أميركا لا تريد استقراراً في العالم العربي

حجم الخط

بقلم: فيصل أبو خضرا

 

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

بداية لا بد من تثمين الخطاب الهام الذي ألقاه الأخ الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الأول، الذي حمل رسالة هامة للعالم أجمع، وهي أن شعبنا لن يركع وسيواصل بإرادة لا تلين نضاله العادل بكل السبل المتاحة وفي مقدمتها الثورة الشعبية السلمية حتى تحقيق أهدافه الوطنية، ولن يقبل بديلا عن حقوقه المشروعة كاملة ويرفض كل ما تروج له أميركا ترامب المعادية لشعبنا وحقوقه سواء ما يسمى صفقة القرن أو "الحلول" الاقتصادية أو غيره مما ينتقص من هذه الحقوق.

هذا الخطاب الذي أظهر الشجاعة في التمسك بالسلام العادل وطالب المجتمع الدولي بالقيام بواجبه في مواجهة جرائم إسرائيل وفي إنهاء احتلالها الغاشم يحمل أيضا ردا على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي كان قد ألقى خطابا دعا فيه الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها مع هذا الاحتلال وتجاهل الحقوق المشروعة لشعبنا وتحدث بلغة الغطرسة والمصالح، وأقل ما يقال فيه إنه لا يعبر عن خطاب رجل دولة أو رئيس الدولة العظمى الأولى في العلام بقدر ما يعبر عن شخصية رجل عقارات تقوده المصالح، ويقوده اللوبي الصهيوني.

لقد تأكد لشعبنا الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي إن أمريكا ترامب وفي عهود رؤساء آخرين، لا تريد الأمن والاستقرار والسلام في فلسطين والشرق الأوسط مما يهدد السلام العالمي، وذلك بدعمها المستمر لهذا الكيان العنصري الصهيوني، ولعدة أسباب أصبحت واضحة للعالم اجمع، وهي الآتية:

أولا: التغاضي عن الممارسات الإسرائيلية وانتهاكات إسرائيل الجسيمة وما ترتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني وإمعانها المتعمد في خرق القانون الدولي وعدم تنفيذ أي من قرارات الشرعية الدولية سواء الصادرة عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو أي من منظمات ووكالات الأمم المتحدة.

ثانيا: سكوت أميركا عن خرق إسرائيل لجميع القرارات والاتفاقيات التي وقعت عليها بنفسها في المحافل الدولية والجميع يذكر قرارت الأمم المتحدة التي وقعت عليها إسرائيل كشرط لقبولها عضوا في المنظمة الدولية ثم تنكرت لهذه القرارات بما في ذلك ما يتعلق بعودة اللاجئين وعدم ممارسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي الداخل. كما نتذكر قرار المحكمة الدولية في لاهاي عام ٢٠٠٢م بعدم شرعية جدار الفصل العنصري ووجوب هدمه ، وقد صوت ١٤ قاضيا لمصلحة هدم الجدار ما عدا صوت القاضي الأمريكي، الذي كان قراره سياسيا بامتياز. وكان هذا في عهد جورج بوش الأبن.

ثالثا: في عهد الرئيس ترومان، اتخذ ترومان قرارا مذلا، وبدون دراسة الوضع وتاريخ فلسطين، وفقط لأجل دعم اليهود ليفوز بكرسي الرئاسة في الانتخابات التالية بعد وفاة روزفلت المفاجىء، و رسم خارطة فلسطين وعرضها على الأمم المتحدة وانتزع القرار الأممي بتقسيم فلسطين بحيث تكون حصة إسرائيل ٥٤ بالمائة والباقي للشعب صاحب الأرض الأصلي و٢ بالمائة لتدويل القدس رغم أن الشعب الفلسطيني كان الأغلبية في فلسطين واليهود أقلية بسيطة.

طبعا إسرائيل قبلت التقسيم ورفضته الدول العربية والفلسطينيون معتمدين اعتمادا كلياً على الجيوش العربية. وللأمانة يجب القول إن العاهل السعودي الملك عبد العزيز رحمه الله كان رأيه دعم الشعب الفلسطيني بالمال والسلاح ورفض خروج أهل فلسطين وهو الوحيد الذي رفض دخول الدول العربية الحرب لانه كان يعلم أن الجيوش العربية في ذلك الوقت كانت قدرتها عاجزة عن مقاومة العصابات الصهيونية، وذلك في مؤتمر عربي لوزراء الدفاع العرب في صوفر، وكان ممثل المملكة السعودية، الشيخ يوسف ياسين، ورفض طلبه. وقد أخذت حكومة بن جوريون هذ الرفض ذريعة بعدم موافقة العرب ، وبدأت العصابات الصهيونية من الهاجاناة وشتيرن الخ في الانقضاض على القرى والمدن الفلسطينية والتنكيل بأهلها وارتكاب المجازر التي بلغ عددها ١٥٠ مجزرة موثقة، مما اضطر أهل البلاد للجوء قسرا، شمالا و جنوبا وشرقا وغرباً، بمراكب الصيادين وأصبحنا لاجئين ننتظر الدعم من الدول العربية، بعد وعودها بان الجيوش العربية ستستعيد فلسطين خلال مدة وجيزة. وهذه كانت أول النكبات.

أما النكبة الثانية كانت في العام ١٩٤٩م والعام ١٩٥٠ م عندما وقعت دول الطوق الهدنات الدائمة بدون شرط عودة اللاجئين إلى ديارهم.

رابعا: ولتخدير الدول العربية والفلسطينيين أسست أمريكا منظمة دعم وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم الى مدنهم وقراهم التي هجروا منها، وهذه واحدة من الوعود الكاذبة، وهي تعلم بان هذه المنظمة ( الاونروا) فقط كي يأمل أو يعتقد الفلسطينيون بانهم سيعودون الى بلدهم الأصلي، وهي تعلم أيضا أنها كانت تبيعنا أوهاما وهذه هي النكبة الثالثة التي صدقنا فيها أمريكا "بلاد الحرية والديمقراطية"! وهي أوهام بلعناها وصدقنا هذا الكذب الأمريكي الذي يتحكم به اللوبي اليهودي في واشنطن.

خامسا: ومنذ وفاة ترومان الى يومنا هذا وأميركا تُمارس الكذب والخداع علينا، حتى أتانا الرئيس ترامب وقال الحقيقة، خصوصاً أنه في عهد بوش الأبن كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس صريحة عندما قالت بأن الدول العربية ستمر في حالة الفوضى الخلاقة، التي جعلت العرب في بلادهم يقتلون بعضهم البعض بحجة الديمقراطية التي كان يحلم بها الشعب العربي، وهذه النكبة الرابعة لشعبنا وللشعوب العربية.

سادسا: أثناء رحلة القيادة الفلسطينية ، ومقاتلي وكوادر جميع الفصائل وعائلاتهم من بيروت الى تونس، سأل أحد الصحفيين الرئيس الرمز أبو عمار عن وجهته ، فقال فورا: الى فلسطين. وأثناء الوجود الفلسطيني في تونس سجل شعبنا ملحمة الانتفاضة الأولى، التي تصاعدت وارتقى فيها ١٤٠٠ شهيد منهم الكثير من الأطفال والنساء، وإزاء الصمود الفلسطيني واستمرار المقاومة ورفض الاحتلال اضطرت الحكومة الإسرائيلية للتفاوض مع منظمة التحرير في العاصمة النرويجية أوسلو.

وهنا يجب الاعتراف بانه بقيادة الرئيس الرمز ياسر عرفات رحمه الله والرئيس الحالي الأخ محمود عباس نجحت القيادة الفلسطينية ولأول مرة في تاريخ النكبات الفلسطينية في التوقيع على اتفاقية اوسلو والتي تعتبر أول إنجاز عربي فلسطيني في مواجهة أمريكا وإسرائيل، وان من يدعون بأن اوسلو كانت هزيمة مخطئون ، ولا مجال هنا لتعداد كل فوائد إتفاق اوسلو ، ولكن أستطيع أن أذكر أربع نقاط مهمة التي أحيت بالواقع القضية الفلسطينية وهي:

أولا: عودة أكثر من ستمائة ألف فلسطيني من المقاتلين والكوادر والقيادات وعائلاتهم الى وطنهم فلسطين. واليوم أصبحوا أكثر من مليون نسمة، أي أن أبو عمار وأبو مازن نقلا القيادة الفلسطينية والمقاتلين الى ارض فلسطين. ولولا هذه الاتفاقية لبقيت القيادة خارج الوطن ولا ندري أين في ظل ما حصل من تطورات في عالمنا العربي.

ثانيا: إعتراف إسرائيل وأميركا بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا لشعبنا مع كل ما يعنيه ذلك من دلالات، والذي يقول إن إسرائيل لم تعترف بفلسطين فهو مخطىء أيضا ويتجاهل هذه الدلالات السياسية بما فيها الاعتراف بالولاية الجغرافية الواحدة للضفة الغربية وقطاع غزة. واليوم فإن العالم العربي ودول العالم أجمع التي تدعم قضينا تنصحنا بأن نتمسك بهذه الاتفاقية ، لأنها الاتفاقية الوحيدة التي وقعنا عليها مع إسرائيل في حديقة البيت الأبيض بشهادة أمريكية روسية عالمية.

ثالثا: البند الرابع من الاتفاقية ينص على أن قطاع غزة والضفة الغربية هي ارض فلسطينية واحدة لا تتجزأ، ولكن مع الأسف حدث الانقسام الذي لا يزال مستمرا بين شطري الوطن . وكل يوم تتأخر فيه فتح وحماس بإنها هذا الوضع إنما يخدم الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا صاحبة صفقة العار .

رابعا: ثبتت إتفاقية اوسلو في المحافل الدولية وفي ضمير المجتمع الدولي الرقم الفلسطيني كرقم يصعب تجاوزه في معادلة الشرق الأوسط بعد أن كانت القضية مهددة بالضياع بعد حرب لبنان عام 1982.

لق برهن الرئيس الراحل أبو عمار والأخ الرئيس أبو مازن للعالم أجمع أننا طلاب سلام عادل، وليس كما تدعي إسرائيل وأميركا بأن الفلسطينيين والعرب يرفضون أي مبادرة سلام، وإ تفاق أوسلو فضح هذه المزاعم وثبت للعالم أجمع أن إسرائيل هي التي لا تريد السلام القائم على الشرعية الدولية.

خلاصة القول أن على السلطة الوطنية الفلسطينية التمسك باتفاقية اوسلو وأن تطلب فورا عقد اجتماع لمجلس الأمن كي ليطبق اتفاقية اوسلو التي وقعت عليها إسرائيل ورعاها المجتمع الدولي وفي مقدمته أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي، هذا إذا أرادت أمريكا فعلا استقرارا حقيقيا في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وإذا أرادت فعلا أن تسحب البساط من تحت أقدام أية دولة إقليمية تتذرع بتحرير فلسطين، وتهدد الاستقرار بالمنطقة ولمواجهة جميع المنظمات الإرهابية التي تدعي أن وجودها هو لتحرير فلسطين، والفلسطينيون منها براء.

والسؤال مطروح هو: هل تريد أمريكا حقا الاستقرار في هذا المحيط العربي ووقف استنزاف الأموال التي تستفيد منها أمريكا وروسيا والدول الاوروبية أم أنها تريد فقط فرض هيمنة حليفتها إسرائيل على المنطقة واستنزاف الثروات والأموال العربية بدلا من استغلالها لبناء المصانع والجامعات؟

الدول العربية التي لها أرصدة من بلايين الدولارات المحفوظة في البنوك الأمريكية دفعتها السياسة الأميركية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي منذ وفاة الرئيس روزفلت ومن بعده ترومان الذي أسس ووضع سياسة أمريكا مع الصهاينة، الى صرف هذه الأموال على التسلح للدفاع عن نفسها ،علما أن أميركا تدفع من أرباح هذه الأموال للاحتلال العنصري وتزوده بالأسلحة الفتاكة وتضمن له التفوق العسكري النوعي.

وبعد كل هذا تدعي أميركا أنها حامية الديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم الحرية والعدالة وهو ادعاء بلا رصيد بعد كل هذا الظلم الذي الحقته بشعبنا الفلسطيني وبعد كل هذا الانحياز للاحتلال وسياسته الاستعمارية.

لقد قال الأخ الرئيس أبو مازن : بثمن دبابة أبني مدرسة وبثمن طائرة أبني مستشفى، ولهذا شتان ما بين هذا القيم الأخلاقية والإنسانية التي يعبر عنها الرئيس وبين نهج الحروب والغطرسة وتأييد الاحتلال الذي يعبر عنه ترامب وإدارته وحلفائه المتطرفين في تل أبيب.

هذا هو طريق أبناء شعبنا وقيادته المؤمنين بقيم الحرية والعدالة والسلام القائم على قرارات الشرعية الدولية، طريق النضال المستمر بدعم كل أنصار الحرية في العالم ولن تكسر إرادتنا لا سياسة ترامب الظالمة ولا إمعان الاحتلال بممارساته وانتهاكاته وسينتصر شعبنا أجلا أو عاجلا... والله المستعان