إسرائيل : 4_ 1_4

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

بعد أقل من شهر من اليوم، تكون إسرائيل قد أجرت الانتخابات العامة للكنيست الثاني والعشرين، وذلك للمرة الثانية خلال هذا العام، وهذا أمر غير مسبوق، وتكون النتائج النهائية قد ظهرت، بما هو غير متوقع أن تختلف كثيراً عنها في الانتخابات السابقة، وحتى التي سبقتها، حيث لوحظ بأن التحول المجتمعي باتجاه اليمين قد حافظ على تفوق اليمين بنحو خمسة إلى سبعة مقاعد على الوسط واليسار، مع ذلك فإن اليمين الذي عجز عن تشكيل الحكومة بعد الانتخابات السابقة، سيكون عاجزا هذه المرة أيضا عن تشكيلها، ذلك أن حدثاً دراماتيكياً أو مستجداً لم يحدث أو أن شيئاً لم يتغير ما بين الجولتين الانتخابيتين، لأجل هذا فإنه لابد من التقدير أو إعمال العقل والتفكير فيما سيحدث بعد إعلان نتائج الانتخابات التي باتت على الأبواب، وما يمكن أن يحدث لإسرائيل لجهة التشكيل الحكومي، وإن كان سيبقى مع سياساته العامة على حاله، أم أنه سيتغير بشكل ما أو بشكل حاد.
الإجابة على كل هذه الأسئلة والتساؤلات _بتقديرنا_مرهونة بأكثر من اعتبار، أولها أن إسرائيل أولا وأخيرا تبقى دولة مؤسسات بهذا القدر أو ذاك، وتغيير الحكومة يمكن أن يغير في السياسات الداخلية والخارجية، لكنه لا يمس السياسة الأمنية، كذلك لن يُحدث انقلاباً تاماً، خاصة فيما تحقق خلال السنوات الماضية من مكاسب أو نجاحات سياسية، على أكثر من صعيد، وما يمكن اعتباره "ثروة" سياسية قد تحققت، وليس من المنطق التخلي عنها أو إلقاؤها بعيدا، بداعي أن اليمين هو من أنجزها، بل لابد للحكومة الجديدة، خاصة إذا ما تشكلت من قوى المعارضة، أن تتطلع إلى تحقيق منجز خاص بها، يسجل لها، وعلى الأغلب فإن التغير سيكون في بعض الملفات دون غيرها، ومن جملة الاعتبارات أيضا مواقف الأحزاب المتوقع أن تكون شريكة في الحكم من مجمل الملفات المطروحة للمعالجة على طاولة الحكومة القادمة.
أولا وقبل كل شيء، لا بد من التساؤل عن السبب الذي منع رئيس الليكود وقائد اليمين ورئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو أن لا يدق ناقوس الخطر، وأن لا يعلن الاستنفار، بعد فشله في تشكيل الحكومة بعد إجراء الانتخابات السابقة للكنيست الحادي والعشرين، ولم شعر أو تصرف كما لو كان مطمئنا، فحتى الانتخابات السابقة لم يكن كذلك، والتي قبلها بالطبع كان قد شعر بالفزع ولم ينم الليل حتى حقق ما كان يمكن وصفه بالمعجزة يومها من فوز لليمين في اللحظات الأخيرة، الجواب وهو يدخل في باب التكهن، يقول بأن نتنياهو يدرك بأن ميزان القوة سيبقى لصالح اليمين، خاصة وأن أمرين لم يتغيرا ما بين الجولتين الانتخابيتين، وهما: أن حكماً بينهما لم يحدث بما يحمل في طياته ما يتطلب محاسبة من الناخبين، كذلك لم تتغير القوائم الانتخابية كثيراً، إضافة بالطبع لما كنا قد اشرنا له أكثر من مرة من "استقرار" في ميزان القوة ما بين المعسكرين منذ عدة سنوات مضت.
لذا فإن الإجراءات الإضافية على الجانبين كانت بدورها متوازنة إلى حد ما، فعلى جبهة اليمين، تم ضم "كولانو" موشية كحلون لليكود، كذلك تم توحيد كل أحزاب تحالف اليمين "المتطرف" في قائمة واحدة، وبذلك يدخل اليمين الانتخابات بقائمة واحدة لليكود وقائمة لليمين المتطرف برئاسة ايليت شاكيد، وقائمتي الأحزاب الدينية لكل من "شاس" و"يهودوت هتواره" فيما توحد العرب على الجبهة المقابلة، في قائمة واحدة، وبقي "ازرق_أبيض" ثم توحد "العمل" و"جيشر" في قائمة، و"ميريتس" وباراك في قائمة رابعة، أي أن الانتخابات ستجري بين معسكرين ( 4 مقابل 4) فيما ستكون بينهما قائمة "إسرائيل بيتنا" برئاسة افيغدور ليبرمان.
كذلك فإن نتنياهو يراهن على وجود الطاقم "الصهيوني" المؤيد له شخصيا في البيت الأبيض، وعلى أن إسرائيل ستكون مخيرة كما حدث بعد الانتخابات السابقة بين حكومة برئاسته أو العجز عن تشكيل الحكومة، أي أنه يعتمد على هذه الحقيقة، باعتبار أن العرب عادة لا يوصون بأي مرشح لتشكيل الحكومة، في الوقت نفسه بنى كل تكتيكه الانتخابي على منع ليبرمان من تجاوز نسبة الحسم.
لكن من يتابع المستجدات التي تلت قرار حل الكنيست حتى هذه اللحظة، يمكنه القول بأن هناك إضافات على جبهة الخصم، فيما جبهة اليمين تواجه "تصدعات" متتابعة، منها ما يعلن عنه من طموح لرئيسة قائمة اليمين المتطرف في وراثة نتنياهو، خاصة وهي تعرف أسراره منذ كانت تعمل في مكتبه، وخلال فترة توليها وزارة العدل، بما يمكنها من القبض على تلابيب ملفه القضائي والتهديد به، والإضافات على جبهة المعارضة، تمثلت في مواجهة تكتيك نتنياهو بإعلان ليبرمان خيار تشكيل الحكومة الموسعة دون نتنياهو، كذلك في اتفاقه مع "أزرق_أبيض" على فائض الأصوات، وأخيرا في الموقف التاريخي للعرب بإعلان رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة عن المشاركة في حكومة برئاسة "أزرق _ ابيض".
أي أن جبهة المعارضة تعالج طوال الوقت الثقوب، وترد على تكتيك نتنياهو بحنكة، خاصة وان الجميع قد توافق ومنذ وقت مبكر بالاجتماع على إسقاط نتنياهو، ولم يرفعوا شعارات "يسارية" والجميع يعرف بأن البديل هو قائمة وسط أمني، وليس اليسار، لا العمل ولا ميريتس.
فيما ما زال نتنياهو كما هو حال قادة العالم الثالث، يبني سياسته الانتخابية على الربط بين سقوطه وسقوط اليمين، أي أنه يحشر معسكره في الزاوية، ليقاتل عنه، لذا فهو لا يعتبر المعركة معركته الشخصية بالدرجة الأولى.
مع مرور الوقت، وما لم يحدث حدثٌ ليس بالحسبان، فإن اليمين هذه المرة ونتنياهو بالتحديد لن يشكل الحكومة القادمة، ومع مرور الوقت تبدو فرص بيني غانتس هي الأوفر حظاً، وهذا ما يفسر مواقف الرجل خاصة تجاه أحداث غزة الأخيرة كما لو كان رئيس الحكومة القادم، وبتقديرنا فإن حكومة برئاسة غانتس وتضم ليبرمان، ستواصل إقرار قانون التجنيد، فلا يسجل نتنياهو أنه قد اقر القانون الذي هو ضد جمهور المتدينين في عهده، وعلى الأرجح فإن تلك الحكومة ستفتح كوة في الجدار مع الجانب الفلسطيني، وستواصل سياسة التطبيع مع العرب وحتى متابعة الملف الإيراني بذات الطريقة، وستحرص على استمرار العلاقة الخاصة مع ترامب.