يمكن أن نقول منذ الان بشكل معقول وبثقة اكبر ان الاتفاق مع ايران سيقر في الكونغرس الامريكي، وهكذا سيزاح عن طريقه العائق الاخير في طريق تطبيقه، الناجح الى هذا الحد او ذاك. يمكن أن نقول منذ الان بشكل معقول وبثقة أكبر ان ايران انتصرت على اسرائيل في
جولة الضربات هذه. يمكن أن نقول منذ الان بشكل معقول وبثقة اكبر ان ايران ستطور سلاحا نوويا اذا ارادت ذلك، وهناك احتمال لا بأس به في أن تريد.
في الايام الاخيرة يمكن أن نلاحظ كيف تتدبر الاوراق في صالح ادارة براك اوباما، كيف ينضم اعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب، واحدا واحدا، الى معسكر المؤيدين للاتفاق. ليس بالضرورة بحمية كبيرة، ولكنهم ينضمون. ثمة موضوع الولاء الحزبي، وثمة موضوع انعدام البديل الواضح – ليس واضحا ان قرارا بعدم اقرار الاتفاق سيؤدي الى تحسينه – وثمة موضوع، او في واقع الامر انعدام الاهتمام من جانب الناخبين الامريكيين. ولعل هذا هو في واقع الحال الموضوع المركزي: الناخبون الامريكيون، في ظل الجدال الكبير، بقوا بالاجمال غير مبالين. معظمهم، ومن الصعب الشكوى، فضلوا التركيز على اجازة الصيف. فعلى أي حال، عندما عاد المنتخبون، المشرعون الى ولاياتهم والمحافظات التي يمثلون، لم يصطدموا بحركة جماهيرية تطالبهم بمعارضة الاتفاق. وسواء مؤيدين او معارضين، ليس هذا هاما جدا بالنسبة لمعظم الامريكيين.
هذا هو الدرس المركزي الذي يتعين على اسرائيل أن تأخذه معها الى المحطة التالية في صراعها في سبيل البقاء في هذه المنطقة الصعبة، المتوترة، المتغيرة بسرعة: فامريكا سيسرها ان تساعد طالما لا تتخذ هذه صورة مساعدة تصطدم بالمصالح الامريكية. وبالمناسبة، هذا صحيح ايضا بالنسبة ليهود امريكا. فهم سيسعدهم أن يساعدوا طالما هذه ليست مساعدة تصطدم بصلتهم السياسية الفورية، وبرغبتهم في أن يعيشوا حياة امريكية بلا ازعاج.
وهذا درس هام جدا، لانه منذ بعض الوقت - في واقع الامر، بضعة عقود – واسرائيل مشوشة قليلا بالنسبة للدعم الذي تحصل عليه، او تتوقع الحصول عليه، من أمريكا. الادارتان اللتان سبقتا ادارة براك اوباما كانتا من أفضل الادارات، وربما الافضل، التي تشهدها اسرائيل. كما أن الظروف لعبت في صالح اسرائيل. في عهد بيل كلينتون لمعت امريكا كالنيزك المنفرد في السماء العالمية بعد انتصارها في الحرم الباردة، ولم تكن مطالبة بان تواجه عوائق كبيرة في طريقها. في عهد جورج بوش الابن مدد خط حدود بين الدول التي تقاتل ضد الارهاب وبين تلك التي تدعمه، او غير المكترثة به. وكانت اسرائيل في الطرف الصحيح.
وجاء براك اوباما فأعاد بالاجمال النظام الدائم الى وضعه. امريكا تدعم اسرائيل عندما يكون ممكنا ويكون مريحا، وتصطدم بها عندما لا يكون مريحا. ومثلما اصطدم رونالد ريغان بمناحم بيغن في عهد حرب لبنان الاولى، هكذا يصطدم براك اوباما ببنيامين نتنياهو في عهد اتفاق ايران الاول. واذا كان يخيل – عن حق – بان الصدام اليوم اكثر حدة، اكثر شدة، ممن كان لسنوات طويلة جدا، وربما ابدا، فليس هذا بسبب شخصية أو موقف اوباما ونتنياهو. هذا ليس لان اوباما يحب اسرائيل اقل من رؤساء آخرين (نعم، هو على أي حال يحب اقل من كثيرين آخرين، ولكن ليس كلهم). هذا ليس لان نتنياهو يغيظ اكثر من رؤساء وزراء آخرين. بيغن في حينه وشمير في حينه أغاظا الامريكيين كما ينبغي (ولكن نعم – لنتنياهو توجد جودة خاصة حين يدور الحديث عن قدرته على اغاظة الامريكيين).
الصدام اليوم اكثر حدة لان المواجهة اليوم اكثر اهمية. ريغان غضب على بيغن وشارون في عهد حرب لبنان، ولكن لبنان لم يكن مركزيا على خريطة مصالح ادارته. بوش الاب وبيكر تميزا غضبا من جر شمير الارجل، ولكن النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، مع كل الاحترام، لا يمكنه أن يعتبر مركزيا بالنسبة للادارة التي في عهدها انهار الاتحاد السوفييتي وفي عهدها اجتاح العراق الكويت. المواجهة هامة اكثر لاوباما، وايران هي انجازه المركزي في هذه الولاية. المواجهة اهم لاسرائيل لان ايران هي التهديد المركزي عليها. هذه المواجهة ستخلف ندوبا غير لطيفة، وكذا واقعا غير مريح. يمكن محاولة التعلم منها بضعة دروس ايضا. أولها هو أن امريكا معنا، ولكن قبل كل شيء، كما هو صحيح وجدير ان يكون، مع نفسها.