ضم الأغوار مسألة وقت!!

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

عبد الناصر النجار

رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يتصرّف خلال الأسابيع الأخيرة بشعبويّة فجّة، مستنسخاً بشكل سيئ شعبوية عرّابه الرئيس الأميركي ترامب، ورؤساء بعض الأحزاب الأوروبية.
شعبوية نتنياهو ظهرت في تصريحاته العنصرية والترهيبية، بداية من تحذيره من أن الانتخابات المقبلة (الثلاثاء المقبل) سيشوبها التزوير، متهماً العرب بذلك، وعليه طالب بنصب الكاميرات في مراكز الانتخابات العربية في محاولة لإرهاب فلسطينيي الداخل للحيلولة دون ذهابهم إلى صناديق الاقتراع، وعلى الرغم من فشل اقتراحه فإن الأحزاب اليمينية تبذل جهدا استثنائيا لثني الفلسطينيين في الداخل عن المشاركة الفاعلة على قاعدة أن تصويت أكثر من 65% من فلسطينيي الداخل سيؤدي حتماً إلى هزيمة نتنياهو. علماً أن الليكود اشتكى من حدوث تزوير في 100 صندوق عربي في الانتخابات السابقة تبين بعد الفحص أن هناك تزويراً طفيفاً في اثنين منها فقط ولصالح نتنياهو وحزبه!.
عقب ذلك ارتفعت نبرة الشعوبية والعنصرية في تصريحات نتنياهو عندما اتهم العرب بأنهم يريدون القضاء على اليهود، وتدمير دولة إسرائيل، وهو التصريح الذي أجبر موقع فيسبوك على تجميد تطبيق الرسائل لديه لأنها تصريحات تنطوي على عنصرية وكراهية.
في الانتخابات السابقة أدلى نتنياهو بتصريح كاذب عندما ادعى يوم الاقتراع أن العرب يتهافتون إلى الصناديق، مطالباً اليمين بالتحرك لأن الدولة في خطر. ثم تبين كذبه وأن هدفه كان تجييش اليمين بشكل عنصري. وللتأكيد فإن نسبة تصويت العرب في انتخابات نيسان الماضي بلغت 49% فيما بلغت نسبة اقتراع المستوطنين واليمين المتطرف أكثر من 85%.
في سبيل احتفاظه بالحكم كل شيء مباح عند نتنياهو وخاصة إرضاء المستوطنين الذين يعتبرهم سر فوزه، فسمح لهم بإقامة عشرات البؤر الاستيطانية بحماية الجيش، وكثف عمليات البناء في كل المستوطنات، وأقر مصادرة مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، في الوقت الذي تصاعد فيه هدم المنازل الفلسطينية وتكثيف مسلسل تهويد القدس والخليل.
آخر طلقات نتنياهو للفوز كان إعلانه الثلاثاء الماضي أنه سيضم الأغوار الفلسطينية ومنطقة شمال البحر الميت لسيادة الاحتلال بشكل فوري في حال فوزه.
الصحافة الإسرائيلية كشفت عن أن نتنياهو كان يرغب في الإعلان عن ضم الضفة الغربية، ولولا تصدي أذرع الأمن الإسرائيلية والفتاوى القانونية التي حصل عليها في الدقائق الأخيرة قبل إعلانه لكان فعل ذلك.
الصحافة الإسرائيلية كشفت عن محادثة هاتفية جماعية بين نتنياهو ورئيس الشاباك ورئيس قيادة الأمن القومي تخللها انتقادات لاذعة، كما ارتفع صراخ المشاركين ما أوقف الإعلان عن ضم الضفة، ولهذا تأخرت كلمته نحو الساعة والنصف عن موعدها. 
أما الإعلان عن ضم الأغوار فجاء كطرح وسطي، ما يعني موافقة سياسية وأمنية إسرائيلية، وأن قرار الضم الفعلي أصبح واقعاً، ومسألة وقت، وربما أقصر بكثير مما نتوقع، في حال فوز الليكود وتشكيل حكومة يمينية برئاسة نتنياهو.
المنتقدون لإعلان نتنياهو يرغبون أولاً بالحصول على تغطية أميركية لضم الأغوار أو حتى مناطق «ج» والكتل الاستيطانية في الضفة كخطوة أولى.
وهذه التغطية ستكون حاضرة بمجرد طرح صفقة القرن ورفضها فلسطينياً، فترامب بحاجة إلى أصوات الإنجيليين واليهود.. يضاف إلى ذلك تراجع عراب الصفقة غرينبلات عن استقالته.
عودة إلى الأغوار أو سلة فلسطين الغذائية، حيث من اليوم الأول للاحتلال في العام 1967، بدأ مخطط إسرائيل للسيطرة عليها، وهنا نتذكر خطة آلون التي وافق عليها رئيس حكومة الاحتلال في حينه ليفي أشكول، التي اعتبرت أن حدود إسرائيل الشرقية تبدأ من غور الأردن والبحر الميت، بعمق يتراوح بين 15- 20 كيلو متراً. واليوم مع إعلان نتنياهو أصبح المخطط الاستعماري أمراً واقعاً.
سلطات الاحتلال خلال العقود الخمسة الماضية لم توقف للحظة تهويد الأغوار من خلال اعتبار معظم الأراضي بمثابة أراضي دولة، ثم الاستيلاء المطلق على خزان المياه الشرقي وإقامة المستوطنات الزراعية، والمعسكرات على مساحات واسعة، وإجراء تدريبات عسكرية معظم أيام السنة، حيث تجبر قوات الاحتلال الرعاة وسكان الخرب الزراعية على مغادرة المنطقة، وما تبقى من أراض أعلنته كمحميات طبيعية. وبالتالي لم يبق للفلسطينيين هناك إلا مساحات ضيقة تعاني كثيراً من الاعتداءات.
مساحة الأغوار تشكل تقريباً 30% من مساحة الضفة يقطنها نحو 70 ألف فلسطيني وفي حال ضمها فهذا يعني أن نسبة الـ 28% من مساحة فلسطين التاريخية التي كان يراهن البعض على إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية عليها ستتراجع إلى أقل من 20%، وإذا ما أضيفت مساحة المستوطنات في حال ضمها فإن ما يتبقى من الضفة هو 10% تقريباً، فأي دولة هذه التي ستكون على شاكلة الفاتيكان ولكن محاصرة من جهاتها الأربع بالاحتلال. هذا يعني سجن لا دولة. وأكثر من ذلك فإن فتات ما سيتبقى سيكون على شكل غيتوهات يحاصرها الاستيطان والطرق الالتفافية والجدران.
إعلان نتنياهو هو إشعال حريق في كومة قش سياسية جافة، وهو اختبار أخير للفلسطينيين، وكيف ستكون ردة فعلهم.
وفي جميع الأحوال، فوز نتنياهو يؤكد الضم، ولن تجدي كل بيانات الشجب والاستنكار والاجتماعات الطارئة ما لم يكن هناك تحرك حقيقي على الأرض.