"من غرفة الأرشيف"

حجم الخط

بقلم: د. دلال عريقات

 

الجامعة العربية الأمريكية

سآخذكم الْيَوْم في جولة لمعرض مميز، حيث ستجدون وتستمعون لروايات كل من نعرف في فرقة الفنون ومركز الفن الشعبي وكل ما نراه على المسرح، كل من يدرب أبناءنا منذ أعوام، تاريخ الفرقة، تشكيلها، أول المنتسبين وآليات الالتحاق ابتداءً من الطلبات الورقية العشوائية إلى تقنيات التكنولوجيا الحديثة.

مقال اليوم ليس مُجرد كلام نثر من وحي الخيال، كل هذا وأكثر تجدونه في معرض تحت اسم "في غرفة الأرشيف" المستوحى من مشروع الأرشيف الخاص بفرقة الفنون الذي تحتضنه مؤسسة القطان في رام الله هذا الشهر. ستشاهدون أعمال وزوايا عديدة ومُشوقة، أصوات من كان لهم دور الريادة في إحياء التراث الفلسطيني والتحليق بالدبكة الفلسطينية من قلب فلسطين إلى مسارح العالم.

من بين الأعمال المُبدعة في المعرض، أعجبني جداً عمل للفنان مهدي البراغيثي الذي اختزل كل الوجوه وروايات الفرقة وقصص نجاحاتها في هرم ورقي ضخم جمع كل ما/من نحب في مركز الفن الشعبي وفرقة الفنون. وجوه ليست مجرد وجوه، عمل فني جمع كل الأسماء والحركات والأثواب والعقالات والدروع والمسارح والشاشات والدبيكة من كل الفئات. والأهم، وأنت تتجول في المعرض تتكاثر الابتسامات من حولك وتنتشر الدبكة والأغاني الشعبية والأمثال وكل ما هو جميل ويحاكي مشاعر كل فلسطيني يفتخر بالأغاني بالأناشيد بالقصص والروايات الشعبية التي تختزل روح الثقافة والهوية الفلسطينية.

عند زيارتي للمعرض، رأيت العديد من الوفود الأجنبية ولكن قِلة من المواطنين، وهذه حقيقة مؤلمة فنحن بحاجة لرفع الوعي بأهمية الثقافة والمعارض المختلفة التي تعزز الإبداع وتزود الأجيال المختلفة بخيوط للخيال والإبتكار للتعبير بأدوات مختلفة مبتكرة والخروج من الصندوق إلى عالم الإبداع من خلال الصورة والعمل الفني والكلمة والرقص وكافة أشكال الأداء.

ليس هدف المقال الْيَوْم وصف المعرض، برغم محاكاته للمشاعر والعقول، أنني ومن وحي هذا المعرض أردت أن أسلط الضوء على أهمية الأرشيف. للأسف، نحن لا نُعنى بالأرشيف كما يجب وأكبر مثال أننا حتى في تدرجات السلم الوظيفي في الإدارة العامة الفلسطينية نجد الأرشيف في قاع القائمة، فالثقافة والوعي العام الخاص بالأرشفة لا يندرج تحت أولوياتنا لا شعبياً ولا رسمياً.

هنا ضروري الحديث عن عدة مشاريع مُبعثرة لجمع الأرشيف هنا وهناك، فالجامعة العربية الأمريكية وجامعة بيرزيت وجامعة القدس والمتحف الفلسطيني ومؤسسة ياسر عرفات ومؤسسة خليل الوزير وبلدية نابلس وجمعيات ثقافية وملتقيات فكرية وفنية عديدة تحاول العمل على مشروع الأرشيف وهنا لا بد من الحديث عن أهمية تفعيل مشروع قانون الأرشيف الفلسطيني الذي ينتظر القراءات والمصادقات النهائية، وبهذه المناسبة لا ننسى مشروع المكتبة الوطنية القائمة حجراً والرائعة فِكراً ولا بد من تفعيل عملها لحفظ الهوية الوطنية والموروث الثقافي الفلسطيني وحمايته. إنّ حفظ الموروث الفلسطيني والرواية الفلسطينية المُستلهمة من الهوية والتاريخ وعناصر مختلفة تحفظ الرواية والوجود والأبدية الفلسطينية على هذه الأرض.

أدعو من يستطع لزيارة هذا المعرض للقيم الرائع يزيد عناني، زيارة هذا المعرض لها بهجة خاصة، فأنت تتعلم وتتعرف ولكن بنفس الوقت ترى كل من تحب وقلبك ينبض لمشاهدة المزيد..أتمنى من مقال الْيَوْم أن يشجع المهتمين والمسؤولين للعناية بموضوع الأرشيف وقوننته ومأسسته لما لها من خدمة لقضيتنا وحفظ الهوية الوطنية الفلسطينية.