الجامعات بعيون فلسطينية

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

اعتبر نفسي مهتماً بالعديد من القضايا ومتابعاً حثيثاً، ولكنني أكاد أجزم أن ملف الجامعات الفلسطينية لا يحتل المساحة المناسبة له في تعميم المعلومات للرأي العام الفلسطيني كما يحدث في بقية العالم، ويحتدم النقاش في المجتمع حول التخصصات ومستقبل الطلبة وأين يتجهون، لكن لا تجد ضالتك بسهولة لتصل لأخبار ومعلومات عن الجامعات الفلسطينية، فيما لو سألت طالباً او طالبة أنهى البكالوريا الدولية وخاض تجربة الاختيار بين الجامعات المتاحة بمساعدة المرشد، يكون جوابهم أنهم خبراء، يقولون لك الجامعات الأقوى في الطب وفي الهندسة وفي الرياضة وفي التسويق ويستطيعون المفاضلة بينها.
دعونا نعين طالب الثانوية العامة على اختيار تخصص في جامعاتنا؟ دعونا نجرب قياس رأي ولي أمر حول ثقته بجامعة فلسطينية قد تكون الخيار الأنسب لابنه او ابنته، وسبب هذا الإرباك انه لا يمتلك معلومات ولا تتوفر له تلك المعلومات!!!! السبب واضح غياب ضخ المعلومات بشكل منتظم وغياب رسالة تخرج من أسوار الجامعات الى المجتمع تقول له: نحن مؤتمنون على أبنائكم، ولكن كيف، ما الذي يميزكم، أين انتقلتم من تقدم الى تقدم خلال عام او عامين مثلا؟.
 لم يعد كافياً ان نعرف عن الجامعات لحظة انتخابات مجالس الطلبة وننفض لحظة إعلان النتائج، أو لحظة حفلة التخرج التي بات يقال فيها ما يقال خصوصا تقييم الأهالي الذين يجلسون لساعات يستمعون لخطابات ويغادرون وهم يفكرون بسبل إقامة حفلة ابنهم او ابنتهم في المدينة او القرية.
المشكلة أننا إذا بحثنا في قطاع معين في فلسطين نكتشف لحظتها ان هذا القطاع تم إنجاز برنامج دبلوم دراسي له في الجامعة الفلانية والعلانية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر مثلاً قطاع الحجر والرخام وقطاع صناعة الجلود وقطاع الملابس لها دبلوم في جامعة بولتكنيك فلسطين، تلك معلومة لقطناها في ورشات عمل حول هذه القطاعات وانتهينا. حاولنا أن نؤكد على أهمية هذه النشاطات وسبل تعميمها الا أن الجامعة والاتحاد التخصصي اكتفيا بإشهار المشروع مرة وانتهينا، ولم نحصل على معلومة عن عدد الملتحقين وقصة النجاح التي انعكست على تلك القطاعات.
ويمتد الأمر ليشمل قضايا أخرى، فقد حاولنا مثلاً في مجال السلامة الغذائية أن يكون مرجعنا الجامعات الفلسطينية، فبنينا علاقة مع كلية الزراعة والطب البيطري في جامعة النجاح الوطنية، وزدنا العيار زيادة فذهبنا صوب مختبرات الفحص والتقييم في جامعة بيرزيت وجامعة النجاح، فاكتشفنا أن حضور اللقاء من ذوي الاختصاص وذوي المصلحة لا يعرفون بما يكفي عن تلك المختبرات باستثناء وزارات الاختصاص التي تتعامل دائماً معهم، الا أن عرض المعلومة أثار اهتماماً وعزز قناعة أن هناك مراكز داخل الجامعات بالإمكان الاستعانة بها يجب أن تقدم نفسها للمجتمع، خصوصاً اننا في زمن تكنولوجيا المعلومات.
مرات عدة ذهبنا بمبادرة ذاتية صوب مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت لتلقّي التدريب على قضايا معاصرة في الإعلام، وعقدنا لقاءات لسبل دمج الإعلام في قضايا حقوق المستهلك وتعرفنا على نطاق ضيق على المركز وغادرنا، دعونا من مشاغبة أساتذة المركز عبر الإعلام المجتمعي الذين يثيرون نقاشاً مجتمعياً، الا أن المركز بحاجة ان يقفز من على جدران الجامعة لتصل الرسالة بوضوح.
ذهبنا مرة لحضور افتتاح المراكز الطبية في الجامعة العربية الأميركية، هناك تعرفنا على جزء من الجامعة ودور المراكز الطبية، وقيل لنا يومها إنها ستقدم الخدمة للمجتمع، وبعد ذلك لم نسمع عن تلك المراكز، وكذا الرأي العام، وهذا حتماً طالما أن الأمر ليس معمماً لن نجد شخصية عامة تفاخر انها تلقت خدمة من هذه المراكز، فينشر حولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصفحاتهم الشخصية، تلك المراكز بحاجة ان تقفز عن جدرانها صوب المجتمع.
تلك امثلة ليست للحصر أو لجامعات بعينها، لكن الفكرة "الجامعات بعيون الرأي العام" لا يعقل أن تظل هناك مناطق غير معلومة ليس لأنها غير فاعلة أو معطلة لكن الضوء لم يصلها ليقال للمجتمع ها نحن هنا الآن.
وحتى لا أُفهم خطأ، لا أقصد بالمطلق ان تحمل الجامعات بوقاً يطوف الحارات والأحياء ليقول: نحن الجامعة الفلانية نعمل كذا وكذا، الجامعة ليست "سوبرماركت" وليست مشروع أضاحٍ في أستراليا، ولكن بإمكانها أن تستعين ببوق من نوع آخر وجودة أعلى وبث واضح في ظل تغير الأحوال، أولاً بحيث تصل الجامعة لأكبر قاعدة في المجتمع، تعرف تماماً ما هو القائم خلف جدرانها، وتستقطب قاعدة تنتصر لها، وتستقطب شخصيات عامة تحكي عنها في موقف هنا وهناك، وليس المطلوب شخصيات عامة تأتي في حفل التخرج لتحكي وكأنها تمسح جوخاً للجامعة لأن ابنه أو اخته خريجة في هذا العام، ثم ينسى الجامعة في بقية الأعوام.
لتحمل جامعاتنا بوقاً من نوع آخر فتتابع تحديث صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي وتبدع فيها ولا تتركها وكأنها صفحة شخصية لرئيس الجامعة ونوابه، بل هي صفحة للجامعة وعن الجامعة وقاعات التدريس ومراكز النشاطات والكافتيريا والفنون والرياضة، والأهم كيف تخدم المجتمع بصورة عملية، ويجب ان تهتم بموقعها الإلكتروني وتحدثه أولاً بأول.
البوق العصري لا يعتمد فقط على إعلانات تفيد أن تاريخ تقديم الطلبات للالتحاق يبدأ بهذا اليوم وينتهي بيوم محدد، بل الأصح أن يسلط الضوء على التخصصات القائمة والتخصصات الجديدة واستقطاب كفاءات مميزة أكاديمية وإدارية، وفي ذيل الإعلان لا زال الوقت متاحاً لتلقي طلبات الالتحاق، الأهم ان يتم عمل علامة فارقة للجامعات مثل العلامة التجارية بمجرد رؤيتها نربط الأمر بهذه الجامعة أو تلك، فنربط بين جامعة ما وتميزها بالطب واللغات مثلا، وأخرى بالهندسة والصيدلة، وثالثة بالدراسات الدولية والتسويق.
بوق جامعاتنا يجب ان يبرز الكفاءات العلمية المميزة في الجامعات وإبراز إنجازاتهم وتوضيح المناخ المتاح في الجامعات، للاحتفاظ بحق الاختلاف والنقاش، وإنجاز الأبحاث والأوراق العلمية، وتلك الكفاءات التي تقوم بصياغة خطط استراتيجية لبلدية وشركة وجمعية مؤسسة عامة، وإبراز أهمية المراكز العلمية في رفد المجتمع بالخبرات من دراسات وأبحاث ومعالجة انزلاقات في مقاطع في الطرق، وإعادة تنظيم حركة المرور في مدينة أو محافظة، والتنمية والتخطيط الحضري، وقطاع الإسكان وتنظيم البناء، وتحديث الصناعة الفلسطينية والمواصفات والمقاييس، والسلامة الغذائية والصناعة الدوائية، وقطاع الحجر والرخام والملابس.
كل جامعة يجب أن تستخدم بوقاً قادراً على الوصول لأوسع قاعدة وفئات متنوعة ومتعددة فلسطينية وعربية وعالمية.