شهدت البورصات العالمية منذ أواخر عشرينيات القرن الماضي سلسلة من الهزات العنيفة أدت إلى هبوط مفاجئ وحاد لأسعار الأسهم خسر فيها المستثمرون مئات المليارات من الدولارات، وتكون هذه الانهيارات ناتجة في أغلب الأحيان عن موجة مضاربة ضخمة في أسواق الأسهم.
وتتداخل في نشوء انهيارات الأسواق المالية العوامل الاقتصادية والجوانب النفسية وسلوك المستثمرين بالبورصة، لتفرز عمليات بيع محمومة للأسهم تؤدي إلى خسارة البورصة جزءا مهما من قيمتها السوقية في غضون أيام.
وعادة ما يقع الانهيار عقب فترة ممتدة من صعود أسعار الأسهم والتفاؤل المفرط بتحسن الأوضاع الاقتصادية.
وفيما يلي استعراض لأهم الانهيارات التي حدثت في الأسواق العالمية على امتداد العقود الماضية:
انهيار 1929
يعرف باسم الكساد العظيم، وقد نتج عن تدهور معدلات النمو الاقتصادي في معظم دول العالم عام 1929 وانتهى في ثلاثينيات القرن الماضي أو بداية أربعينياته في أوقات مختلفة، ويعد الكساد العظيم أكبر وأهم فترة تدهور اقتصادي عرفها التاريخ الحديث، ويعتبر في القرن الحالي مؤشرا لقياس العمق الذي يمكن أن يهوي إليه الاقتصاد العالمي.
وكانت أسواق المال الأميركية مكان انطلاق هذا الكساد وأولى ضحاياه، وتم التأريخ لها بانهيار بورصة نيويورك في حي المال أو وول ستريت يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 1929 الذي أطلق عليه "الخميس الأسود"، وتبعه الاثنين الأسود يوم 28 أكتوبر/تشرين الثاني، وتلاه في اليوم الموالي "الثلاثاء الأسود" في 29 أكتوبر/تشرين الأول من السنة نفسها، وحدث ذلك بسبب طرح 13 مليون سهم للبيع في يوم واحد لكنها لم تجد مشترين لتفقد قيمتها.
ونشر الوضع الاقتصادي الذعر لدى المستثمرين بالبورصة، وبادر الوسطاء إلى البيع بكثافة، ليجد آلاف المساهمين بعد ذلك أنفسهم مفلسين، وفقد مؤشر داو جونز في الاثنين الأسود 12.8% من قيمته، وفي اليوم الموالي هوى المؤشر بنسبة 23%.
انهيار 1962
عُرف بالهبوط السريع لأسواق المال الأميركية إبان حكم الرئيس جون كنيدي، وامتد الانهيار من ديسمبر/كانون الأول 1961 إلى يونيو/حزيران 1962، وقد حدث بعدما حققت هذه الأسواق نموا متصاعدا لعقود منذ أزمة 1929 لتأتي مرحلة تصحيح لوضع السوق، وتعرف لدى المتداولين بالبورصات بفترة تعقب بلوغ مؤشرات الأسهم مستويات مرتفعة جدا تليها مرحلة بيع واسعة لجني أرباح ارتفاع الأسعار.
وخسر مؤشر ستاندرد أند بورز 22.5% من قيمته، وهبط مؤشر داو جونز بنسبة 5.7%، وهو ثاني أكبر هبوط للمؤشر الثاني في تاريخه، ولم تتعاف الأسواق الأميركية إلا مع اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية.
انهيار 1987
عرف باسم الاثنين الأسود، وحدث يوم 19 أكتوبر/تشرين الثاني 1987، وتكبدت أسواق المال العالمية فيه خسائر ضخمة، حيث انطلق موجة الهبوط الشديد من هونغ كونغ وباقي الأسواق الآسيوية وانتقلت إلى أوروبا ثم الولايات المتحدة، وخسر مؤشر داو جونز 508 نقاط وفقد أكثر من 22% من قيمته.
ويرجع انهيار السوق إلى المضاربات وبرامج الاتجار التي كانت متبعة لشراء وبيع الأوراق المالية، إذ بدأت صناديق المعاشات وصناديق الاستثمار وصناديق التحوط تستعمل تقنيات الحاسوب في تنفيذ عمليات شراء وبيع كميات هائلة من الأسهم عندما تسود أوضاع معينة بالسوق، وقد أدى هذا الأسلوب إلى تسريع انهيار الأسواق، فالانخفاض السريع في أسعار الأسهم يترتب عليه عمليات بيع أوتوماتيكية ضخمة عبر الحاسوب.
ويضاف إلى هذا العامل التقني أن الاقتصاد الأميركي انتقل آخر عام 1985 وبداية 1986 من مرحلة النمو السريع والتعافي من الركود المسجل سنة 1980 إلى تباطؤ النمو.
انهيار 1997
يوم 27 أكتوبر/تشرين الثاني 1997، شهدت البورصات العالمية موجة هبوط حاد ناتجة عن الأزمة الاقتصادية في آسيا، حيث سجل مؤشر داو جونز ثامن أكبر خسارة يومية منذ نشأت البورصة الأميركية عام 1896، وبلغت نسبة هبوط المؤشر 7.18%، كما انخفض مؤشر ناسداك بنسبة 7% وستاندرد أند بورز 6.68%.
وشملت آثار الانهيار الذي وصف بأنه لم يكن كبيرا الأسواق الأوروبية والآسيوية، إذ هبطت بورصة هونغ كونغ بنسبة 6% وبورصة لندن 2%.
انهيار 2001
كانت لهجمات نيويورك الذي وقعت يوم الثلاثاء 11 سبتمبر/أيلول 2001 آثار اقتصادية واسعة طالت البورصات العالمية ما أدى إلى تراجعها بنسبة كبيرة، إذ تم تأجيل فتح بورصة نيويورك عقب ارتطام الطائرتين ببرج التجارة العالمية قبل أن يتم إغلاق بورصة وول ستريت وإغلاق مقرها تخوفا من هجمات محتملة.
كما أغلقت بورصات عالمية أخرى للسبب نفسه، واستمر إغلاق بورصة وول ستريت إلى بداية الأسبوع الموالي.
وتكبدت البورصات العالمية في اليوم التالي للهجمات خسائر كبيرة، إذ هبطت بورصة ألمانيا بنسبة 8.5% وإسبانيا 4.6% ولندن 5.7%، كما تضررت بورصات أميركا اللاتينية إذ انخفض مؤشر بورصة البرازيل 9.2% والأرجنتين 5.2% والمكسيك 5.6% قبل أن يتم وقف التداول للحد من الخسائر.
انهيار 2008
تعرضت أسواق المال العالمية لهزة عنيفة بعد تداعي الأسواق الأميركية المتأثرة بتداعيات أزمة القروض العقارية وشبح الركود الاقتصادي.
وبدأ الانهيار في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2008، إذ هبط مؤشر داو جونز لخمس جلسات متوالية وفقد 18% من قيمته، وهوى مؤشر ستاندرد أند بورز بأكثر من 20%، واستمر الانهيار لعدة أيام، وفي الرابع والعشرين من الشهر نفسه تكبدت البورصات العالمية خسائر قياسية إذ تراجعت مؤشراتها بنحو 10%.
وبرغم عودة الأسواق العالمية إلى الانتعاش النسبي بعد قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي خفض نسبة الفائدة بمقدار 0.75%، فإن الخسائر الكبيرة التي سببتها الهزة استمرت في التفاعل، كما أن الأسواق العالمية ظلت حذرة يسودها القلق من تكرار التجربة لاسيما مع استمرار شبح الركود المخيم على الاقتصاد الأميركي.
انهيار 2015
اجتاحت موجة هبوط حادة البورصات العالمية يوم 24 أغسطس/آب 2015 خسرت فيها الأسهم أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، وذلك بسبب انهيار سوق الأسهم الصينية ومؤشرات على تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، وخسارة النفط 6% من قيمته.
وأدى انهيار الأسواق العالمية إلى التخوف من اندلاع أزمة اقتصادية عالمية جديدة تنطلق شرارتها هذه المرة من الصين وليس من أميركا.
وفقد مؤشر داو جونز ألف نقطة، وهوى مؤشر ستاندرد أند بورز الأوسع نطاقا بنسبة 2.5%. وفي أوروبا هوت مؤشرات الأسهم بأكثر من 4.7%، وأما أسواق الأسهم الآسيوية فلامست أدنى مستوياتها منذ ثلاث سنوات جراء مخاوف المستثمرين من أن يؤدي التراجع الكبير للاقتصاد الصيني إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي واندلاع حرب عملات.
وتراجعت بورصة ألمانيا بنسبة 6.79%، ونظيرتها الفرنسية 6.57%، وفقدت بورصة لندن أكثر من 5% من قيمتها لتتراجع إلى أقل مستوياتها منذ عام 2011. كما أغلق مؤشر بورصة شنغهاي منخفضا بنسبة قاربت 9% لتنحدر إلى أدنى مستوى لها منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وانخفض مؤشر الأسهم اليابانية بأكثر من 4% في نهاية التداول.
المصدر: الجزيرة نت