ما العمل عند الإعلان رسميا عن "صفقة القرن"؟

حجم الخط

بقلم: فيصل أبو خضرا

 

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

بداية، وعلى ضوء التصريحات المتضاربة لمسؤولي البيت الأبيض حول موعد إعلان ما يسمى بصفقه القرن، بعد أن صرح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب انه سيتم الإعلان عن الصفقة أو أجزاء منها قبل الانتخابات الإسرائيلية في السابع عشر من أيلول، ثم تصريح جيسون غرينبلات، مبعوث ترامب الى الشرق الأوسط بأنه تم الاتفاق على عدم نشر الخطة أو أجراء منها قبل الانتخابات الإسرائيلية، وقبل ذلك الكثير من التصريحات المتضاربة والتأجيل المتكرر فإن السؤال الأهم الذي يطرح هنا هو: ما هو الموقف الذي سنطرحه نحن وما الذي سنفعله ردا على أي إعلان رسمي عن هذه الصفقه؟

وبداية نقول للأخ الرئيس محمود عباس إن أبناء شعبنا، بما فيهم أهلنا في قطاع غزة وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا، يثقون بالسياسة التي تتبعونها تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تستعمر وطننا وشعبنا، ويدعمون وقفتكم الشجاعة والقوية والصلبة ضد سياسة الإدارة الأمريكية الظالمة برئاسة ترامب، الداعم لهذا الاحتلال وللصهيونية والجاهل بتاريخ شعبنا ونضاله وصموده وإصراره على انتزاع حريته، والمتشبث بأرضه وأرض أجداده منذ الآف السنين.

كما يثمن شعبنا ويقدر عاليا كل ما فعلتموه في هذه البقعة الصغيرة من الضفة الغربية وغزة تهيئة لإقامة دولتنا المستقلة من بناء للبنية التحتية من طرقات وكهرباء وغيرها، وبناء للمدارس والجامعات والمستشفيات والتي أصبحت بمستوى أفضل المدارس والجامعات والمستشفيات في المنطقة، و إقامة جهاز قضائي ومحاكم بمختلف تصنيفاتها ودرجاتها والمحكمة الدستورية ، وبناء لقوات الأمن الوطني والشرطة لخدمة هذا الوطن والحفاظ على أمن المواطن،هذا عدا عن الوزارات والدوائر الحكومية لخدمة أبناء شعبنا المظلوم من محتل جبان ، سارق غاصب عنصري حقود . كما أسستم وبنيتم سفارات في جميع أنحاء العالم، وقمتم بجهد سياسي ودبلوماسي شاق نصرة لقضيتنا العادلة حتى إعترفت بنا ١٣٨ دولة في العالم ، وحتى انتخبت فلسطين لرئاسة مجموعة الـ٧٧ زائد الصين، وهي المجموعة الدولية الهامة التي باتت تضم ١٣٤دولة أي حوالي ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن الدول المعترفة بفلسطين أكثر من تلك المعترفة بدولة الاحتلال الإسرائيلي.

ولكن مع الأسف نحن نعيش تحت احتلال قذر لا أخلاق عنده، لا تقتصر عنصريته على جيشه وإنما تشمل الحكومة والأحزاب والكنيست التي تسن قوانين ظالمة ضد أبناء شعبنا أصحاب الأرض الأصليين، وبالتالي غالبية المجتمع الإسرائيلي. إضافة لذلك فان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وخاصة هذه الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة نتنياهو تسمح لجيشها الاستعماري بدعم قطعان المستعمرين في ارتكاب جرائمهم ضد المدنيين العزل وحرق واقتلاع وتدمير مزارع أصحاب الأرض، كما إن المحاكم الإسرائيلية تسيست تنفيذا لأوامر تلك الحكومات وصولا الى تطبيق نظامين قضائيين احدهما عنصري بامتياز لتشريع كل ما ترتكبه إسرائيل في الأراضي المحتلة والآخر ايضا عنصري في تعامله مع الفلسطينيين بما في ذلك المحاكم داخل إسرائيل وعلى رأسها المحكمة العليا، وهي المحاكم التي شرعنت سرقة الأموال الفلسطينية بعشرات وربما مئات الملايين من الدولارات من أموال المقاصة.

نعم نحن نعيش كدولة تحت الاحتلال، هذا الاحتلال الذي يصعد عدوانه المتواصل والذي سمح لقطعان المستعمرين ووزراء حكومة نتنياهو وأعضاء الكنيست بتدنيس المسجد الأقصى يومياً والسماح لهم بالصلاة التلمودية في باحاته. وما هذه الاقتحامات ومنع الكثير من المصلين من الوصول للأقصى وإغلاق بواباته أحيانا وإغلاق باب الرحمة، إلا محاولة لتغيير الواقع الراهن وتقسيم هذا المسجد الذي هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولولا الدفاع عنه من قبل المقدسيين الشرفاء بصدور عارية، مدعومين بأهلنا في الداخل الفلسطيني وكل أبناء شعبنا، لفعل المحتل ما يريد منذ وقت طويل ،

فتحّية إعزاز وإكبار وتقدير لأهلنا جميعا في القدس المحتلة ، وهنا نقول إن على سلطتنا الوطنية والعالمين العربي والإسلامي دعم هذا الصمود المقدسي والتحرك المتواصل لإنقاذ الأقصى.

ولكنك يا سيادة الرئيس أبو مازن تعلم كما يعلم أبناء شعبنا أن الاحتلال الإسرائيلي عام ٦٧ لم ينته وأننا لم ننعم بالاستقلال، وفخامتكم تعلمون علم اليقين بأن الحرية لا تعطى وخصوصا مع هؤلاء المستعمرين الجدد الذين أتونا من بلاد الاشكناز من شمال اوروبا ولا علاقة لهم بالعرق السامي، بل العرق الاوروبي الآري.

وصحيح القول إن الانقسام وإنفصال قطاع غزة عن الوطن بعد الانقلاب على الشرعية الفلسطينية وتدخلات من دول إقليمية ومنها إيران لبقاء هذا الانفصال وتعثر جهود المصالحه يشكل عقبة رئيسية أمام مواجهة التحديات الماثلة أمام شعبنا وقضيته، والجميع يعلم بأن قلة من زعماء حماس يقفون ضد إنهاء هذا الانفصال البغيض، و هذا يعني ايضا أن شعبنا خاصة في القطاع بات يعاني ليس فقط من هذا الاحتلال الإسرائيلي بل ايضا من تداعيات الانقسام على قضيتنا الوطنية. ولكن إذا صدقت النوايا والمواقف فان هذا يجب أن لا يمنعنا من مقاومة الاحتلال أينما كان وإحباط كل ما يحاك ضد شعبنا وقضيته. أقول هذا الكلام لان هذا المحتل الاشكنازي لم يحترم أي اتفاقية وقع عليها، وحتى انه لم يحترم ما وقع عليه في الأمم المتحدة كشرط لقبول إسرائيل عضوا فيها ولا يحترم قرارات مجلس الأمن أو الإجماع الدولي في الجمعية العامة. وحتى أهلنا في الداخل الفلسطيني لم يسلموا من سياسة التمييز العنصري في صفد وعكا وحيفا الناصرة ويافا واللد والرملة والنقب.

الأخ الرئيس أبو مازن.. لقد سئم الشعب الفلسطيني هذا الوضع المذل، ونحمد الله ان وراءك شعب ذو عزيمة لم تكسر إرادته ويقف دائما وأبداً داعما لكم ولسياستكم الرشيدة والعاقلة في مواجهة سياسات الاحتلال ومخططاته وفي مواجهة حليفته الكبرى أميركا، بثورة شعبية سلمية، فنحن ليس لدينا سلاح ولكن لدينا حب الوطن وإيمان بعدالة قضيتنا واستعداد للتضحية دفاعا عن وجودنا وهويتنا ومقدساتنا.

هذا الموقف الرسمي والشعبي الصلب يجب ألا يدفعنا الى التخوف من التعامل مع أية مقترحات طالما أن موقفنا يستند الى التمسك بحقوقنا الثابتة والمشروعة وهذا يعني عدم قبول أو رفض كل ما يعرض علينا بدون دراسة جادة.

الأخ الرئيس أبو مازن...

انت رجل برغماتي أثبتّ للعالم أجمع ولشعبنا حرصك على تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يستند الى الشرعية الدولية ويلبي حقوق شعبنا المشروعة، وأنت تعلم تماما أهداف المحتل، الذي طالما زعم أننا نرفض السلام كما زعم أننا لا نفوت أي فرصة لتفويت فرص تحقيق السلام، لذلك وإذا ما طرحت أميركا خطتها بإمكاننا الإعلان إننا سندرس هذه الخطة خلال مدة معينة، ولكن قبل هذا مطلوب من إسرائيل إثبات جديتها في التوصل الى السلام ولهذا نطلب من الولايات المتحدة أن تدعو إسرائيل الى التوقف عن أي عمل استيطاني في الأراضي المحتلة ، ووقف إعتداءاتها على مقدساتنا الإسلامية والمسيحية وخاصة المسجد الأقصى، وان تطلق فورا سراح الأسرى المرضى والأطفال والنساء من معتقلاتها وسجونها وان توقف حجز أموال الشعب الفلسطيني من المقاصة، وهي خطوات ضرورية حتى يمكن الحديث عن البحث عن السلام مع إسرائيل.

ومن ثم وبعد دراسة وافية لما تقترحه أميركا، نقبل ما ينسجم مع حقوقنا المشروعة ومع قرارات الشرعية الدولية، أما ما لا يمكن قبوله كاملاً فبالإمكان التحفظ عليه ودعوة واشنطن لفتح حوار حوله. وما يتعارض مع الشرعية الدولية وحقوقنا الثابتة لا نتردد في رفضه والمطالبة بتغييره.

وبعد ذلك واذا ما توفرت الأرضية الملائمة لمفاوضات السلام فلا مانع من التفاوض بشرط أن يكون حاضرا في هذه المفاوضات ممثلون من الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة إضافة لأمريكا.

كما أن من المهم أن تكون القضايا الجوهرية محور هذه المفاوضات كمصير القدس والمستعمرات واللاجئين والحدود والمياه استنادا الى مرجعية الشرعية الدولية وقراراتها.

ويجب ان يكون واضحا منذ البداية للولايات المتحدة ان القدس بالنسبة لنا خط أحمر، وان من الضروري الاعتراف الواضح بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. واذا كان ترامب قد أشار عند اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل انه لم يحدد حدود القدس وان هذه الحدود خاضعة للتفاوض فان ذلك يجب أن يعني أن من حق الجانب الفلسطيني الإصرار على حقه في القدس الشرقية الذي يعترف فيه العالم أجمع.

وبهذا الموقف الفلسطيني نقول للعالم أجمع بأننا لا نرفض السلام ولم نرفض المقترحات الأميركية وإنما قبلنا بعضها وتحفظنا على البعض الآخر ورفضنا كل ما يتعارض مع الشرعية الدولية وينتقص من حقوقنا، وإننا شعب مسالم قدم أقصى ما يستطيع من أجل تحقيق السلام حسب القرارات الدولية، وكل ما نريده هو حقوقنا الوطنية وهي الحرية والاستقلال والعيش بكرامة في دولتنا المستقلة ذات السيادة مثل باقي شعوب العالم..

واذا ما رفضت الإدارة الأميركية أو الاحتلال تحقيق السلام وفق هذه المباديء عندها ليس لنا إلا الخيار الذي تقره الشرعية الدولية وهو مقاومة المحتل بالطرق التي تتبناها هذه الشرعية الدولية والتي نراها مناسبة لشعبنا الصامد الصابر منذ عشرات السنين.

أخي سيادة الرئيس أبو مازن ... أنتم تعرفون أن حرية الشعوب لا يمكن أن تنتظر قرارات مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، وهي كثيرة فيما يخص قضيتنا، إلا إذا غيرت أمريكا سياستها الظالمة، أما إذا ظلت الإدارة الأميركية على مواقفها الرافضة للشرعية الدولية فعلى هذه الإدارة والاحتلال أن يدركا أن الحرية لا تعطى ولكنها تنتزع ... والله المستعان.