الديموقراطية الفلسطينية من الخنادق والبنادق الى قاعات الفنادق

حجم الخط

بقلم د. ناصر اللحام

تعتبر التجربة الفلسطينية ، نوعية ومختلفة عن التجارب العربية قاطبة . ففي حين كانت أنظمة الاستبداد القومي العربي تعدّ الأنفاس في العواصم العربية كانت قواعد الثورة زاخرة بتجربة جرى نقلها والاستفادة منها لدى حركات التحرير في العالم ، من افريقيا الى أمريكا اللاتينية الى امريكا الوسطى والى العالم العربي .ولغاية المؤتمر الوطني في الجزائر عام 1988 كانت تجربة الديموقرطية الفلسطينية باعتبارها حركة تحرّر ، تعتبر هي الاقوى والأكثر تأثيرا بين الامم . وقد نجحت المنظمة في جمع الاختلافات والمشارب والفلسفات والايديولوجيات والاحزاب والحركات جميعها في بوتقة واحدة ، فكنت ترى التيارات الاسلامية الى جانب الاحزاب الشيوعية ، ومن حولها الحركات القومية والبروليتارية والرأسمال والنخبويين والفئويين يجلسون جميعا في نفس القاعة ويوقعون على بيانا مشتركا .لم يظهر أثر هذه الديموقراطية على المستوى المرحلي فقط ، وانما شق لنا طريقا جاهزا نحو المستقبل وانه لا يمكن ولا يعقل لفصيل واحد ان يحكم وأن يقرر مصير الفلسطينيين .

وهذا مثبت .وان جميع التجارب الفئوية والانعزالية التي شهدتها الثورة ، كانت مجرد ثورات مضادة ، طال عمرها او قصر . وان كانت هذه الثورات المضادة تكسب بعض المعارك الا انها محتومة بالخسارة الاستراتيجية . والتجارب شاهدة في لبنان والاردن وسوريا والعراق واليمن والجزائر وليبيا وتونس وغزة ، لانه من دون اتفاق القوى والفصائل على الخطوط العامة لحركة التحرير . لا يمكن النجاح .

وقد عاش الوطن العربي تجارب أخرى غير القومية المستبدة ، فكانت تجربة الحركات الاسلامية والتي جاءت بعد ظلم واستبداد جعفر النميري ، أسوأ وأشد وجعا على السكان . ومثلها تجربة الاخوان المسلمين في مصر ، ومثلها التجارب اليسارية الجامحة وانقلاب الحكم في العراق ايام عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وفي ليبيا ايام العقيد معمر وفي اليمن أيام عبد الفتاح اسماعيل .. وهكذا .لم ينجح أي حزب قومي ، أو اسلامي ، أو يساري في خلق نظام حكم عادل في العالم العربي في التاريخ المعاصر . وإنما كان التوازن هو الحل الأمثل والانجح لتجاوز الازمات الاقتصادية والسياسية والامنية التي لم تنفك تهلك الدول العربية الغنية قبل الفقيرة .في العام 1996 بدأت التنظيمات الفلسطينية تعقد مؤتمراتها في قاعات النفادق ( وهذا ليس عيبا أبدا ) . لان جزء كبيرا من الفدائيين تركوا مسعكرات الثورة في الشتات وعادوا الى ارض الوطن ..

ولكن عقلية المعسكرات والبنادق والخنادق لا تزال تحكم الذين جاءوا الى الفنادق .نحن ذاهبون الى انتخابات صعبة وعجيبة في ظل وجود مناطق جغرافية وسكانية تحت سلطات حكم مختلفة . وسيحاول الجميع أن يثبت من خلالها انه الافضل والارقى والاكثر ديموقراطية .وجهة نظري أن الحل الافضل الاّن هو انتخابات بالتوافق . وبعيدا عن الاستعراضية والمبالغة ، فان الشعب الفلسطيني في الارض المحتلة ، مكلوم بالوجع والحصار والملاحقة البوليسية . وما بين شهيد وأسير وجريح ومحاصر وفقير تختلف المعانة لكنها وحدة حال .ان توافق فتح وحماس وباقي القوى على قائمة جديدة للبرلمان هو الحل الافضل للمصلحة العامة .. الى حين يزيل الله هذه الغمة وتستقر الأوضاع بشكل أفضل .وبهذا يكون الجميع اخذ الحد الادنى من تمثيله في البرلمان الجديد ، ونكون قد استعدنا الشرعية المستمدة من سلطات الشعب ، ونمنع عن انفسنا عناء المزيد من الدعاية السلبية والانقسام .