ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية: حاضراً ومستقبلاً ورسالة

تحسين يقين.jpg
حجم الخط

تحسين يقين

مثّل عقد ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية اتجاهاً محموداً، للبناء على ما يتم إنجازه وطنياً وقومياً، وروائياً، كما كان لافتتاح رئيس الوزراء لفعاليات الملتقى دافع لتأكيد الدور الثقافي وطنياً وإنسانياً، واحتفاء بما يرمز إليه ذكرى استشهاد غسان كنفاني، كموعد الملتقى، واحتفاء بالرواية الفلسطينية، حيث دعا رئيس الوزراء لجعل هذا اليوم أيضاً يوماً للرواية الفلسطينية، بما لذلك من دلالة على الرواية كحارسة ذاكرة الوطن.
لذلك، فإننا نرى في تمويل الحكومة للملتقى نهجاً واعياً، ينظر للأمور كمنظومة متكاملة، على أمل زيادة المخصصات المالية الآن ومستقبلاً، لضمان استمرار العمل الثقافي وفق الحاجات الإبداعية التنويرية وطنياً وإنسانياً؛ من أجل استعادة الجمهور ثانية، لما في ذلك من مساهمة في ضمان الاستقرار الاجتماعي، بل إن الوعي على ذلك يدفع القطاع الخاص الوطني للمساهمة في تمويل العمل الثقافي والفني، والذي يعود على الجميع بالخير.
عالمياً، سبقت الرواية السينما ببضع قرون، أما عربياً، فتقارب الزمان في بدايات القرن العشرين، ربما عقد أو عقدين.. وفلسطينياً، ونحن نتحدث عن التنوير، فقد كنا (الأخوين لاما) مؤسسين رياديين في السينما العربية، وكنا، (خليل بيدس في "الوارث") متجايلين مع محمد حسين هيكل في "رواية زينب".
إنه التنوير الفلسطيني الشامي، الذي تناغم مع التنوير في مصر؛ فقد كان في فلسطين حاضرتان هما يافا والقدس، من أصل حواضر القاهرة والإسكندرية وبيروت ودمشق وبغداد.
وإنه التنوير الفلسطيني الذي تعرض لاغتيال عام 1948، لـ "جزّ العشب" الثقافي، لما للثقافة من دور وطني وتحرري، والذي استمر من خلال أفراد، وصولاً لعقد وبعض عقد في بيروت، حينما صارت لنا كيانية وطنية ولو في المنفى، والتي تم النيل منها خلال وبعد الحرب على بيروت، بما تمثل من مقاومة وطنية فلسطينية وقومية، ومقاومة ثقافية، إلى أن عادت لتظهر من جديد، كالعنقاء، بعد كل نار، فكانت مرحلة السلطة الوطنية على مدار أقل من عقد (1994-2000) مرحلة أمل لتنوير فلسطيني جديد، والتي تم السطو عليها، من خلال عدوان الاحتلال من جهة، ومن خلال تشتيت العمل الثقافي، وحرف مساره، وتلك قضية أخرى.
تلك روايتنا أيضاً، بتحولاتها، والتي ظهرت في روايات الروائيين الشباب الجدد، ومن سبقهم من أقلام ظلت تصاحبهم بنفس إبداعي.
تلك الرواية والرواية، وهذه الإرادة وطنياً، وإبداعياً، على أمل استئناف التنوير الفلسطيني قومياً وإنسانياً، ولعل الروائي الكبير يحيى يخلف قد أتى في شهادته على ذلك وأكثر.
إبداعياً، ونحن في ملتقى متخصص للرواية، نتذكر ما يمكن أن يكون من حديث حول الشكل الفني الجمالي، والمضمون، مدعوماً برسالة المضمون إنسانيا.
ارتبط السرد، شعراً في البداية، ثم نثراً، عربياً وعالمياً بالحركة الجماعية للشعوب والقبائل، في الأماكن والأزمنة؛ فكل أمة وما وهبت من سرد خاص بجنس تعبيري، فكان أن تطورت الأساليب الساردة والمسرودة، حلقة بعد حلقة، وصولاً لليوم وغداً، ارتباطاً بالمضمون الروائي السردي نفسه، حيث نزعم أن المضمون يستدعي - يخلق شكله، لينسجم معها. وهو من جهة أخرى كونه يصف الحال ورحلة الإنسان، فإن كلا الشكل والمضمون يتأثران بظروف الإبداع والبيئة، علمياً ومعلوماتياً وتكنولوجياً، بل إن كتابة الرواية بحد ذاتها، تخضع لهندسة فيزياء، ميكانيكا وديناميكا، ولا يمكن الفصل بين المنتوج ومكانه وزمانه. من هنا كان محور الرواية في العصر الرقمي ما بين التماهي والتصدي، مجالاً حيوياً، خصوصاً للأجيال الشابة، وإن كانت الظاهرة عابرة للأعمار. وكنا نود في هذا المجال، لو تم التركيز في تجليات العالم الافتراضي في الرواية العربية والفلسطينية منها، لأن هناك أمثلة مهمة، كرواية تاج الياسمين، للروائية بشرى أبو شرار، كان تفسير الشكل والمضمون فيها قائماً فعلاً على فهم هذا التجلي من جهة والتأثير من جهة أخرى، وهو مرتبط فعلياً بهذا التفاعل.
وقد انسجم ملتقى فلسطين، مع ملتقى القاهرة للتعامل مع هذه التطورات، والمؤثرات، لأن النقاش لا ينتهي. كذلك الحديث عن الرواية والدراما المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، كذلك الحديث عن النشر والترجمة، وما تثيره من معيقات وطموحات وحاجات.
واستجابة لخصوصية المكان- والزمان (القضية)، فقد كان محور الكتابة عن فلسطين، ولفلسطين، سرداً والتزاماً قومياً، أكان من جانب الروائي جنان جاسم حلاوي، الذي سرد عن الحرب الأهلية، والتي ما زالت تثيرنا لمعرفة زوايا أخرى، تنطلق من ذوات متعددة، في حين أدهشتنا الروائية العراقية إنعام كجه جي، التي كتبت عن القدس، مستحضرة الزمان والمكان، مدعومة ببحث في التاريخ الشفوي لأحد الشخصيات. 
أما الكتابة السردية عن الوطن من المنفى، فهي وإن تعلقت هنا بفلسطين، فإنها باتت اليوم تشكل ظاهرة في ظل تكرار ظاهرة اللجوء عربياً، في ظل الصراعات والنزاعات.
وقد أضاف محور أدب الفتيان للملتقى، وسعدنا بالاستماع لكاتبنا الكبير محمود شقير، وللكاتبة د. سونيا نمر، والكاتبة الشابة أحلام بشارات، كل حسب المنظور المنطلق منه، حيث كان لتعدد تلك المنطلقات زيادة في تعريفنا بما يجدّ ويتفاعل في مجال أدب الفتيان. ولعلنا في هذا المجال لنطمح أيضاً إلى تركيز النقاش الإبداعي نقدياً، على الكاتبة هدى الشوا، كونها تشكل إضافة مميزة عربياً وفلسطينياً، في تعاملها مع التراث، واستخدام لغة مدهشة أيضاً، في ظل حمل رسالة تنويرية مهمة، للارتقاء بهذه الفئة العمرية.
ولقد كان الاختتام بمحور: هل باتت الرواية ديوان العرب؟ دافعاً للتفكير في العمق حتى ولو جاء ذلك سريعاً، ضمن الوقت المحدود المخصص للجمهور، حيث تمت الإشارة السريعة، من قبل كل من الروائي العراقي الكردي هوشنك أوسي، والروائي البروفسور أحمد حرب، والروائي د. عاطف أبو سيف، وأزعم أن ما تم تناوله سريعاً يحتاج لتناول معمق، في الملتقيات القادمة، حيث إن ثمة علاقة بين الموضوع وبين وسائل التوثيق من جهة، وبين تعايش الطبيعي بين الأجناس الأدبية، التي لا تنفي بعضها بعضاً من جهة أخرى، وكذلك حضور المذاهب المتنوعة، ووجود السينما كشكل تعميم للرواية.
عربياً وعالمياً، استوعبت الرواية مضامين العصر، والتحولات الجارية فيه، كونها "الدينامو"، حيث تظل الرواية بشكل خاص، الأكثر مجالاً وصدقاً، للتعبير عنها، والتي ليست شرطاً أن تكون آنية التناول. وفي هذا السياق، لعلي أشير إلى ما ذكره د. خليل نعيمي، الروائي والرحالة، حول مثلث الرواية الذي يتجلى في اللغة والمعرفة والتاريخ، حيث أشار بشكل معمّق سريعاً، لهذه الأركان، ونتفق معه على ذلك بأن الرواية شكل سردي ممتع، يختار لغة خاصة، يكون للمعرفة حضور بها وفيها، باتجاه التفاعل الإيجابي والنقدي بين المبدع والقارئ.
ولأننا متفائلون بالملتقى الثالث، الذي يكون قد بدأ التحضير له فور الانتهاء من الملتقى الثاني، فإننا، ومن خلال كون الرواية هي نتاج وجسر، بين الأدب والحياة، حيث يصعب عزل الظاهرة الروائية عن ظواهر المجتمع الأخرى، أقول: إننا محتاجون لمشاركة علماء الاجتماع والنفس والسياسة، ولعلنا هنا في فلسطين نملك تلك الأصوات الأكاديمية التي تقدم لنا دراسات ثقافية اجتماعية تتناول الأدب والفن، ومن تلك الأصوات الفريدة، الدكتور عبد الرحيم الشيخ الذي ركز على هذا الجانب في سياق كولونيالي، هو ما له علاقة بخصوصية عيشنا تحت الاحتلال.
ونطمح أيضاً لمحور خاص قادم مخصص للروائيين/ات الجدد، لما لتجربتهم/ن من أهمية أدبية واجتماعية، كذلك، ثمة مجال أيضاً للنهوض بالجانب النقدي، وتعريف المهتمين/ات بالأصوات النقدية، خصوصاً تلك التي تتناول الموجة الجديدة من الرواية الفلسطينية.
كما نطمح في كل ملتقى أن يصار لاعتناء بأدبيات المؤتمر، من خلال:
• نشر كتاب بأوراق الملتقى.
• نشر على الأقل كتابين كل عام، حول الرواية الفلسطينية والعربية.
كذلك، سنستمتع كجمهور في تخصيص لقاءات خارج اللقاءات الرسمية للقراءة، يقرأ فيها الروائيون صفحات من أعمالهم.
أما الخلاص قومياً ووطنياً، وفردياً وإنسانياً، في ظل التحولات العربية التي عصفت بنا جميعاً، فلعلنا في رحلتنا الدائمة في البحث عن المصير، نولي لها اهتماماً مركزاً، لما للرواية من أهم رسالة، تأتي عبر سرد ممتع وجميل نقدي ومستشرف، بل وبان للمستقبل.
لعل هناك ضرورة للتفكير المعمق باستمرار، ليس في الملتقى فقط، ولا في الرواية فقط، بل بحياتنا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
 تلك هي الرسالة بثوبها الجميل.
ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية..
ولعل في عنوان الملتقى العروبي والإبداعي الأسئلة والتفكير بالاستجابة الإبداعية لها كلمة وإدارة معرفية.