الانتخابات الإسرائيلية وإطلاق المبادرة الأميركية.. المواجهة الأخيرة

حجم الخط

بقلم مروان كنفاني

 

أيام معدودة تفصلنا عن الحدثين اللذين قد تغيران الوضع السياسي والأمني الذي ساد في العقد الأخير في منطقة الشرق الأوسط، وبالذات في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. حيث يطلق الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية العنان للبدء في تنفيذ المبادرة الأميركية لمحاولة التوصل إلى سلام منشود بين هذين العدوين اللدودين.

من الضروري أن نشير هنا إلى ملاحظتين أساسيتين تتعلقان بالحدثين ذاتَيْ التأثير المباشر على الجهود الأميركية وردود الفعل الإسرائيلية والفلسطينية في المسيرة الوعرة لتحقيق السلام المنشود.

تتعلق الملاحظة الأولى بأن المبادرة ليست مشروعا أميركيا رسميا مرتبطا بقرارات وموافقات مجالس تشريعية أو تنفيذية أو هيئات حكومية مثل وزارة الخارجية أو الدفاع، بل هي مُقترح رئاسيّ أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويستطيع، منفردا، إلغاءه أو تأجيله أو تعديله كما يشاء ويرى.

كما أن هذا الجهد الرئاسي لا يلزم أي رئيس أميركي منتخب آخر في حال فشل الرئيس ترامب في النجاح لفترة رئاسية ثانية في العام المقبل، أو تدهور الأوضاع في إحدى الأزمات الأخرى، مثل الأزمة الأميركية الإيرانية، أو أن يصرّ الجانب الفلسطيني على رفض التعامل مع المبادرة ومناقشة شروطها التي يتوقع الفلسطينيون أن تكون الأسوأ على أحسن حال.

تتعلق الملاحظة الثانية بالتردد والتأجيل بشكل مريب في إعلان بنود المبادرة الأميركية، وتقديم الجزء المالي والاقتصادي في اجتماع المنامة، والصمت المطبق من جميع الأطراف، ما عدا الطرف الفلسطيني في التعليق على بعض البنود التي تم تسريبها بالقبول أو الرفض.

يبدو اليوم السبب واضحا ويتلخص في محاولة تجنب أن تصبح بنود المبادرة الأميركية مجال خلافات ومزايدات ومواقف في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، قد تضر أو تنفع المتزاحمين على تبوؤ منصب رئيس الوزراء في إسرائيل، وتلبية فيما يبدو لطلب المرشح بنيامين نتنياهو بالذات.

يختلف تماما إعلان بنود واقتراحات المبادرة ونتنياهو رئيس للوزراء، عن كونه مجرد مرشّح للمنصب، ويتحتم عليه أن يبدي الرأي في بعض البنود التي يختلف عليها جمع الناخبين. هل هناك اختلاف بين الأحزاب الإسرائيلية حول بنود المبادرة؟

يعتقد العديد من المراقبين أن فشل نتنياهو في الفوز بمنصب رئيس الوزراء سوف يعكس الشكوك في إمكانية نجاح المبادرة الأميركية.

الموقف الإسرائيلي تجاه المبادرة بعد إعلانها، سواء نجح نتنياهو أو أحد منافسيه، لن يفرض تغييرا أو تعديلا عليها. فقد أعطت تلك المبادرة الحد الأعلى لما تريده إسرائيل.

لكن هناك لغطا في فريق نتنياهو يتعلق بعدم الموافقة على بعض بنود المبادرة فيما يتعلق بالذات بربط الأراضي الفلسطينية أو ما تبقى منها، بأراضي قطاع غزة بشكل يضمن سهولة التنقل، وبالتالي تدعم السيطرة للسلطة الوطنية في ذلك القطاع.

هذا إلى جانب اعتراض فريق نتنياهو على الانسحاب من بعض المستوطنات غير القانونية المتواجدة في الضفة الغربية. لكن من الثابت أنه لن تتم إضافة مكاسب جديدة لإسرائيل.

ومن المتوقع أيضا أن لا يكون هناك تباين في الموقف الإسرائيلي بين مرشح وآخر نتيجة للهيمنة الأميركية الكاملة على إعداد وتنفيذ مبادرة الرئيس ترامب.

المشكلة، كما كانت دائما، تكمن في الموقف الفلسطيني. هل لدى الفلسطينيين الحد الأدنى من القناعة بأن هناك فرصة يمكن الاستفادة منها من تلك المبادرة؟

الإجابة واضحة لا تحتاج إلى دليل، وقد عبّر عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوضوح لا يحتاج إلى تفسير. لكن التساؤل التالي هو كيف سيتفادى الفلسطينيون النتائج المدمّرة لرفضهم المبادرة، وهذه النتائج التي ستحقق للإسرائيليين التمتع بكل المزايا التي منحتها لهم مبادرة الرئيس ترامب دون أن يدفعوا بالمقابل أي ثمن لها؟

أمام القيادة الفلسطينية خياران لا ثالث لهما. إما الاستمرار في المقاطعة والتقوقع تجاه الخطوة الأميركية العدائية ليس للسلطة الوطنية الفلسطينية فحسب بل وللشعب الفلسطيني والأمة العربية والقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة والاتفاقات التي تمت بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، أو أن تعمل مع أصدقائها من الدول لتشكيل رأي عام دولي وموقف معلن يتبنى دعم مفاوضات فلسطينية إسرائيلية بإشراف الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام مقبول من الطرفين. سلام يقوم على أسس حل الدولتين واتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي لعام 1993 والمبادرة العربية لعام 2002. وسوف تدعم معظم دول العالم هذا الموقف.

لقد تعمّد نتنياهو مقابلة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الدولة الأقرب للولايات المتحدة والأكثر مسؤولية عن التطورات التي أوصلت الوضع الفلسطيني إلى ما هو عليه الآن، في لندن الأسبوع الماضي، في أسوأ الأحوال والضعف اللذين يعاني منهما جونسون في موضوع الانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي.

لم يتأخر رئيس وزراء بريطانيا في الإعلان عن أن هدف بريطانيا “كان ولا يزال هو حل الدولتين”، وأنها “تنتظر مقترح واشنطن للتوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني يعالج مخاوف الطرفين”. فإذا كانت بريطانيا تدعم هذه الأسس لسلام فلسطيني إسرائيلي فإن غالبية دول العالم لا تمانع في إبداء رأيها في هذا الموضوع.

لا يمكن للفلسطينيين وقياداتهم قبول المبادرة وفق ما تناثر عنها من معلومات. ولا يمكن للدول العربية والإسلامية والصديقة أن تقبل تلك المبادرة أيضا، ولن يتطوع أي من تلك الدول لإقناع الفلسطينيين بقبولها.

لكن على الفلسطينيين أن يشاركوا بل ويقودوا تشكيل رأي عام دولي حول أفكار فلسطينية مقبولة دوليا، رأي عام يدعم موقف التصدي للخطوة الأميركية الخطيرة والعدائية للشعب الفلسطيني.

كان من المفروض أن تعبّر القيادات الفلسطينية علنا عن شكرها وتأييدها لما قاله رئيس الوزراء البريطاني، وتدعو دول العالم إلى التعبير عن دعمها للتوصل إلى سلام على أساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية واتفاقات السلام والمبادرة العربية.

الفلسطينيون لا يستطيعون وحدهم وقف الخطر الداهم القادم من الولايات المتحدة. ويتحتم عليهم أن يحثّوا دول العالم على الوقوف إلى جانبهم في كفاحهم من أجل التوصل إلى اتفاق سلام عادل، ويشارك العالم الشعب الفلسطيني في رفض الحلول المنحازة والجائرة على حقوق الفلسطينيين وحريتهم ومستقبلهم.

يتطلب هذا الجهد من الفلسطينيين المبادرة والعمل والمشاركة الإيجابية، وليس المقاطعة والابتعاد. وقد يترك الإصرار على التفرد ومجرد الرفض الفلسطينيين في النهاية بمفردهم.