مجزرة التطهير العرقي في وادي الحمص بداية خطيرة لضم الضفة الغربية

hW2DD.jpeg
حجم الخط

بقلم: د. مصطفى البرغوثي

 

الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

لم تكن مجزرة هدم بيوت حي الحمص في صور باهر، مجرد عملية إجرامية أخرى، ليس فقط لأنها جرت في مناطق يسميها إتفاق أوسلو ( أ و ب) وصلاحية ترخيص البناء فيها بيد السلطة الفلسطينية، فهذه ليست المرة الأولى التي يهدم فيها الإحتلال بيوتا في مناطق( أ) و (ب).

فعل ذلك عندما هدم بيوت الشهداء وبيوت الأسرى المناضلين في قلب رام الله ومخيم الأمعري، وبيرزيت، وكوبر، والخليل، وبيت لحم، وجنين وغيرها.

وفعل ذلك في مخيم جنين وفي كل مدن الضفة والقطاع أثناء اجتياحها وإعادة احتلالها في عام 2002، ومارس ذلك في عمليات القصف الجوي والمدفعي والبحري أثناء الاعتداءات المتتالية على قطاع غزة .

الجديد في حالة صور باهر أن العملية برمتها مثلت تجسيدا لبرنامج التطهير العرقي الذي أعدته الحكومة الإسرائيلية، وبداية للضم الفعلي للضفة الغربية بكاملها، وإثباتا عمليا على تصفية إسرائيل بقيادة نتنياهو لاتفاق أوسلو، وكافة الاتفاقيات التي عقدت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.

وأكثر من ذلك، تمثل عملية التطهير العرقي في وادي الحمص التنفيذ العملي لمبادىء " صفقة القرن" التي يروج لها فريق ترامب.

.

وقد تمت العملية بغطاء أميركي كامل، منح لحكام إسرائيل الضوء الأخضر لأكبر عملية توسع استيطاني منذ عقود، ووفر الحماية لإجراءاتها في مجلس الأمن.

ما يجب إدراكه أن " صفقة القرن"، أو على الأصح، " صفقة القبر" تطبق بخطين متوازيين، الأول يتمثل في الإجراءات الإسرائيلية العملية على أرض الواقع من استيطان وتهويد وتطهير عرقي كما جرى في صور باهر، والثاني يتمثل في المنهج الأميركي الجديد ( البارادايم) الذي يعمل جاهدا لإلغاء وتصفية الحقوق الفلسطينية، والذي تمثل في تصريحات جرينبلات المتتالية، من إلغاء فكرة الدولة، وما يسمى " بحل الدولتين"، إلى إلغاء إسم المستوطنات واستبداله بتعبير "أحياء ومدن"، إلى شطب إسم الضفة الغربية وإستبداله "بيهودا والسامرة"، إلى أوقح الأمور بالتنكر للقانون الدولي، والقرارات الدولية، كما فعل جرينبلات في جلسة مجلس الأمن التي عطل فيها إصدار إدانة لعمليات الهدم الإسرائيلية.

ما نواجهه ليس مجرد عملية هدم أخرى، بل عملية ضم وتهويد للضفة الغربية بكاملها.

والرد عليه لا يمكن أن يكون في إطار ما هو متبع، أو في استمرار النهج والإتفاقيات التي مزقتها إسرائيل بقيادة نتنياهو.

الرد يجب أن يكون في تبني نهج واستراتجية فلسطينية بديلة وشاملة، تقوم على إدراك " زوال وهم إننا في مرحلة حل وتسوية مع الحركة الصهيونية " وتستند إلى الإيمان بضرورة خوض النضال الوطني التحرري ليس فقط ضد الإحتلال بل ضد كل منظومة الأبارتهايد والتمييز العنصري، مهما بلغت التضحيات، ومهما كان مؤلما لبعض الجهات ثمن التخلي عن مكاسب ذاتية، ومنظومات ومؤسسات بيروقراطية، وعلاقات أمنية أنتجتها الإتفاقيات السابقة.

و قد جاء القرار الذي أعلنه الرئيس محمود عباس بوقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل سليما تماما، وسيحقق التأثير المطلوب إن تم تنفيذه فورا، وبما يشمل وقف كل أشكال التنسيق الأمني، وإن تبعه جهد حقيقي لإنهاء الانقسام و توحيد الصف الوطني.

ولا سبيل لإستعادة ثقة الشعب، وتفعيل مشاركته في الكفاح الوطني، إلا بالتبني الفعلي والتطبيق العملي للنهج البديل، بما في ذلك إنهاء الإنقسام وبناء قيادة وطنية موحدة والتحرر الكامل من قيود الإتفاقيات التي ألغى نتنياهو كل الإلتزامات الإسرائيلية الواردة فيها.

كلمة أخيرة للدول التي أصدرت بيانات الاستنكار لعمليات الهدم، نشكركم، ولكن إداناتكم لا تكفي، ولا قيمة لها، إن لم تترافق مع إجراءات عقابية ضد إسرائيل، ولديكم الكثير مما تستطيعون فعله في هذا المجال إن كانت الإرادة متوفرة.

بسام الشكعة إسم سيبقى خالدا

غادرنا بسام الشكعة، المناضل العنيد والصلب، الذي مثل جيلا مميزا من مناضلي الأرض المحتلة ممن حموا منظمة التحرير الفلسطينية، و أفشلوا مؤامرات شمعون بيرس وإسرائيل لخلق قيادة عميلة وبديلة للحركة الوطنية الفلسطينية.

وبقيادة الجبهة الوطنية الفلسطينية ولجان التوجيه الوطني والتي كان من أبرز قادتها بسام الشكعة، وحيدر عبد الشافي، وكريم خلف، وبشير البرغوثي و إبراهيم الدقاق، ووحيد الحمد الله، وفهد القواسمي و أحمد حمزة النتشة، تحولت البلديات الفلسطينية و المدن والقرى إلى قلاع نضال، وبؤر للوحدة الوطنية، شقت الطريق لإنفجار الإنتفاضة الفلسطينية الأولى.

وبقيادة بسام الشكعة أُسقطت مستعمرة آلون مورية الأولى، وتصدى الشعب الفلسطيني للإستعمار الإستيطاني، وثمن ذلك كانت عمليات التفجير الإرهابية الصهيونية ضد رؤساء البلديات التي أفقدت بسام الشكعة قدميه، ولكنها جذرت مكانته وبسالته وبطولته عميقا في أرض فلسطين.

لم يبحث بسام الشكعة عن جاه، أو منصب، أو مال، ولم ينحرف قيد أنملة عن مبادئه، ولذلك كرمه الشعب الفلسطيني بكل شرائحه، وكرمه شرفاء الجولان والعرب، وحفروا إسمه في قلوب أبنائهم وبناتهم، وفي سجل الخالدين.