عن خيارات إسرائيل و«حزب الله»..!!

أكرم عطا الله.jpg
حجم الخط

أكرم عطا الله

كعادتها، لن تهدأ إسرائيل قبل أن تحرق المنطقة. وفي ظل غياب عربات الإطفاء التي أعطبها الرئيس الأميركي، فإن خطر الحرائق لن يتوقف. فقط، الأسبوع الماضي، كادت المنطقة تنزلق لحرب جديدة بين إسرائيل و»حزب الله»؛ حين غامر نتنياهو بإرسال طائرتين مسيّرتين ضربتا في الضاحية الجنوبية لبيروت - معقل الحزب، لتقول المصادر الإسرائيلية: إنها استهدفت جهاز تصنيع الصواريخ الدقيقة.. ولولا حسابات «حزب الله» الهادئة بطبيعة الرد، لكنّا الآن نعد الجثث على طرفي الحدود.
رسالة جديدة أرسلها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إلى نظيره اللبناني جبران باسيل، تتضمن تعليمات بتفكيك مصنع آخر لتصنيع الصواريخ، وإلا فإن إسرائيل ستتكفل بالأمر وستتحرك بدعم أميركي كامل. وجاءت زيارة نتنياهو كوزير للدفاع الإسرائيلي إلى بريطانيا في هذا الإطار، حيث اصطحب معه قائد سلاح الجو الإسرائيلي «عاميكام نوركين؛ «لإطلاع وزيري دفاع بريطانيا والولايات المتحدة على خطة إسرائيل للعمل تجاه لبنان. وفي نفس السياق نشرت إسرائيل منظومة الدفاع الجوي من طراز باتريوت في الشمال قبيل الزيارة؛ لزيادة الضغط على واشنطن ولندن اللتين تقفان إلى جانب إسرائيل.
يبدو أن رد «حزب الله» المتواضع والمحسوب، الذي استثمره نتنياهو جيداً أمام خصومه في ذروة الدعاية الانتخابية، فتح شهيته للاندفاع أكثر، معتقداً أن حسابات الحزب وإيران لا تسمح بحرب. فالوضع اللبناني الداخلي سياسياً يشهد اختلافاً وتعارضاً كبيراً حول الحرب، وكذلك اقتصادياً  الوضع لا يحتمل، وكذلك وضع إيران الاقتصادي والإقليمي ليس بعيداً عن ذلك... هذا ربما يراه نتنياهو فرصة ذهبية، وبوجود إدارة أميركية تعمل وفقاً للمزاج الإسرائيلي والتخطيط الإسرائيلي للنيل من إيران، وهذا جزء من رحلته الخارجية لتقويض أيّ محادثات مع طهران، بل لاستمرار الضغط عليها.
«حزب الله» الذي يشكل أزمة حقيقة لإسرائيل، هو الآن أقوى من العام 2006، وتلقى تدريبات هائلة في سورية وأسلحة أكثر تطوراً، لكن حسابات الساحة اللبنانية مختلفة تماماً، وكذلك البيئة الإقليمية، فعندما انتهت حرب 2006، والتي فاجأ فيها «حزب الله» إسرائيل والعالم والشعوب العربية التي أعاد لها نوعاً من الكبرياء، ذهب أمين عام الجامعة العربية عمر موسى إلى بيروت ليستقبله الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله، أما الآن فقد تعرّض الحزب لاعتداء في عقر داره وخرقت إسرائيل القرار 1707، وعندما رد الحزب كان وريث عمر موسى أمين عام الجامعة، أحمد أبو الغيط، يوجه انتقاده للحزب، فقد تغيّر الزمن وتغيّر العرب.
إسرائيل تضع الحزب أمام خيارات: إما أن يتم الاعتداء عليه ويسكت كما المعادلة التي رسختها مع إيران في سورية؛ وذلك درءاً للحرب.. وإما أن يرد وتكون الحرب مدعومة من الولايات المتحدة، وليست الحرب ما يحسب الحزب حساباتها، فقدرته على تحدي إسرائيل عالية، ولكن موقف الحزب في الداخل شديد التعقيد؛ لأن هناك تداعيات الاصطفاف الإقليمي، بالتحديد تجاه الحرب في سورية والفرز الطائفي الذي لعبت إسرائيل دوراً كبيراً في تسعيره لتضع في لحظة فقدان التوازن العربي «حزب الله» في مصاف الأعداء، إلى الدرجة التي أفتى فيها أحد الشيوخ ذات مرة بأنه أخطر من إسرائيل، ولانهيار منظومة المعايير العربية حديث آخر.
إذاً نتنياهو بعد الضرب والرد الخفيف من الحزب بات أكثر جرأة في الذهاب أبعد، فبعد إرسال الطائرتين إلى الضاحية وتهديد السيد حسن نصر الله، كانت إسرائيل تنشغل بقياس الرد، لأن مصداقية الرجل عالية ولا يلقي كلاماً بلا معنى كما الكثير من السياسيين العرب، فهو يعني ما يقول، لذا انشغلت الدوائر بالتحليل، وانشغل الجيش بأخذ الاحتياطات منتظراً كيف وأين ومتى سيرد الحزب؟ ولو لم يستعجل بالرد لكان وضعه أفضل؛ لأن قصف السيارة العسكرية فارغة شجع نتنياهو أكثر.
هل يستطيع نتنياهو أن يفتح حرباً مع «حزب الله»؟ وهل يستطيع أن يضرب ثانية بعد كل هذا الضجيج من حدود لبنان الجنوبية وتجهيزات التصدي والهجوم وصولاً للندن؟ أغلب الظن أن هذا يصعب تصوره لعدة أسباب: أولها الاعتداء الإسرائيلي مرة ثانية يعطي رخصة لـ»حزب الله» أمام خصومه في الداخل لرد أكثر قسوة وعنفاً ويحرره من ضغوطات الحسابات، والثاني أن الانتخابات الإسرائيلية على الأبواب بعد ثمانية أيام، وإنْ اندلعت الحرب فهذا يعني أن إسرائيل لن تتمكن من إجرائها؛ لأن صواريخ الحزب ستطال كل البلدات، وإنْ تم ذلك ستكون سابقة للمرة الأولى بأن هناك من يمنع إسرائيل من إجراء الانتخابات، وتلك ربما تشبه رغبة نتنياهو بالتهدئة مع حركة «حماس» لتمرير الانتخابات.
إذاً نتنياهو يلوح بالقوة بديلاً عن استخدام القوة. وقد يختلف الأمر بعد الانتخابات، ولكن الاستعراض العسكري والتلويح بالحرب هدفه الضغط، وهذا ما يمكن قراءته من رسالة مايك بومبيو لباسيل. ولكن لبنان لا يستطيع تفكيك مصنع الصواريخ، و»حزب الله» لن يفعل ذلك سواء بإرادته أو بالضغط، وحينها سيصبح وضع نتنياهو شبيهاً بوضع «حزب الله» الحالي. إما أن يذهب للحرب ويتحمل النتائج، فحزب الله ليس قوة هامشية فقد جُرب سابقاً، وإما أن يبتلع مصنع الصواريخ ويصمت. وفي كلا الخيارين ثمن سيدفعه نتنياهو سواء الحرب أو الصمت، فماذا سيختار، خاصة أن الضغط الذي يمارسه ضد لـ»حزب الله» كأنه لم يكن؟ فماذا سيكون حينها والحزب لن يرد بعملية ناعمة كما المرة الأولى؛ لأنه إنْ فعلها سيعطي لإسرائيل بطاقة خضراء للعمل ضده، لكسر القرار الدولي وتوازن الردع الذي يفتخر الحزب بتحقيقه...!