"محضر" للزعيم الرحل جمال عبد الناصر يكشف مزيداً وفائه لفلسطين وللعروبة

sabreen_diab.jpg
حجم الخط

بقلم: صابرين دياب

 

شاءت المصادفة، أن ترسل لي الدكتورة هدى عبد الناصر، كريمة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، ملف "محضر سري"، لمحادثات الزعيم مع القادة السوفييت، في حزيران عام 1968 في موسكو قبل إسبوعين من موعد حلول ذكرى ثورة يوليو المجيدة في الثالث والعشرين من تموز.

هدف تلك المحادثات، دعم المقاومة الفلسطينية الناشئة آنذاك في اواخر ستينيات القرن الماضي. وجاء إرسال المحضر، بعيد الشعور بالألم الشديد، اثناء حديث معها، حول زيارة رئيس حكومة دولة الاحتلال، بنيامين نتياهو، الى مقر سفارة كامب ديفيد، قبل نحو اسبوعين في تل ابيب ليحتفل مع سفير اتفاقية العار بـ"العيد الوطني المصري" !

ولعل الدكتورة هدى، أرادت ان تحاكي الفلسطينيين بهذا التاريخ، لتؤكد لهم أن مصر كانت أول من دعم واحتضن المقاومة الفلسطينية، فكأنها تقول: لا تدعوا مشهد سفارة اتفاقية العار يدمي قلوبكم!.

ورأينا من جانبنا، أن نحاكي المرحلة التي نعيشها، بنشر اجزاءٍ من المحضر، الذي يتألّف من خمس ورقات نقلت حوار الزعيم الخالد مع الرئيس السوفييتي حينها، ليونيد بريجنيف، ورئيس الوزراء السوفييتي، أليكسي كوسيجين.

كشف المحضر، عمق العلاقة بين الزعيم الخالد والقادة السوفييت، وعمق الإحترام والثقة بينهم، ورغبة السوفييت بدعم غاية عبد الناصر، وهي دعم المقاومة الفلسطينية حديثة العهد وقتذاك، وقد اصطحب الزعيم معه، الرئيس الراحل ياسر عرفات، رئيس حركة التحرر الوطني المقاومة "فتح"، وعرّف القادة السوفييت عليه، وعلى الحركة التي يرأسها، مشيداً بإنجازاتها الفدائية، وضرورة دعمها بكل أشكال الدعم، ودعم الدول العربية المحيطة بفلسطين، لتمكينها من إزالة آثار العدوان.

تطرّق المحضر, الى تفاصيل خطة الزعيم الخالد، لتوحيد جبهة الدول العربية المحيطة بفلسطين، الأردن سورية والعراق, في الجبهة الشرقية، ومصر في الجبهة الجنوبية، كما أظهر حنكة الزعيم السياسية في التعامل مع الدول الرجعية المرتبطة بالغرب الإستعماري والأمريكي , مثل السعودية وتونس والمغرب وليبيا حينها.

ومما جاء في المحضر بهذه الجزئية ,قول الزعيم حرفياً: " نحن نسعى الى توحيد الجهد العربي في جميع الميادين، السياسية والعسكرية، ولكن هناك متناقضات بين الدول العربية، هناك دول مرتبطة الى حد ما بالغرب وخصوصا امريكا، السعودية تونس ليبيا والمغرب، ولا تريد ان تدخل في صدام مع امريكا، وهناك سورية، التي لا تريد ان تلتقي مع الدول الرجعية، ورأينا أن نجمع جميع الجهود، ولا نتكلم عن الدول الرجعية والتقدمية، لأن الشعوب العربية التي تحكمها الرجعيات، شعوب تقدمية وعندما نهاجم الحكومات، نعطي هذه الحكومات حجة الوقوف موقف سلبي. الشعوب مع إزالة آثار العدوان، أي مع الموقف العربي التقدمي، ومع إتخاذ مواقف مستقلة، وهذا ظهر في 5 يونيو يوم العدوان الإسرائيلي، كانت هناك مظاهرات في الدول الرجعية، اكثر من الدول التقدمية - أكبر المظاهرات كانت في تونس - وهذا يشير الى أن الشعب العربي يريد الإستقلال والتقدم".

وأشار الزعيم الخالد إلى خطة اسرائيل لإخضاع الأردن، من أجل إبرام صلحٍ معها! وجاء قول الزعيم بهذا الصدد :" هدف إسرائيل الأول أن تُخضع الأردن، وعلى هذا الأساس تتكرر الإعتداءات عليه، حتى يضطر الملك حسين الى طلب الصلح، ولكن الوضع الآن في الأردن، يختلف عن 5 يونيو، وسبب الإختلاف هو بداية العمل الفدائي الفلسطيني العربي ونشوء منظمة فتح، وعمل أفرادها المسلحين، مما يمنع أي حركة بإتجاه الصلح مع اسرائيل. هذه الحركة، حركة الفدائيين والشعب الفلسطيني، تُعتبر حركة هامة وحاسمة في هذه الفترة، وعندما عبرت اسرائيل نهر الأردن، وأرادت أن تقضي على العمل الفدائي، إشتبك معهم الفدائيون وليس الجيش الأردني، لأنه كان من الخلف، وتكبّدت اسرائيل خسائر جسيمة".

وأضع بين يدي القارئ الكريم، جزءاً آخراً من أوراق المحضر – الحوار بين عبد الناصر وكوسيجن وبرجنيف , التي تبيّن دعم الزعيم الخالد المطلق للمقاومة الفلسطينية :

*يقول عبد الناصر:" هذه المنظمة تكبر ولها تأييد في العالم العربي، وهناك بعض المنظمات الأخرى المستعدة للعمل معهم، قائد هذه المنظمة "فتح"، طلب أن يأتي معي الى موسكو أول أمس وأحضرته معي، وهو معي الآن، اسمه ياسر عرفات، هو مهندس تعلّم في مصر، وكان موظفاً يتقاضى راتباً كبيراً، وترك كل هذا ليقاوم اسرائيل. الحقيقة, رحّبت بإحضاره لعدة أسباب الآن، وبعد أن أخذت المنظمة هذا الوضع. نحن نساعدهم بالأسلحة، والسوريون والعراقيون ايضا يساعدونهم، وفي الفترة الأخيرة بعد التأييد العربي لهم، بدأت منظمات أخرى تتصل بهم".

سأل كوسيجن، عبد الناصر: أين الشقيري ؟ هل اختفى؟

*عبد الناصر : اختفى, ومنظمة التحرير موجودة، ولكن ليس لها شعبية فتح فتح تدخل الضفة الغربية وتقاتل، وتسبّب خسائر لليهود، وقد تم إتفاق بين فتح والمنظمة من أجل إنشاء مجلس قومي. وقال لي عرفات، ان الملك فيصل حاول التاصال بهم، والصينيون يحاولون الاتصال بهم ايضا".

*كوسيجن: ما هي قوتهم العسكرية؟

*عبد الناصر: " لا يقولون شيئاً، وأنا لا اسألهم على أساس أنني لا أتدخّل في شؤونهم. ولكن منذ اسبوعين نسفوا مخزن ذخيرة لإسرائيل بالقرب من تل ابيب، ونسفوا مصنع بوتاس، ويتسببون اسبوعيا، بمقتل عددٍ كبيرٍ من الإسرائيليين، من 15 – 20 إسرائيليا. هم لديهم خسائر، قد تكون اكثر من اسرائيل، ولكن التطوع في صفوفهم كبير جدا. هم يأخذون بالنوعية وليس بالعدد، ولهذا انا أعتبر ان لهم مستقبلا كبيرا، ليس فقط بالنسبة لفلسطين بل للعالم العربي، ولذلك وجدت من المفيد أن يجيء معي".

*برجنيف: مستعدون أن نستمع إلى الأوضاع العامة.

*كوسيجن: بالنسبة للأردن، اي جزء تحتله اسرائيل؟

*عبد الناصر: "الجزء الغني، حتى في الجانب الشرقي يُضرب من اسرائيل "اي ضفة نهر الاردن". في الواقع الاردن بوضع صعب".

*برجنيف: ميدان عمل الفدائيين هل فيه تلال، جبال؟

*عبد الناصر: "فيه أرض مزروعة، وتلال طبيعية، الضفة الغربية المحتلة وخاصة المنطقة الشمالية نابلس، والقدس في الوسط.

في رأيي أن العمل الفدائي الفلسطيني سيزداد , وقال ديّان في تصريحه الأخير في الكنيست، أن لديهم اكثر من ألف قتيل بعد إنتهاء الحرب. العمل الفدائي هناك، بجميع الوسائل، الغام قنابل وغيرها وكل اسبوع يزيد. طبعا في نفس الوقت، يعطوننا معلومات عن إسرائيل لم نكن نحصل عليها... بالنسبة للدول العربية الأخرى مثل الجزائر وعدونا عند بدء المعركة أن يعطونا دعماً، كاشتراك القوات الجزائرية معنا، طبعا لم يوافقوا على قرار الأمم المتحدة، وانتم تعرفون الموقف بالتفصيل. لدينا لواء جزائري موجود معنا. وأخذنا من مؤتمر القمة 100 مليون جنيه. واعتقد أن هناك تأثيراً امريكياً على بعض الدول، كيلا تحضر مثل السعودية. هدفنا من الاجتماع هو مزيد من المشاركة والمجهود، إما من الناحية المالية، او العسكرية، هم يعون هذا الهدف والحقيقة لا احد عنده شيء سوى الجزائر، ولا احد يريد المساهمة اكثر من هذا".

ومما لا شك فيه أن تاريخ الأمة لا يخلو من رفعةٍ وسناء رغم كل الإنتكاسات، ولا بد من تجدّد الظواهر التاريخية المشرّفة، من مقاومة ومن قادة تدعم وتحمي، ذلك أن الأمة لا زالت تخضع للإحتلال، والتبعية للغرب المستعمر، وولادة قوى مقاومة لهذا المحتل وذاك التابع، أمر حتمي لدى الشعوب والأمم الحرّة، كنشأة المقاومة اللبنانية، والفلسطينية في غزة ، ووجود قادة عرب وغير عرب تساند هذه المقاومة، كما حظيت المقاومة الفلسطينية في بداياتها. كذلك فإنّ "محضر الزعيم" لا يأذن لنا بتجاوز حرب 2006 !

فعندما مرّت ذكرى الثورة المجيدة، عام 2006 كانت الحرب الصهيو-أمريكية على لبنان في أوجها وكانت بطولات المقاومة اللبنانية تتعاقب إنتصاراً يتلو انتصاراُ، وكانت هي المرة الأولى، التي نحيي فيها ذكرى الثورة المجيدة , ونحن في حالة اغتباطٍ وحبورٍ، تحاكي بطولات وأمجاد الثورة واهدافها، وتجاري حلمنا المشرّع بالتحرر .

ومنذ عام الانتصار العظيم، وآمالنا تتعاظم وتزهو, مع انتصارات جيشنا العربي السوري في الحرب الكونية، التي استشرست على سورية قلب عروبتنا النابض، بالرغم مما اعقب الانتصار من كبوات، بيد أنها سرعان ما تتبدد، مع كل عمل فدائي ومع كل مكسب لجيشنا السوري الأبي، ومع كل إطلالة لسيد الإنتصار الأثيث الأغّر. .

وتمّر الذكرى هذا العام، ونحن في خضم التحدي الايراني الماجد المهيب، للغرب الامبريالي المستكبر، الذي بدأ ينفضح ويتعرّى تحت كنف الشموخ الايراني ومفهوم سيادة الدول وكرامة شعوبها. وكما يقول عبد الحكيم عبد الناصر, نجل الزعيم الخالد: " من الطبيعي ان يعادي الصهاينة والغرب الإستعماري وكلابهم الحارسة لمصالحهم في الشرق الأوسط، ايران الثورة والسيادة، والوفاء لأعدل قضية عرفها التاريخ الإنساني، المتقاطعة مع مشروعنا التحرري والقومي الكبير".

ولا تخامر كل ذي بصيرة نأمة ريبٍ, أن ايران, هي الظهير المتين لأبرز اهداف المشروع الوطني التحرري، دون السماح لمعتقدات باطلة، واحقاد دفينة، تم تغذيتها بالجهل او بالتجنّي، في ضمير ووعي قطاع واسعٍ، من العرب والعروبيين ضد ايران الثورة. ولن يعيبنا كعروبيين جذريين, التحالف العميق مع الايراني والفنزويلي والكوبي والبوليفي، ومع كل من ينتصر لفلسطين قولاً وفعلاً .

لقد ارتحل الزعيم المقاوم الخالد فينا، وها هو يتجدد في بيروت ودمشق، بل وفي طهران. وإنّنا إذ نراجع التاريخ جيداً، وإذ نستلهم روح الثورة المجيدة، نتيقّنبأنّ فلسطين ما كانت وحيدةً يوماً ولن تكون.