بقلم:  فؤاد أبو حجلة

فصيل سياسي اجتماعي ديمقراطي (فساد)

فؤاد أبو حجلة
حجم الخط

القاهرة - وكالة خبر

يلخص العنوان ما يريد البعض أن يوصل حركة فتح إليه، وذلك بتحويلها من حركة وطنية فجرت آخر الثورات الفلسطينية وقادت الاشتباك الميداني والسياسي مع العدو طيلة عقود، إلى فصيل سياسي يهرم في السلطة ويموت ببطء بفعل فساد المجموعة الحاكمة وتسلطها ليس فقط على المقدرات والموارد، ولكن على واقع المجتمع ومستقبله وعلى مسار النضال الوطني الذي تم تحويله إجبارياً إلى ممرات سياسية ضيقة تفضي إلى لا شيء وتنتهي بانسداد الأفق وغياب الرؤية.

بدأ هذا الجهد التخريبي للحركة الوطنية الفلسطينية عندما اختارت مجموعة الحكم اختصار المواجهة مع الاحتلال في المسار التفاوضي، ولم تكتف بالخروج من حالة المواجهة مع الوجود الاحتلالي بل عملت على وأد هذه المواجهة وتجريد الشارع الفلسطيني من وسائل التصدي للغرباء، وذلك من خلال ترسيخ عقيدة جديدة لدى أبناء الموسسات الاستخبارية والشرطية تتبنى الالتزام الكامل بالتنسيق الأمني، وتقدم الخدمات الأمنية للاحتلال المتشبث بتوسيع وجوده على الأرض.

منذ بداية هذا التحول في المسار المعلن لحركة فتح كان واضحاً أن الحركة دخلت في طريق التلاشي التدريجي الذي سيقود في النهاية إلى الاندثار الكامل، مثلما حدث لحركات ثورية أخرى في المنطقة وفي العالم، مع فارق جوهري وهو أن هذه الحركات أنجزت مشروعها قبل أن تضمر وتموت.

حدث هذا بوضوح في جبهة التحرير الوطني في الجزائر، وهي التي تحولت إلى حزب حاكم بعد الاستقلال، ثم تحول الحزب الحاكم إلى حزب للحكم، واستسلم لنوازع ورغبات ومطامع الطبقة الحاكمة التي أوصل فسادها البلاد إلى ما هي فيه الآن.

لم يتحقق الاستقلال الوطني الفلسطيني، ولم يخرج الاحتلال من الأرض الفلسطينية، لكن فتح أو على الأقل القيادة التي أفرزها التحول أخرجت الحركة من موقع الفعل، ناهيك عن الريادة، للمشروع المقاوم للاحتلال، وأصبحت الحركة الثورية الأهم والأكبر في النضال الوطني مجرد عنوان للسلطة الحاكمة، التي ترفض الاستماع إلا إلى صوتها، وهو صوت سياسي خافت وضعيف لا يسنده فعل مقاوم على الأرض.

ولعل من البديهي القول إن الثورة، أي ثورة، لا ترتدي ربطة عنق، ولا تنبذ المقاومة، ولا تتقوقع في مربع الاشتباك الدبلوماسي الخجول مع عدو يمتلك من الوقاحة ما يدفعه للرفض العلني لقرارات ما يسمى بالشرعية الدولية، متمتعاً بغطاء سياسي غير مسبوق من رعاته في الولايات المتحدة ومستفيداً من تواطؤ دولي وإقليمي غير مسبوق أيضاً في تاريخ الصراع.

ما ينطبق على حركة فتح، ينطبق أيضاً على حركة حماس التي استمرأت الحكم في غزة وعملت على ضبط إيقاع المواجهة بحسب ما يرى رعاة الحركة وأصدقاؤها في الإقليم، لتحقيق مصالح آنية وتمكين الحركة من إدامة حكمها في القطاع المبتلي بالقمع والفقر والحصار.
لكن الفراق الجوهري بين الحركتين يكمن في وجود مرجعية عقائدية وسياسية لحماس وهي جماعة الإخوان المسلمين التي أطلقت الحركة كذراع فلسطينية للجماعة.

صحيح أن هناك قوى وكيانات وأحزاباً أخرى كانت قوية ثم ضعفت وكادت أن تتلاشى بفعل ظروف موضوعية وتحولات في الوعي المجتمعي، ومنها حزب العمل الإسرائيلي الذي كان يتسيد المشهد في الساحة السياسية الإسرائيلية لسنوات طويلة، قبل أن يتراجع بطريقة درامية جعلته من أضعف الكيانات التي تلهث للبقاء على قيد الحياة السياسية في إسرائيل. لكن تراجع حزب العمل وخروجه من موقع الصدارة، بل وحتى من ساحة المنافسة الجادة على الحكم، حدث بفعل تحول درامي في المجتمع الإسرائيلي الذي استسلم لليمين السياسي وقواه التقليدية والجديدة، وانحاز للتطرف اليميني حتى أصبحت خريطة القوى السياسية الفاعلة في إسرائيل تتكون من أحزاب اليمين واليمين المتطرف، ولا مكان فيها لصوت مختلف ولو جزئياً مع المشروع الأصولي.

تغير المجتمع الإسرائيلي فتغير حال حزب العمل، لكن حال فتح تغير رغم بقاء المجتمع الفلسطيني متمسكاً بثوابته الوطنية.
لذا يبدو حال فتح في هذه المرحلة الصعبة شبيها بحال حزب جبهة التحرير في الجزائر، لأنه ناتج عن تغير في التنظيم لا في المجتمع. ويبدو أن المجموعة التي تقود الحركة الآن تريد بالفعل تحويلها إلى فصيل سياسي اجتماعي ديمقراطي (فساد).