة الآن حوالى 630 ألف مستوطن.
الاستيطان والمستوطنون في زيادة سنوية، وهذه المصدات الاستيطانية الاسمنتية والديمغرافية تجدها إسرائيل ممتازة لإعاقة التمدد الفلسطيني وفي ذات الوقت قتل حلم الدولة الفلسطينية، وأغلب الظن أن ينقل نتنياهو عاصمة بلاده إلى القدس رسمياً بعد أن يبتلعها الاستيطان بالكامل.  
في ظل الوضع الحالي ليس هناك أفضل للفلسطينيين من أن يركزوا على مسألتين، الأولى تتصل بتوسيع شبكة علاقاتهم بالمجتمع الدولي، وكذلك توسيع دائرة الاشتباك السياسي ضد الاحتلال الإسرائيلي إلى المحافل الدولية.
واضح أن نتنياهو يعطي أولوية لتطوير علاقة بلاده مع الجميع، وهذه العلاقات تجعله في موقع وموقف أقوى مما كان عليه، فإذا كان هو نفسه قوياً ويحظى بدلال زائد من الولايات المتحدة الأميركية، وينمي علاقاته هنا وهناك، فهذا يعني أنه في الطريق إلى امتلاك عناصر القوة التي تجعله يترجم مخططاته دون إحداث جلبة كبيرة.
المسألة الثانية تتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني ولازمة إيجاد حلول لحال الانقسام البائس الذي يضعف الفلسطينيين وقضيتهم ومشروعهم الوطني التحرري، فهذه أولوية الأولويات التي لا ينبغي أن تسقط عن أجندة القيادات المتخاصمة.
غير ذلك لا ينفع الفلسطينيين انتظار خطط تتركز حول السلام في ظل الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل وفي ظل السياسات العنصرية التي تنتهجها الأخيرة، وحسناً فعلت القيادة الفلسطينية التي رفضت ما تسمى "صفقة القرن"، وهو موقف يحسب لها وعليها التمسك بهذا الموقف.
نتنياهو "يطبخ" خطته بشأن الاستيطان والقدس ولن يغيب عن باله إذا فاز في الانتخابات المقبلة أن يستفيد من العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن ترامب لجهة فرض إجراءات أحادية الجانب أحلاها مر على جلود الفلسطينيين.