أسبوع من نار

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

رجب أبو سرية

بعد نحو شهرين، عاد الوفد الأمني المصري لزيارة قطاع غزة، في مهمة يبدو جليا وواضحا بأن لها علاقة بمتابعة ملف تفاهمات التهدئة بين حماس وإسرائيل، ولا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بملف المصالحة، فقد بات واضحاً أيضا بأن متابعة ملف المصالحة إنما تتم في القاهرة، فيما متابعة ملف التهدئة مع إسرائيل، يكون غالباً في غزة، المهم أن المهمة المحددة كانت تتمثل في عرض إسرائيلي لحماس والجهاد الإسلامي، بتجنب التصعيد إلى حين إجراء الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري الأسبوع القادم، حيث وفق القناة العبرية الثانية، قابلت الحركتان الفلسطينيتان المقترح الإسرائيلي بالرفض.
المشكلة في الجانب الإسرائيلي تكمن في كون متخذ القرار، أي رئيس الحكومة الإسرائيلية، إنما هو مرشح انتخابي، يواجه صعوبة بالغة في حسم الانتخابات لصالحه هذه المرة، لذا فإنه لا يمكن تجنب القول بأن كل ما يتخذه من قرارات خلال الفترة الأخيرة وحتى يوم الانتخابات، له علاقة بحظوظه الانتخابية، وهو الذي بنى سياسته تجاه غزة، على أساس عدم الحسم التام، الذي يؤدي إلى تغيير في «نظام حكم حماس»، بما في ذلك تجنب حرب طاحنة يكون من ضمنها سقوط قتلى إسرائيليين، وهذا الأمر أيضا ظهر في أكثر من جبهة، فهو في الوقت الذي يريد فيه إظهار قدرة إسرائيل على الردع الأمني، يريد أن يقنع الناخب الإسرائيلي بتحقيق الأمن له.
ويبدو بأن الليكود ورئيسه اللذين ما زالا يتعاملان بهدوء مع العملية الانتخابية، يبنيان استراتجيتهما تجاهها على أساس عدم قدرة البديل على تشكيل الحكومة في حال عجزا هما عن تشكيلها، ذلك أنه في حال جاءت نتائج الانتخابات قريبة_كما هو متوقع_ من نتائج الانتخابات السابقة، أي عدم قدرة اليمين على تشكيل الحكومة دون افيغدور ليبرمان، الذي يرفض المشاركة في حكومة مع الأحزاب الدينية/الحريدية، فإن الطرف الآخر، أي حزب أزرق_أبيض واليسار سيكون عاجزا حتى مع ليبرمان عن تشكيل الحكومة، ذلك أن ليبرمان الذي يرفض المشاركة في حكومة تضم الحريديم، لن يكون بمقدوره أيضا، أن يشارك في حكومة تضم العرب.
أي أن خيار تشكيل حكومة ضيقة من كلا المعسكرين يبدو أمرا شبه مستحيل، وليس هنالك من حل سوى ما يقول به ليبرمان، وهو تشكيل حكومة موسعة تضم الحزبين الكبيرين وحزبه بالدرجة الأولى، وحينها لن تكون هناك ضرورة لإشراك الأحزاب الصغيرة على كلا الجانبين.
لكن وكما هو معروف فإن حكومات «الوحدة الوطنية» هي حكومات شلل سياسي، نظرا لعدم القدرة على التوفيق بين البرنامجين على الصعيد السياسي وحتى الداخلي، لكن فقط يمكنهما أن يتفقا على الملف الأمني، وهذا يعني بأن تشكيل مثل هذه الحكومة إنما يكون في حالة «الحرب» والمواجهة الأمنية الخارجية.
هذه الصورة تقرأها حماس أيضا، لذا فهي ليست معنية بإسقاط نتنياهو، وهي التي سبق لها واعتبرت استقالة ليبرمان من وزارة الدفاع في الحكومة التي تشكلت بعد انتخابات الكنيست العشرين انجازا لها، بل انتصارا، وتتابع في الوقت نفسه مواقف وتصريحات معسكر الخصم السياسي لنتنياهو الذي يعلن التزامه أمام ناخبي غلاف غزة، والذين هم عادة ما كانوا يصوتون لنتنياهو، بتغير إستراتيجية العلاقة مع حماس، طمعا في أصواتهم.
كذلك تعرف بأن نتنياهو غير قادر على تقديم أكثر مما قدمه أو يقدمه الآن، من سماح للأموال القطرية بدخول القطاع، أو بتمرير بعض السلع، والسماح في حدود ضيقة للصيد البحري، ودخول الوقود «بالقطارة» وما إلى ذلك، وأن مزيدا من التسهيلات، سيضر بفرصته الانتخابية، لذا فإن «الرفض» الذي قابلت به المقترح الإسرائيلي، بتقديرنا إنما هو ناجم أولا عن حرص حماس على استمرار تحالفها مع الجهاد، بما يعني الإبقاء على البوابة الإيرانية مفتوحة أمامها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، حتى لا تتحول الموافقة إلى موقف، يضيّق عليها هامش المناورة فيما بعد.
الأمر كله مرهون إذا بنتيجة الانتخابات الإسرائيلية القادمة، بل حتى ما تبقّى من حظوظ يحاول جاريد كوشنير الإبقاء عليها أمام صفقة القرن، خاصة بعد استقالة جيسون غرينبلات من مهمته كمبعوث خاص للبيت الأبيض إلى الشرق الأوسط، باتت مرهونة بتلك النتيجة، لكن حتى في حال حدوث الانقلاب داخل إسرائيل، وهذا أمر مستبعد، بل الأقرب إلى المنطق أو التوقع هو تشكيل حكومة موسعة من كلا الحزبين الكبيرين مع ليبرمان، بوجود نتنياهو أو عدمه، كرئيس للحكومة أو كمجرد عضو فيها، وهذا لا يعني تغييرا جوهريا أو حاسما في السياسة الإسرائيلية تجاه الملفات السياسية، وإن كان يعني تغييرا في السياسة الداخلية.
لقد حدد ليبرمان، الذي يعد الآن_بتقديرنا على الأقل_ أحد أهم اللاعبين في ملعب السياسة الداخلية الإسرائيلية، هدفه الرئيسي وهو إخراج الحريديم من الحكومة، وتشكيل حكومة يمينية/ليبرالية/أمنية موسعة وقوية تكون قادرة على الاستمرار في سياسة الردع الأمني من جهة، ومن جهة ثانية في التنكر للحقوق الفلسطينية وفي مواصلة الضغط على الجانب الفلسطيني بشقيه، دون تقديم التنازل للأحزاب الدينية على صعيد الجبهة الداخلية فيما يخص طبيعة الدولة.
وإذا كان ليبرمان اليميني يريد أن يمنع تحول إسرائيل إلى دولة دينية، فإنه في الوقت نفسه يريدها أن تبقى يمينية عنصرية، حتى فيما يخص حقوق المواطنة للأقليات، خاصة الأقلية العربية/الفلسطينية، لكل هذا فإننا نستغرب حرص حماس على عدم سقوط نتنياهو، ذلك أنها ليست أمام احد الخيارين فقط: إما الإبقاء على حالة «الهدوء الحذر» أو دفع الأمور للحرب، لكن يمكنها بكل بساطة أن ترد بفتح الباب واسعا أمام إنهاء الانقسام، فالردع الأمني في غزة ليس كافيا، والمجابهة السياسية بالضفة ليست كافية، والمدخل لذلك ممكن، من خلال تشكيل هيئة سياسية جماعية لإدارة غزة خلال الفترة الانتقالية، ولجنة جماعية شعبية لتنظيم المواجهة الميدانية الشعبية في الضفة، ليس لسد المنافذ أمام صفقة القرن وحسب، بل لمواجهة الهجوم الاستيطاني والاحتلالي في القدس والخليل والضفة، وكسر الحصار عن غزة، بفتح أبوابها أمام الخارج بالقفز عن البوابة الإسرائيلية كما تفعل حكومة اشتية في الضفة، بعقد الاتفاقيات مع الخارج دون ولوج البوابة الإسرائيلية.