الوضع الراهن يحتاج إلى تدخل مبكر

Hani-Auqal
حجم الخط

«حارة كل من إيدُه إلُو» هذا هو تلخيص المشهد الفلسطيني الذي يسير بفعل أطرافه إلى الهاوية، وإلى تساؤلات مقلقة ينال المواطن الفلسطيني نصيب منها، كونه أول وآخر من يكتوي بهذه الفرقة التي وضعته في أسفل هرم النظام السياسي الفلسطيني على انقسامه.
كل يوم تخرج «حدوتة» على الساحة الفلسطينية، تستهدف تعميق الأزمة واستفحالها بما يهدد العلاقات الوطنية والنسيج الاجتماعي والتلاحم الوطني، والنتيجة أن الحلول باتت مستعصية في القاموس الفلسطيني الذي ينضح بالمؤامرات و»الكولسات» والتربص بهذا وذاك.
تمر قضية الأسرى وغيرها من القضايا الوطنية مرور الكرام، وسط زوبعات داخلية واجتهادات في كيفية تعظيم الخراب الفلسطيني وتثوير الشعب من الداخل، وزراعة أحقاد وفرقات قد لا تخدم أي عملية مصالحة جدية.
بالأمس القريب كانت الأخبار مشدودة نحو هدنة طويلة الأمد بين «حماس» وإسرائيل تقوم على أساس التهدئة مقابل تخفيف الحصار عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومثل هذه الهدنة إن كتب لها التطبيق الفعلي والظهور إلى النور، فإنها ستكون بمثابة صخرة كبيرة في وجه ملف المصالحة الوطنية.
حينها ستتمسك «حماس» ببرنامجها للحكم في القطاع، كما تتمسك به الآن وتسعى لمغازلة أطراف عربية كانت على خلاف معها، فقط في سبيل الحصول على دعم يضمن استمراريتها في تمكين نفسها بغزة، على قاعدة الاستفراد في الحكم.
إذا وقعت الحركة اتفاقاً مع إسرائيل، فإن مردود ذلك سيكون كارثياً على العلاقات الوطنية، لأن التجربة أثبتت أن «حماس» تستأسد كلما انتقلت من موقع ضعيف إلى آخر أقوى، وبالتالي فإن ذلك سينعكس سلباًَ على أي حوار حقيقي كان أم «فالصو».
حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية هي الأخرى ليست بريئة مما يجري في الساحة الفلسطينية، لأنها قدمت في الفترة الأخيرة تجربة هزيلة في إدارة العمل الوطني، خصوصاً في قضية مهمة تتصل بمنظمة التحرير واستقالة عشرة من أعضائها لعقد جلسة استثنائية للمجلس الوطني.
المشكلة أن فرقاء النزاع يشتغلون في الساحة الفلسطينية كما لو أنه ليس هناك شعب فلسطيني، فحين وقع اتفاق «أوسلو» عام 1993، سبقته مفاوضات سرية وفي النهاية خرج الاتفاق إلى الشعب، كما هو حال اتفاقات و»كولسات» تجرى هنا وهناك والمواطن آخر من يعلم.
القصة من ذلك أن كل إجراء فلسطيني أحادي الجانب يضمن تعطيل ملف المصالحة الوطنية حتى إشعار آخر، فإذا ترجمت بالفعل هذه الإجراءات الأخيرة على أرض الواقع فلعلنا سنقول على المصالحة السلام، خصوصاً وأن الفلسطينيين يدركون أبعاد تحقيق هدنة طويلة في غزة، كما هو حال انعقاد دورة استثنائية للمجلس الوطني لتعيين أعضاء في اللجنة التنفيذية.
لنا أن نتخيل حجم التحولات التي أفرزت طوال سنوات الانقسام، من فصائل مقاومة ضد الاحتلال، إلى فصائل تعمل على تأبيد الاقتتال الداخلي واستفحاله بطرق من شأنها أن تدمر النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني وتضعه في الهاوية.
كان الأولى على «حماس» أن تطالب بحوار وطني عاجل تقدمه على موضوع المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، وكان الأولى أيضاً على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عدم الاستعجال في الاستقالة وتجديدها بطريقة مشوهة ومع ضآلة احتمال عقد جلسة عادية للمجلس الوطني.
إسرائيل تستكلب على الضفة الغربية أملاً في تحويلها إلى مستوطنة كبيرة جداً، وتعطي ظهرها للسلطة الفلسطينية التي ظلت تؤكد على اعتبار السلام خياراً استراتيجياً والتنسيق الأمني مقدساً، ولم ينفع مع هذه الأخيرة شيء يوقف المستوطنات ويثني إسرائيل عن أهدافها الاستراتيجية.
ألا يفهم فرقاء النزاع أن إسرائيل هي عدوة للفلسطينيين وكافة الفصائل، وأن الأولوية الوطنية تستدعي التوافق بين هؤلاء من أجل وقف التهديدات الإسرائيلية على الضفة الغربية والقدس في القلب منها؟؟
نحتاج بالفعل إلى التعامل مع الانقسام بمسؤولية وطنية عالية، وإلا فإن اللعنات ستبدأ تأكل من الرصيد الوطني للقضية الفلسطينية، مع العلم أن ضعف الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام وعدم الاهتمام بالمواطن ومع غياب أهم الخدمات الضرورية، فإن هذا الأخير –المواطن- قد لا يعود مواطناً بعد الآن.
أقصد من ذلك أنه لسوء التصرف في إدارة البلاد وتدبير العباد ومع هذا الاقتتال الطفولي، قد يأتي يوم على الفلسطينيين يحزمون فيه أمتعتهم للهجرة والهروب من واقعهم المأزوم، وزيادة التشتت فوق التشتت الذي يعيشونه في أصقاع العالم.
أجزم أن طوابير مؤلفة من أبناء الشعب الفلسطيني يحلمون الآن بمغادرة قطاع غزة لصعوبات العيش هناك ولعجز الفصائل عن تأمين حياة تحفظ للإنسان كرامته، وسط اقتتال يخدم فقط شريحة تسترزق وتعتاش عليه لتحقيق مصالحها الخاصة.
نحتاج إلى تدخل مبكر قبل أن يقع الفأس في الرأس، نحتاج على الأقل تعطيل الإجراءات والقرارات أحادية الجانب والدعوة إلى تهدئة بين الفرقاء، يتبعها توفير مناخات إيجابية فوالله هذا ليس بالأمر المستحيل ويمكن تحقيقه حين تدرك فصائل الانقسام أنها بسيرها المصلحي الضيق تخدم الاحتلال وتعطل المسار الوطني تمهيداً لقبر القضية الفلسطينية.  ثم إن هناك تجارب مؤلمة في عدد من الدول العربية يمكن ملاحظتها والاستفادة منها، فليبيا تحولت إلى دولة فاشلة بفعل الاقتتال الداخلي، والعراق ينهشه الفساد والخلاف أيضاً وتساؤلات التقسيم، وسورية في نزاع داخلي وخارجي يفتك صحتها وجغرافيتها، وذلك السودان الذي انقسم إلى اثنين، كل واحد منهما في خلاف من الآخر، بينما هذا الآخر وهو جنوب السودان يعاني من انقسام حاد بين قواه الداخلية.
آخر ما نتوقعه هو أن يطول الانقسام الداخلي في حضرة احتلال متربص، فحذار أن نمارس خطوات أحادية الجانب من شأنها أن تضرب وحدة الصف الفلسطيني، لأن حالنا اليوم في الحضيض وهو في أدنى مستوياته منذ بدايات الانقسام عام 2007.
مطلوب أن نستفيد من تجارب الأسرى في الصمود والتحدي في مقارعة الاحتلال، نعم الصمود والإرادة لتكريس وفرض وحدة وطنية بالقوة الشعبية إذا لزم الأمر، واستنهاض قدراتنا في متابعة النضال الوطني لصيانة الحقوق الوطنية التي يسطرها الأسرى والمناضلون ومن في حكمهم.