الانتماء لفلسطين وحب الوطن مصدرهما بيت العائلة

حجم الخط

بقلم: فيصل أبو خضرا

 

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

يعيش شعبنا الفلسطيني اليوم وسط دوامة من الاختلافات في المناهج التعليمية ، ويعود السبب سواء الى حالة التشرّد والتشتت بعد نكبة عام 1948 في دول الجوار العربي والدول الأجنبية، وفي الداخل الفلسطيني فرضت إسرائيل مناهجها التعليمية بينما يتعلم أبناؤنا في الضفة الغربية وفق نظام تعليمي وطني معتدل ، وفي غزة ومنذ سيطرة حماس على القطاع، هناك نظام تعليمي مختلف قليلا أكثر نحو الدين بينما في القدس المحتلة هناك صراع واضح بين محاولات إسرائيل فرض منهاجها التعليمي وتمسك الفلسطينيين بمنهاجهم الوطني سواء في المدارس الخاصة أو التابعة لوكالة الغوث أو المدارس الحكومية.

ولكن الجامع المهم أن البيت الفلسطيني يعلم أبنائه منذ الصغر التاريخ الحقيقي للقضية ويغرس فيهم روح الإنتماء لهذا الوطن ولهذه الأمة العربية ويسلط الضوء على ما واجهه شعبنا من نكبات ومؤامرات وعلى تاريخه النضالي وتضحياته وطموحه بالتحرر من هذا الاحتلال البشع والاستقلال.

كل ذلك في مواجهة محاولات بائسة من المحتل لتجهيل الطالب الفلسطيني وجعله ينسى بان له وطن وجذور راسخة في ارض أجداده فلسطين منذ آلاف السنين.

ولا نبالغ القول إزاء ذلك أن وطن هذا الطفل أو الفتى الفلسطيني هو البيت والعائلة

إن ما يشرح القلب ويبعث الأمل أن العائلات الفلسطينية التي تعيش في الشتات مثل أمريكا الشمالية التي تعيش فيها جالية يهودية كبيرة مما جعلها تسيطر على السياسة الخارجية الأميركية وتدعم إسرائيل بشكل غير محدود سياسيا وتسليحا وتمويلا وكذلك في أميركا الجنوبية مثل فنزويلا ، والمكسيك ، وخصوصا تشيلي والتي توجد فيها جالية فلسطينية كبيرة، وطبعا في البرازيل والأرجنتين ، فان هذه العائلات الفلسطينية التي هُجِّرت قسرا من فلسطين الى تلك البلدان تعلم أطفالهم تاريخ فلسطين وكيف احتلتها العصابات الصهيونية أتتنا من خارج فلسطين وارتكبت مجازر يندى لها جبين الانسانية وان شعبنا يناضل من أجل التحرر والعودة.

البيت الفلسطيني يقف بالمرصاد للمحتل الإسرائيلي، سواء في الوطن أو الشتات، ومثال ذلك السيدة رشيدة طليب، الفلسطينية الأولى في التاريخ التي استطاعت أن تكون عضوة في مجلس النواب الأمريكي، والذي يتحكم به اللوبي اليهودي الصهيوني في العاصمة الأمريكية واشنطن، والجميع يذكر أنها عند حلف اليمين كانت ترتدي الزي التراثي الفلسطيني، وعبرت عن مواقف داعمة للحق الفلسطيني وعن فخرها باصولها الفلسطينية، وهي مثال للغالبية الساحقة من الفلسطينيين الذين هجِّروا وأقاموا في الغربة ولكن البيت بقي فلسطينياً بامتياز.

أن المناهج التعليمية التي فرضتها إسرائيل في الداخل الفلسطيني منذ ١٩٤٨ وتحاول اليوم فرضها على أطفال وطلاب القدس، وهي مناهج تزيف التاريخ وتحمل الرواية الصهيونية المضللة لم تستطع النيل من وعي الفلسطينيين المتمسكين بأرضهم وحقوقهم مهما حاول الاحتلال قلب الحقائق، بل إن الفلسطينيين يقاومون هذه المناهج ، وكل هذا له دلالات وطنية، وان الذي يرسخ قيم الإنتماء والوطن والحق لدى طلابنا في النهاية البيت والمعلم فلسطيني الانتماء وتعليم الأب والأم لأبنائهما حول حقيقية أننا تحت احتلال عنصري بغيض يتفنن في قلب الحقائق التاريخية وتضليل العالم .

وما يلفت النظر انه في برامج تلفزيونية مختلفة أرادت إثبات حقيقة انتماء الأطفال الفلسطينيين لوطنهم، عندما نزل مندوبوها وسألوا الأطفال والفتية الفلسطينيين، وحاولوا إغرائهم برحلة أو جوائز ومحاولة القول إن القدس عاصمة إسرائيل ، لمعرفة ردود فعل الأطفال والفتية وحتى الكبار، فكانت أجوبتهم جميعا ومن جميع الأعمار بالرفض الحازم لذلك وتأكيد أن القدس هي عاصمة فلسطين وحتى عدم الاعتراف بإسرائيل ، وبالإجماع،

وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن البيت بالأساس ومن ثم المدرسة هما مصدر الوطن الحقيقية.

كما أن الفلسطينيين الذين يعيشون اللجوء خارج الوطن الفلسطيني في الدول العربية نراهم و من مختلف الأعمار يتمسكون بانتمائهم وحقوق شعبنا وحقهم في العودة ولم ينسوا التاريخ وان السبب المباشر لعيشهم خارج فلسطين هو الاحتلال، ولذلك نرى الجميع ما زالوا متعلقين بوطنهم فلسطين. كما أن أكثر المغتربين لهم عقارات في مدنهم وقراهم في فلسطين التاريخية، وفِي عطلهم السنوية نراهم يعودون الى أمكنة مسقط رأسهم وأرض آبائهم وأجدادهم فلسطين، ويعود الفضل في ذلك الى التربية البيتية أولا. لذلك مهما حاول الاستعمار طمس الحقيقة وعمل المستحيل لجعل الفلسطيني ينسى وطنه الأصلي فلسطين فانه سيمنى بفشل ذريع.

أما المعجزة الحقيقة التي يجب ذكرها بكل الاحترام والتقدير هي عائلات عمالقة الصبر الذين استشهدوا دفاعا لأجل حرية واستقلال الوطن، وعائلات الأسرى الذين يقبعون في معتقلات الاحتلال ، وخصوصا ذوي الأحكام العالية التي قد تصل الى المؤبد أو عدة مؤبدات، هذه العائلات ابتداءاً من الأم والأب أو الزوجة، وأولادهم وأحفادهم ، نراهم صامدين صابرين بكل عزم وثبات وكرامة وإرادة التي لا تلين في سبيل حرية الوطن وشرف الأمة .

هذا هي طبيعة البيت الفلسطيني والعائلة الفلسطينية التي هي في الحقيقة مصدر الإنتماء.

وأخيرا نقول لكل أبنائنا وبناتنا في هذه الجيل والأجيال القادمة ما قاله شاعرنا المرحوم معين بسيسو

"كونوا ما شئتم يا ولدي ..

كونوا ذهباً...

كونوا خشباً ونحاساً...

كونوا فضةً...

كونوا ما شئتم أعلاماً مختلفة...

في سارية الوطن...

ولكن كونوا...

قبل السارية وقبل العلم فلسطينيين

كونوا يا ولدي رغم الألوان فلسطينيين.."

وليعلم هذا الاحتلال وحليفته الإدارة الأميركية هذا البيت الفلسطيني عصيّ على التلاشي والاختفاء وعصيّ على الكسر وسيبقى حاضنة ومصدر ترسيخ الانتماء لهذا الوطن ولهذا الشعب العظيم.