الموت بـ«الطَقِشْ»... تحركي يا حكومة؟!!

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

عبد الناصر النجار

قضية التغير المناخي أصبحت اليوم ذات أولوية في العالم، وتتصدر وسائل الإعلام، لكن في فلسطين يبدو أن ذلك في آخر اهتماماتنا وكأننا لسنا جزءاً من العالم.
في جنوب الخليل، وبشكل خاص في قرى الخطوط الأمامية الغربية، بما فيها بلدة إذنا، تتواصل ظاهرة تدمير البيئة بشكل علني منذ أكثر من عشرين عاماً وتتلخّص في حرق النفايات الإسرائيلية التي تسمم البيئة والمياه والأرض.
"الموت بالطقش "مقالة نشرت قبل 9 سنوات بتاريخ 21-7-2012، ومع ذلك لم يتغير الوضع على الأرض سوى تعالي مناشدات آلاف المواطنين في المنطقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولين للتحرك.. ونضيف إليها صرخة الطالبة حور حسام العواودة في الصف السابع بمدرسة بنات الشهيد عبد العزيز الرجوب الثانوية حول كارثة حرق المخلفات الإسرائيلية.
الموت بـ"الطَقِشْ"... 2012-07-21"

 الطَقِشْ" (هو مخلفات إسرائيل المدنية والعسكرية التي تدخل أراضينا عن طريق مافيات وتعود إليهم نظيفة بعد أن تخلف لنا موت الأرض والإنسان).
قبل سنتين وقف رئيس الوزراء د. سلام فياض وهو يسلم الزميل محمد رجوب جائزة فلسطين لحرية الصحافة، ويقدم له شيكاً مالياً عن تحقيقه الإذاعي المميز حول ورش "الطقش "في المناطق الجنوبية الغربية من محافظة الخليل المجاورة لجدار الفصل العنصري.
في حديثه آنذاك أثنى رئيس الوزراء والجهة المنظمة للجائزة وهي مكتب الإعلام الحكومي على هذا الاستقصاء ووعد بإنهاء المشكلة.. بعد عامين أضحت المشكلةُ أخطرَ مما كانت عليه؟!!
مجموعة من الأسئلة نطرحها ونترك الإجابة عنها للمسؤولين علّهم يوقفون زحف الموت الرابض فوق صدورنا:
-  مَن المسؤول عن تصحّر مساحات من أرضنا الزراعية في جنوب غربي الخليل؟؟
-  من المسؤول عن ارتفاع حالات السرطان وأمراض الجهاز التنفسي والحساسية هناك؟؟
-  من المسؤول عن ظاهرة بتر الأصابع وعمالة الأطفال؟؟
-  من المسؤول عن تهتك رئة طفل لم يتجاوز الشهرَ التاسع؟؟
-  من المسؤول عن إحضار مادة الديكستين المسرطنة وهي من بين إحدى عشرةَ مادة مصنفة عالمياً على أنها تسبب السرطان؟؟
-  من المسؤول عن تدفق مادة ثنائي كلورايد الأثنيل من مئات آلاف شاشات الحواسيب المدنية والعسكرية الإسرائيلية منتهية الصلاحية وأصبحت أرضُنا مدافنَ لها؟؟
-  من المسؤول عن إحضار مادتَي الكروم والباريوم من الثلاجات المستخدَمة لتستقرّ بين بيوتنا؟؟
سُلطاتنا الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية يجب أن تتحرك لوقف الكارثة لأن الصمتَ سواء عن علم أو دون علم سيّان، وعدم قدرتها على الفعل تحت أي سبب كان يجعلنا قادرين على مطالبتها بالرحيل.
على امتداد الطريق من بلدة إذنا وحتى قرى الكوم وبيت عوا ودير سامت وعشرات القرى المجاورة تنتشر ورشاتٌ تُشاهدُ فيها جبالٌ من الخردة والمخلفات التي تنقلها شاحنات الموت الإسرائيلية التي يقودها فلسطينيون يحملون الهوية الزرقاء (الإسرائيلية) وتدخل بتسهيلات خاصة من المعابر والحواجز الإسرائيلية لتستقرَّ بين أيدي أطفال وشبان يقومون باستخدام المطارق لتحطيمها من أجل استخراج المعادن منها مثل النحاس والالمنيوم والحديد .. بمعنى آخر تنظيف أوساخ المحتل وإعادتها نظيفةً إليه.
في الماضي كنا نقول إن عمالنا يبحثون عن العمل في إسرائيل، ولم نتصور أن يأتي العمل الإسرائيلي إلينا ولكن على شكل نفايات ومواد كيماوية ومشعة تحمل الأمراض القاتلة.
ثلاجات، غسالات، شاشات حواسيب مستخدمة ومنتهية الصلاحية، هياكل سيارات، براميل زيوت، كابلات من مختلف الأنواع، مواد بلاستيكية، قذائف مدفعية، رصاص، ذخائر عسكرية، محركات دبابات يقال إنها مشبعة باليورانيوم المنضب، وغيرها من المواد لالخطرة.
بعد فرز الأوساخ الإسرائيلية التي تدخل يومياً بعشرات الأطنان، تبدأ مأساة ثانية وهي حرق كميات من هذه المخلفات لتنظيفها من البلاستيك والمطاط.
مصادر طبية أكدت أن عمليات الحرق التي تتم في مناطق "ج" التي تقع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية وتتم بين البيوت تخلف سحباً من الغيوم يكون لونها مع بداية الاحتراق أسود، يتحول بعد فترة زمنية الى الأزرق المصفر، وفي اليوم التالي يصبح لون الدخان المتصاعد أبيض، مع العلم أنه في بعض الأحيان يتواصل انبعاث الدخان من المواد المحترقة مدة شهر.
بعد سؤال الأهالي أكدوا أن عمليات الحرق تتم لرخص تكاليفها، فمثلاً تنظيف طن واحد عن طريق الكشط اليدوي باستخدام الأدوات الحادة يكلف 250 دولاراً أميركياً بينما الحرق لا يكلف إلا 10 دولارات للطن، تجار الموت الساعون للربح السريع لا يكترثون بنتائج عمليات الحرق.
بعد معاينة المناطق التي يتم فيها الحرق، لاحظنا أن الأراضي المحروقة تصبح قاحلة تماماً وتنقرض الحياة النباتية فيها ... حتى لو أُعيدت زراعتها لا ينبت فيها شيء.
الحقول المجاورة مثل الزيتون وكروم العنب واللوزيات بمختلف أنواعها تتراكم على أوراقها طبقات شبه بلاستيكية تؤدي في النهاية إلى ضعف شديد في الإثمار وربما الموت التدريجي...
ينابيع المياه وخاصة السطحية قد لا تكون آمنة ...
اتصالات مع السفارة البلجيكية لإجراء بحث وفحص آثار إعادة تنظيف القاذورات الإسرائيلية البيئية والصحية بل الوجودية للبشر والحيوانات والنباتات في هذه المناطق كان من المفترض أن تتم خلال الأشهر الماضية...ولكن لماذا توقفت؟!! هذا سؤال آخر.
السلطة التنفيذية ممثلة بجهاز الشرطة غير قادرة على الوصول الى مناطق الحرق... مجموعة من الحارقين الذين تم تحويلهم للقضاء يحكم عليهم بغرامات لا تتجاوز 50 دولاراً !! السلطة التشريعية مغيبة بالكامل!!!
نختم مقالتنا بما أكده وزير شؤون البيئة يوسف أبو صفية من أن الشاحنات المحملة بالمخلفات فور اجتيازها الحواجز الإسرائيلية لا يسمح لها بالعودة ولو بعد ثانية، مؤكدين أن القوانين الإسرائيلية لا تسمح بدخول المخلفات أو النفايات ولو كانوا هم مصدرها.
ملاحظة ثانية هي أن سلطات الاحتلال تخصم من ضريبة المقاصة الإسرائيلية 65 مليون شيكل، أي ما يعادل 22 مليون دولار سنوياً لأن وادي جنوب الخليل تقع على جانبيه عدة محاجر تلوث الوادي، ويصل جزءٌ من هذا التلوث الناتج عن غبار الحجارة إلى المناطق الفلسطينية في الداخل "إسرائيل". غبار الحجارة يتقاضون عنه 22 مليون دولار، فماذا عن عشرات آلاف الأطنان من المواد الكيماوية والمخلفات العسكرية والمدنية الإسرائيلية الصلبة التي تصب في الأراضي الفلسطينية يومياً؟!!
تحركي يا حكومة قبل فوات الأوان.

كأنك تتنشق موتك

بقلم : حور حسام العواودة*

عزيزي المواطن، لم لا نفكر في البدائل؟
لماذا نعرف الخطأ ونستمر؟ لماذا يمكننا الصواب ونتجنبه؟
لم لا نجيد فن قلب الأمور وأخذها لصالحنا، فبدل أن تكون مصدر اندثار وفناء لنا، تصبح أساساً للاقتصاد والارتقاء والتقدم والدخل.
قال تعالى: "ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين"
إن قضايا البيئة بتشعباتها المختلفة أصبحت كابوساً يهدد المجتمعات والأفراد، بسبب تلك الإفرازات التي صنعتها يد الإنسان نتيجة تصرفاته اللامسؤولة تجاه بيئته ونتيجة حب الذات، مما أدى إلى حدوث اختلال كبير في التوازن البيئي دون أن تكون هناك مراعاة لمستقبل الحياة، واستمرارها بشكل متوازن وطبيعي، وهذا التصرف العبثي من الإنسان أدى إلى تلوث البيئة... الضباب يغطي القرية بأكملها نسعل دون انقطاع غير قادرين على التنفس، وأحيانا نستيقظ ونرى الرماد في بصاقنا، شدة الرائحة تسبب لنا الدوار....
ولمنطقتنا خصوصية، خصوصية دمار واندثار، فكم هي منتشرة محال التلوث وهي ما يسمى (الطقش) والأدهى والأمر من هذا أنها تتوسط البيوت والأماكن السكنية، فنأكل سما ونشرب مراً وننام على الضوضاء، بالإضافة لتلك المحال هناك رجال يعملون ليلاً قبل صلاة الصبح ألا يخافون دعوات الأمهات الساهرات على أنفاس أبنائهن؟! تلاحقهم الشرطة على الدوام، لكن أنى لمن فقد الشعور أن يمتلكه ولو لاحقته جيوش العالم جمعاء...
تلك النفايات الصناعية التي تملأ الشوارع والأماكن في منطقتي من ورق وبلاستيك... لماذا لا نعمل على إعادة استخدامها مرة أخرى لتكون مواد خاماً لمنتجات جديدة...
أما تلك النفايات التي تخرج من البيوت كل يوم بل وكل ساعة، فيمكننا تحويلها إلى سماد يستفيد منه النبات والتربة، فتغدو القرية أجمل وأنظف وأنقى بتكلفة أقل، بل تكاد تكون معدومة.
أنا كمواطنة سأقوم بدوري، ولن أساهم – على الأقل - في عملية الحرق، وأتمنى أن يصبح فصل النفايات على أساس نوعها، سياسة تتبعها البلدية وأهالي القرية لنساعد في إنهاء المشكلة، ونساعد على تفعيل الحلول وجعلها واقعا.
أتمنى أن نتخلص من قيودنا المادية، وننظر بعيون مسؤولة، فأنا أمنح مالي لمن يريد، وكم يريد، أما صحتي فلا أتنازل عنها، فذهابها لا يعني العودة أبداً .

 *طالبة في الصف السابع بمدرسة بنات الشهيد عبد العزيز الرجوب الثانوية