هل كانت أمريكا وسيطا نزيها يوما؟!

التقاط.PNG
حجم الخط

المحامي إبراهيم شعبان

 

بعد الحرب العالمية الثانية، وانتصار القوات الأمريكية على قوات المحور في القارة الأوروبية والشرق الأقصى، وقيام النشاط الأمريكي الإستثماري في مشروع مارشال، أخلت الإمبراطورية البريطانية دورها الدولي السياسي والإقتصادي، وتولت دفة العالم السياسية والإقتصادية الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من الدور السوفيتي آنذاك وبخاصة أثناء الحرب الباردة.

أدركت الحركة الصهيونية مبكرا التحول السياسي الأمريكي العالمي وانتهاء الدور البريطاني المتمثل بوعد بلفور والإنتداب وتقسيم فلسطين، وبخاصة بعد أن كانت الولايات المتحدة منكفئة على نفسها وحاصرة نفسها داخل حدودها الإقليمية من خلال مبدأ مونرو. وبدأت الحركة الصهيونية تبني لها قواعد تنظيمية داخل الولايات المتحدة باعتبارها المستقبل المنشود. وركزت على الإنجيليين المسيحيين المتصهينين، واستفادت من نصوص توراتية، وسخرت رأس المال اليهودي وعلماءها وأكاديمييها وصحافتها ووسائل إعلامها، وجهل وسذاجة الجمهور الأمريكيين لخلق حالة فريدة من الضغط الصهيوني على إنتاج الكونجرس الأمريكي وأعضاء متصهينين، لإنتاج قوانين عنصرية، رغم الدستور الأمريكي وقيمه وحرياته وتعديلاته. بل غدت دول كثيرة ترى أن مفتاح علاقاتها مع أمريكا وتحسينها كامن في العلاقات مع الكونجرس الأمريكي المؤتمر بالحركة الصهيونية وإيباك.

وللأسف لم يستطع العرب ولا الفلسطينيون أن يخلقوا لوبي ضاغط مثل إيباك، فكما قال الرئيس الأمريكي ترومان المتصهين الذي خلف روزفلت بأنه يرى آلافا من الصهاينة الداعمين لإسرائيل ولا يرى سوى أفرادا قلائل يطالبون بالحقوق الفلسطينية. وبهذا استطاعت الحركة الصيونية ترسيخ الإنحياز الأمريكي لإسرائيل إلى يومنا هذا مستفيدة من قوتها الإنتخابية والمالية والإعلامية واللاسامية. ولم يجرؤ رئيس أمريكي أن يقل ضد الصهينة الأمريكية، حتى أوباما الكاره لبنيامين نتنياهو وقع على قانون في صورة رشوة، يقدم لإسرائيل حولي أربعين مليون دور أمريكي لعشرة سنوات بعد حكمه .

واكتفت الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة ملف نزاع الشرق الأوسط منذ سبعة عقود ونيف ولم تقم بأية خطو بناءة لحل القضية حلا عادلا، وطبقت بكفاءة بالغة فلسفتها البراغماتية القائمة على الحلول العملية الجزئية، ولم تنتج حلا عادلا ودائما للقضية الفلسطينية خلال كل تلك الأعوام. بل قامت الولايات المتحدة بلعب دور قذرساهم بشكل أو بآخر بالابتعاد عن أي حل للقضية الفلسطينية، مثل ما حصل في منطقتنا كالعراق، وفي أمريكا الجنوبية كتشيلي، وفي جنوب شرق آسيا كفيتنام والصين، وفي أفغانستان وفي دول أوروبا الشرقية.

الآن، تخطو الولايات المتحدة خطوات إضافية جوهرية لنزع صفة العدالة عن أي حل للقضية الفلسطينية. فهي تعلن بكل صلافة اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل وتقر ضمها غير القانوني لها. وهي تقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، وعن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ، وعن مستشفيات شرقي القدس وعن وكالة التنمية الأمريكية ( يو إس إيد ). وها هي تتوعد بضم الضفة الغربية للكيان الإسرائيلي والاعتراف بذلك الضم. وفي نفس الوقت تقر ضم مرتفعات الجولان للدولة الإسرائيلية رغم كل الجهود الأمريكية لتسوية النزاع بين سوريا وإسرائيل. فكيف يمكن أن تقدم وأن تسعى دولة كهذه سياستها وسياسيوها أن تسعى لسلام عادل في المنطقة؟!

سياسة أمريكية تقوم على إنكار حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني إنكارا تاما، سياسة أمريكية تقوم على إنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين، سياسة أمريكية ترى أن هذه أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، سياسة امريكية مناهضة لقرارات الأمم المتحدة واليونسكو، سياسة أمريكية مناهضة للقانون الدولي العام وكل مبادئه وفروعه واتفاقياته ومواثيقه، فكيف لنا أن نتوقع منهكذا سياسة أمريكية حلا عادلا ومنصفا للقضية الفلسطينية.

في رأيي أن ترامب هو في قبضة بنيامين نتنياهو، وأن السياسة الأمريكية الحالية بخصوص القضية الفلسطينية العربية هي في قبضة الحكومة الإسرائيلية. حتى في سياسات خلت، كان أصحاب القرار وأهم المستشارين للقادة الأمريكيين هم صهاينة يهودا. فكيف لهؤلاء وأمثالهم أن يقيموا سلاما عادلا للشعب الفلسطيني؟! أنظر إلى كيسنجر، وروس، وميلروإندكس وكيرتزر وجرينبلات وكوشنير، وغيرهم كثير فهل كانوا صهاينة أم يهودا فقط؟

نظرة واحدة بسيطة وسطحية على ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية في شقها الإقتصادي والسياسي، يثبت بجلاء ووضوح ان السياسة الأمريكية لا تقيم سياسة عادلة ونزيهة للقضية الفلسطينية. فمن مؤتمر ورشة البحرين إلى تأجيل إعلان صفقة القرن المزعومة يؤكد ان الإدارة الأمريكية تدير حل النزاع ولا تنوي حله بأي شكل من الأشكال، بل تلعب على الحبال وعلى الوقت معا وتذر الرماد في العيون.

رئيس الولايات المتحدة والإدارة الأمريكية في شغل شاغل عن القضية الفلسطينية، وهمه الأول والأوحد إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية العام القادم. ورغم كل ما قام به نحو بنيامين نتنياهو والدولة الإسرائيلية إلا ان ترامب في جعبته الكثير ليؤكد فيها نفيه للحقوق الفلسطينية وإنكارها بل وتقديم خطط شيطانية لدعم إسرائيل بقيادة نتنياهو وخطه اليميني، ولن يتورع عن القيام باية خطوة لصالح انتخابه مرة أخرى. ولن يتردد في اتخاذ أية خطوة لصالح نتنياهو في الإنتخابات الإسرائيلية القادمة، أما الفلسطينيون فلا مكان لهم في السياسة الأمريكية الحالية ولا العرب عموما ولا جميع الضعفاء.

الإدارة الأمريكية وترامب لا تكتفيان بالعزوف عن حل عادل للقضية الفلسطينية ودعم إسرائيل اللامتناهي في جميع القطاعات، والاعتراف بخطوات إسرائيل غير القانونية في القدس والضفة وغزة، بل تصدران المشاكل للقيادة الفلسطينية، في كل قطاع، وتوقعان بينها وبين شعبها ومع العالم العروبي، وأنظمته التسلطية الدكتاتورية.

حاولت الأنظمة العربية ولو على استحياء أن تقف في مواجهة السطوة الأمريكية بعد حرب رمضان/ تشرين 1973 وبخاصة في موضوع حظر النفط ودور أوبيك، إلا أن هذا الموقف سرعان ما تآكل واندثر. الولايات المتحدة وإدارتها لا تهتم سوى بقضايا النفط وماله، لمنطقة تملك اكثر من ثلثي نفط العالم، للسيطرة عليه. ويجب أن يؤخذ بالحسبان هذا العامل في تقرير السياسة الأمريكية الخارجية.

الولايات المتحدة الأمريكية درجت على إدارة النزاع العربي الفلسطيني الإسرائيلي منذ عام 1948 إلى يومنا هذا دون السعي للعب دور وسيط نزيه وعادل. وهي لن تلعب مثل هذا الدور إلا إذا تاثرت مصالحها في المنطقة ومصالح حليفتها الإسرائيلية فالطيور ذات الريش المتشابه يألف بعضها بعضا. وعلى الفلسطينيين أن يوحدوا إرادتهم مهما كانت خلافاتهم فالدم اشد كثافة من الماء. وعلى الأمة العربية والقوى الإقليمية والدولية المحبة للسلام ، دعم الإرادة الفلسطينية في إطار من القانون والحرية فكثرة الأيدي تخفف من عبء العمل!