قطار نتنياهو إلى محطته الأخيرة

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

طلال عوكل

بميزان من ذهب، يتحرك بنيامين نتنياهو، للحصول على روافع وأوراق يمكن أن تساعده على تخطي عقبة التنافس الانتخابي الشديد، التي تهدد مستقبله السياسي. كالمجنون يبحث في كل اتجاه، ويقلب كل حجر، وبحذر شديد، حتى لا يقع في شرور أفعاله، أو أن تفلت من يده خيوط مسرح الدمى الذي يتحكم فيه. الأوضاع غير طبيعية أبداً في إسرائيل، ذلك أن التنافس بين الكتلتين الكبيرتين، «الليكود»، و»أزرق ـ أبيض»، يشير فقط إلى أن جزءاً كبيراً من المجتمع الإسرائيلي لم يعد يثق في صاحب أطول فترة كرئيس وزراء. ثمة تجربة طويلة يستند إليها «الليكود» وزعيمه المتوّج، الذي لم يصمد أمامه أي مرشح آخر لا في «الليكود» ولا في الأحزاب الأخرى، بينما تجربة بني غانتس وجنرالات «أزرق ـ أبيض»، لا يملكون سوى سجل أمني فقط، وفيه الكثير مما يمكن قوله.
إنجازات كبيرة حققها نتنياهو منذ أول مرة صعد فيها إلى موقع رئاسة الوزراء العام 1996، ولكن ربما ما يعتبره البعض إنجازات للفكر والسياسة والحركة الصهيونية، هو في الوقت ذاته مقتل إسرائيل.
لا يمكن المرور مرور الكرام، على مسألة تشكيل كتلة أو حزب جديد لا يزيد عمره على ستة أشهر، ويستطيع خوض منافسة على قدم وساق مع حزب تاريخي كبير مثل «الليكود»، الذي يسجل له، أيضاً، إزاحته لحزب «العمل» صاحب اليد الطويلة في تأسيس وإدارة الدولة لعقود طويلة.
لا نتحدث عن تنافس بين يسار أو وسط ويمين، أو يمين ويمين متطرف، ولا نتحدث عن اختلاف نوعي أو حتى نسبي في البرامج والتوجهات، فالحديث يدور عن تنافس وانقسام كبير في معسكر اليمين الإسرائيلي لا يميز طرفه عن الآخر، سوى، قضايا محدودة ليست ذات قيمة.
وبينما لا يتوقف نتنياهو عن الحركة بحثاً عن إنجازات ومغامرات، تقنع الناخب الإسرائيلي، بضرورة منحه الأفضلية في التصويت فإن منافسه غانتس، و»أزرق ـ أبيض»، لا يتمتع بذات القدرة على التحرك. يلعب نتنياهو بأوراق الدولة، ومقدراتها بينما لا يتاح للآخرين سوى ملاحقة هفواته، وتوجيه النقد له، والحال أن التعادل في المقاعد المتوقعة، ثابت حيث يحصل كل من الطرفين على اثنين أو ثلاثة وثلاثين مقعداً.
ثمة عقدة أخرى كبيرة وكأداء أمام إمكانية فوز نتنياهو فإن فاز على غانتس وتحالفه في عدد المقاعد، فإنه سيقع في الشرك ذاته الذي وقع فيه في الانتخابات السابقة. يتحسن الوضع الانتخابي، لأفيغدور ليبرمان، الذي يتمسك بمواقفه التي أدت إلى تبكير الانتخابات في المرة الأولى، والعودة للانتخابات في المرة الثانية، بعد أن فشل نتنياهو في تشكيل تحالف يميني من دون ليبرمان. في الواقع فإن إسرائيل قد تكون دخلت في أزمة كبيرة فلا اليمين قادر على تشكيل حكومة ولا اليمين بطبيعته الجديدة قادر على ذلك، فيما تبدو قضية تشكيل حكومة وحدة وطنية صعبة إلى حد كبير.
هذا المشهد، لا يعني بالضرورة أن الفرص المتاحة لهذا الطرف أو ذاك تنطوي على مصلحة، فكلا الطرفين المتنافسين يلتزم بذات السياسات والتوجهات والأهداف، وبالرغم من ذلك فإن لكل من طرفي الانقسام مراهناته على طرف، انطلاقاً من رؤية خاصة لكل منهما، تستند إلى تجربة سابقة، وحسابات باتت معروفة.
الإدارة الأميركية، التي قدمت العديد من المكافآت قبل الانتخابات السابقة، وقدمت دعماً مكشوفاً، لنتنياهو، هو أقرب إلى التدخل المباشر في الانتخابات، لم يعد لديها الكثير لكي تقدمه لحليفها هذه المرة. فقط عدد من الزوار المعتوهين، الذين وصلوا إلى إسرائيل، وافتتحوا فيها قنصليات في القدس من باب مسايرة الموقف الأميركي، ومن باب الدعم لنتنياهو.
غير أن الأهم هو أن الإدارة الأميركية، استجابت لنداء الاستغاثة الذي أطلقه نتنياهو، وطالبها بمنحه الضوء الأخضر لإعلان السيادة على أجزاء من الضفة الغربية. إدارة ترامب فعلت ما أراد نتنياهو ولكن من خلال تصريحات عامة، وكأنها وعد بدعم أي قرار يمكن أن يتخذه إزاء مضمون الاستغاثة.
الضفة الغربية أرض غير محتلة، ولا وجود لاسم فلسطين على خارطة الخارجية الأميركية للشرق الأوسط، ومن حق إسرائيل أن تقوم بضم المستوطنات التي تعتبرها الولايات المتحدة شرعية بحكم الأمر الواقع، والامتناع عن إعلان «صفقة القرن»، حتى لا يكون فيها ما يغضب إسرائيل، كل هذه مكافآت جديدة تقدمها الإدارة الأميركية ولكن كيف يتصرف نتنياهو.
نتنياهو لا يستطيع أن يذهب الى أي خطوة أو قرار إلى نهاياته خوفاً من ردود الفعل، التي قد تقلب السحر على الساحر.
يفضل نتنياهو أن يكتفي بتقديم وعد بتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات في الضفة، وبأنه لن يسمح بمغادرة أي مستوطن فيها، ذلك لأنه يعرف أن اتخاذ قرار فعلي سيقلب الأوضاع في الضفة على رأسه، ثم يكتفي باقتحام الحرم الإبراهيمي، ومن هناك يطلق الوعود بأن المستوطنين لن يغادروا الخليل، بما أنهم استعادوا حقاً تاريخياً، ولكن لا يجرؤ على أن يفعل ذلك في القدس لأن الأوضاع ستنقلب على رأسه إن فعل ذلك هناك.
يرتكب العدوان تلو الآخر في العراق، وفي سورية يمارس العدوان من دون توقف، ثم يحرك بحركة مسرحية الوضع في لبنان، وهو يعرف أنه لا مجال، لتوسيع دائرة الاشتباك، والوصول إلى حرب.
والحال ذاته إزاء التعامل مع غزة، وفق معادلة مضبوطة من قبل الطرفين تقوم على مبدأ فوق الصفر وتحت التوريط، إذ لا يمكن تحقيق الهدوء، ولكن التصعيد لا يصل إلى مستوى عدوان واسع. الانتخابات باتت على الأبواب، ولم يعد لنتنياهو ما يفعله في ضوء عامل الوقت، ذلك أنه يخشى من أن يذهب في أي خطوة إلى مداها الأخير، فيخسر الرهان بجدارة، وقبل أن تجري الانتخابات.