جرينبلات والتلاعب بالألفاظ

resize (7).jpg
حجم الخط

بقلم:د. فايز رشيد

 

قال مبعوث ترامب للشرق الأوسط جيسون جرينبلات، إنه دون التوصل إلى تسوية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين فلا توجد أية قيمة للخطة الاقتصادية التي أعلن عنها مؤخراً، وشدد على أن الجزء الاقتصادي من خطة السلام «لن يتحرك إلى الأمام دون اتفاق سياسي»، وذلك في محاولة منه للتغطية على فشل الورشة التي بادر إليها جاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقال: «لقد قام جاريد كوشنر إلى جانب طاقم مهني من الإدارة الأمريكية بصياغة خطة بقيمة 50 مليار دولار لمساعدة الفلسطينيين والأردنيين والمصريين واللبنانيين، لكن لن ينجح أي من هذا ما لم تكن هناك خطة سياسية يتفق عليها الطرفان: الإسرائيلي والفلسطيني. يعتقد قارئ التصريح للوهلة الأولى، أن الولايات المتحدة أدركت لا موضوعية خطتها المسماة ب«صفقة القرن» وهي بالتالي تريد تعديلها!.

ولكن ما إن يتم الاسترسال في قراءة مضمون التصريح حتى يتم الإدراك بأن جرينبلات يتلاعب بالكلمات ليس إلا، فهو يحاول الفصل بين الفلسطينيين وقياداتهم، من خلال توجيهه انتقادات شديدة اللهجة للسلطة الفلسطينية التي رفضت المشاركة في الورشة، وتواصل مقاطعة إدارة ترامب لانحيازها التام للجانب الإسرائيلي قائلاً: «هؤلاء الناس يتلاعبون بالخطة الأمريكية ويعتبرون أنها فارغة ولا يوجد بها شيء سوى محاولة تقديم رشاوى للفلسطينيين».

وسعياً منه للالتفاف على الموقف الفلسطيني الرسمي الرافض للتعامل مع «صفقة القرن» الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، يسعى جرينبلات إلى التوجه مباشرة للشعب الفلسطيني بغية التأثير في الرأي العام ومحاولة اختراقه، لصالح قبول المخططات الأمريكية السياسية والاقتصادية، قائلاً: «لكنني أريد أن أؤكد للجمهور الفلسطيني (ولم يلفظ كلمة شعب في كل تصريحاته) أننا نفهم أنه لا يوجد سلام اقتصادي وحده، ونريد أيضاً أن نوضح أنه لن يكون هناك سلام سياسي دون التأكد من أن حياة الفلسطينيين تتحسن اقتصادياً».

واستمراراً منه في لعب دوره المسرحي المكشوف تماماً، وغير المتقن والهادف إلى إعادة الفلسطينيين إلى دائرة المفاوضات العبثية التي استمرت 22 عاماً دون أن تسفر عن شيء سوى المزيد من الضغوط على الجانب الفلسطيني وابتزازه، قال جرينبلات إن الجزء السياسي من خطة «السلام» والذي لم يتم الكشف عنه بعد يبلغ حوالي 60 صفحة، ووعد بتحويله بذات الوقت إلى إسرائيل والفلسطينيين.

كما جدّد دعوته لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعدم وضع شروط مسبقة لمبادرة «السلام»، ولكن العودة إلى طاولة المفاوضات.

حاول جرينبلات التذاكي بأن الخطة الهادفة فعلاً إلى تصفية القضية الفلسطينية تصفية تامة بعد الوقوع في مصيدة أوسلو في المرّة الأولى، والإيحاء بأن الخطة السياسية فيها تفصيلات تتعلق بالحقوق السياسية للفلسطينيين، مطبقاً قاعدة من قواعد علم النفس العصرية التي غالباً ما علّمه إياها أطباء مختصون!. ولكن خداع جرينبلات لن يصمد أمام ما سيلي من حقائق:

زعم جرينبلات في حديث له مع شبكة «PBS» الإخبارية الأمريكية (13 يوليو/تموز الحالي) أن إسرائيل ضحية في نزاعها (لم يسميه بالصراع) مع الفلسطينيين (فقط وليس مع العرب المحتلة أراضيهم أيضاً)، فهي لم ترتكب أي أخطاء تجاههم خلال عقود النزاع. وأعرب عن معارضته لاستخدام مصطلح «المستوطنات» في تسمية التجمعات السكنية الصهيونية في الضفة الغربية، لافتاً إلى أن الضفة ليست أراضي محتلة؛ بل «أراضٍ متنازع عليها». وفي لقاء ثانٍ له معه مع شبكة «فوكس نيوز» الأمريكيّة (15 يوليو/تموز الحالي) صرّح جرينبلات قائلاً: «إن هناك شيئاً واحداً واضحاً في الخطة الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية، المعروفة باسم «صفقة القرن»، هو أن «إدارة الرئيس دونالد ترامب لن تساوم على أمن إسرائيل، مضيفاً بأن الصفقة ستطرق إلى كافة «قضايا الحل الدائم»، وأنه «ليس صحيحاً أنها خطة اقتصادية فقط؛ بل إنها خطة سياسية واقتصادية، إن كنتَ طفلاً، أو إن كان عمرك 100 عام فسترى تأثير الخطة في كل نقطة سلباً وإيجاباً». وأشار إلى أنه «بعد أن يتم الإعلان عن الصفقة وأن تقرأ جميع الأطراف بنودها، وبعد أن يُبدوا الملاحظات عليها سنحتاج وقتاً للتوصل إلى اتفاق نهائي، على أن تكون مهمة إجراء المفاوضات على الأطراف نفسها»، وهذا هو بيت القصيد من حديثه الذي بدا فيه ببغاء يردد مطالب قادة الاحتلال.

بالاتفاق مع "الخليج"