إسرائيل ستدفع ثمن الابتذال الأميركي..!!

أكرم عطا الله.jpg
حجم الخط

أكرم عطا الله

لا يوجد هناك ابتذال أكثر مما قاله السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان في البيان الذي صدر عن السفارة بعد منع إسرائيل النائبتين في الكونغرس الأميركي رشيدة طليب والهان عمر من الدخول للأراضي الفلسطينية حيث قال، إنه "يحترم ويؤيد قرار إسرائيل بمنعهما، إسرائيل دولة قوانين مثل الولايات المتحدة ونحن نؤيد تطبيق إسرائيل لقوانينها في هذه الحالة".
لو كان الأمر اعتيادياً كما طبيعة الأشياء، يفترض أن سفيرا لديه كرامة يرسل رسالة احتجاج شديدة اللهجة، فالأمر مهما حاول مؤيدو إسرائيل التقليل منه إلا أنه يعتبر مساساً بهيبة الدولة العظمى، ولكن عندما يكون لهذه الدولة رئيس مثل ترامب تصبح سيادتها مدعاة للإهانة حين يتعلق الأمر بإسرائيل. فالعلاقة تجاوزت حدود المنطق حتى خارج إطار التراث السياسي الأميركي إذ كيف يمكن أن نفهم تحريض رئيس لدولة أخرى على إهانة أعضاء في مؤسسة ضمن مؤسسات دولته؟ هناك خلل ما وفاضح.
غرد الرئيس الأميركي قبل قرار إسرائيل بالمنع قائلاً، "إذا سمحت إسرائيل بزيارة النائبة إلهان عمر والنائبة رشيدة طليب فسيكون هذا مظهر ضعف كبيرا من جانبها" وتلك وحدها مدعاة للسخرية، ويكمل الرئيس ترامب في تغريدته قائلاً، إنهما "تكرهان إسرائيل وجميع الشعب اليهودي ولا يمكن قول أي شيء أو فعل أي شيء لتغيير رأيهما، انهما عار".
حال الإدارة الأميركية أصبح معروفاً حيث يتنافس أعضاؤها على التزلف لإسرائيل ولكن ألا تشكل هذه السياسة إهانة للأميركيين؟ أيا كان فإن طبيعة العلاقة القائمة بين الجانبين والتي تجاوزت التقاليد الأميركية الى الدرجة التي يقوم بها رئيس أميركي أو سفير بالتحريض على أعضاء كونغرس والاصطفاف الى جانب دولة أخرى ضدهم سيكون لها ارتدادات ليس على الإدارة الأميركية والحزب الجمهوري فحسب بل أيضاً على إسرائيل نفسها.
لم تكن رشيدة طليب والهان عمر تجاهران بهذا الموقف ضد إسرائيل والى جانب الحقوق الفلسطينية لو لم تكن هناك مناخات آخذة بالتنامي والتعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ففي السنوات والعقود الماضية كان أي مرشح للكونغرس يحتاج الى بطاقة عبور إسرائيلية، أما معاداة إسرائيل فتلك كانت كفيلة بالقضاء على مستقبله السياسي. أما الآن، اختلف الأمر، ليس لأن السيدتين من أصول عربية فقد شهدنا عرباً أكثر تزلفاً لإسرائيل من غيرهم ولكن يمكن النظر الى ما قاله الرجل الطامح بالحصول على تأييد الديمقراطيين للانتخابات بيرني ساندرز الذي اعتبر سابقا أن انتقاد إسرائيل ليس معاداة للسامية، حيث وصف ساندرز رئيس الوزراء اليميني في إسرائيل بالعنصري ودعا علانية لإنهاء الاحتلال، أما ما قاله، أمس، كردة فعل على منع النائبتين يشي بتغير هائل في المناخات المؤيدة لإسرائيل حيث طالب بوقف المساعدات عن إسرائيل.
إذا ما أخذنا ما قاله ساندرز فهذا يعني أن هناك تغييراً في الساحة السياسية الأميركية، وهذا التغيير ساهمت هذه الإدارة بما تعكسه من دونية تجاه إسرائيل في إحداث ردة فعل ضدها ليس فقط حفاظاً على التراث السياسي الأميركي بل أيضاً كجزء من معارضة الرئيس الأميركي الحالي، وبمعنى آخر، أصبحت إسرائيل جزءا من النقاش العام والذي يجد نفسه معارضاً لترامب، من الطبيعي أن يعبر عن معارضته لسياساته وضمنها بل في وسطها تجاه إسرائيل، وهي الدولة التي كانت محل إجماع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري أصبحت الآن جزءا من مادة الخلاف وهذا تطور مهم يعود الفضل فيه لسلوك هذه الإدارة.
الحزب الديمقراطي الذي تنتمي إليه طليب وعمر تلقى صفعة شديدة وهو الذي يسيطر على الكونغرس الأميركي إذ حصل على 235 مقعدا من أصل 435، وأغلب الظن أن تلك الإهانة ستترك آثارها على الكونغرس والحزب. صحيح أن إسرائيل قامت العام الماضي بمنع ثلاثة أعضاء كونغرس من زيارة قطاع غزة لكن خصوصية قطاع غزة تعطي لإسرائيل مبرراً للمنع بما فيها البعد الأمني ولكن أن تمنع أعضاء كونغرس من الحصول على "فيزا" زيارة لإسرائيل فتلك سابقة.
هذا الحدث سيضع أصدقاء إسرائيل في حالة حرج شديد وأبرزهم منظمة "أيباك" التي لا تنتقد إسرائيل علناً لكنها هذه المرة أصدرت بياناً عبرت فيه عن رفضها لما قامت به الحكومة الإسرائيلية ليس تضامناً مع طليب وعمر، ولكن "أيباك" تدرك أن تلك الحادثة ستزيد من صعوبة العمل لدى الحزب الديمقراطي وأعضاء الكونغرس وسيتم استخدامها ضد "أيباك" وعلاقاته في الولايات المتحدة الأميركية.
لكن الحادثة والتي يجب الوقوف أمامها جيداً إذ تشكل نموذجاً مهماً في إطار العمل الفلسطيني، حيث تتمكن لأول مرة سيدتان تجاهران بتأييد الفلسطينيين من الوصول لأعلى المؤسسات الأميركية. هذا يعني ان هناك مناخات وجمهورا بات يقبل الوقوف في وجه إسرائيل وبالتأكيد سبق وصولهن خلال السنوات الماضية بعض التغيير لدى مؤسسات أميركية بدأت الانزياح والتعبير علناً بمواقف ضد إسرائيل منها جمعية الأنثروبولوجيين الأميركيين وجمعية أساتذة الجامعات.
ذلك يعني أن برنامجاً للعمل في الخارج أصبح ذا جدوى بعد أن تركز العمل الفلسطيني كله في الداخل، وإذا كان يمكن صناعة ذلك في أميركا نفسها فمن الأسهل العمل في أوروبا وآسيا ضد إسرائيل، التغيير في أميركا أحدثته سياسات وانكشاف أكثر للاحتلال وإسرائيل التي لا تريد السلام وساهمت به إدارة ترامب، ولكن أكثر هذا جاء نتاج فعل ودور للوجود الفلسطيني هناك والكوادر الفلسطينية والثقافية والأكاديمية التي عملت على مدار عقود ماضية.
إسرائيل تبذل جهوداً هائلة في الخارج، فقبل اتخاذ البرلمان الألماني قراراً بتجريم مقاطعة إسرائيل كانت قد تواصلت مع أعضائه، فرداً فرداً، في ظل انكماش فلسطيني غريب بات يخوض كل معاركه في الداخل، والأكثر غرابة أن الجاليات الفلسطينية في الخارج هي جاليات قديمة لديها نخب حقيقية وأساتذة جامعات ورجال اقتصاد بالإمكان استثمارها أو وضع برنامج أكثر جدية من زيارة مسؤول موسمية لإلقاء محاضرة. الأمر يحتاج الى تنظيم أكثر من الفوضى التي نعيشها وأبعد من مبادرات فردية متباعدة..!!!