الانتخابات تؤكد وحدة الدولة الفلسطينية

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

رجب أبو سرية

من المؤكد بأن الرئيس محمود عباس، بخبرته وحنكته السياسية، يعرف جيدا، بأن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية، لن يحدث لمجرد أن يعلن عنه، أو حتى لمجرد أن يصدر بشأنه مرسومه الرئاسي، فالحديث يجري عن حدث عام، ضمن نطاق الأرض الفلسطينية المحتلة، لكنه يعرف كما يعرف الجميع بأن تحديد السياسات ورفع الشعارات، ينحو بجوانب كثيرة منه باتجاه أن تكون سياسات اعتراضية، أو روافع لتغيير الواقع لما هو أفضل.
وهذا بالضبط ما يهدف إليه الحديث عن إجراء الانتخابات الفلسطينية، فهو يهدف أولا إلى أن يأخذ طريقه إلى التنفيذ دون شك، وطالما قالت القيادة الفلسطينية بأن أقصر الطرق إلى وضع حد للخلاف السياسي وإنهاء الانقسام هو بعودة الاحتكام للشعب، وأن الانتخابات إضافة إلى كونها حقا شعبيا واستحقاقا دستوريا، فإنها مدخل سريع وفوري لإنهاء الانقسام، وثانيا هو يهدف للضغط على الطرفين اللذين يحاربان السلطة ويمنعانها من متابعة التقدم على طريق تحقيق المشروع الوطني بإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعودة اللاجئين.
وحديث الانتخابات اليوم لا يعتبر ردا على الانقسام وحسب، بل هو على المزاد الذي افتتحه ترامب وواصل طريقه نتنياهو فيما يخص مثلث أضلاع الدولة الفلسطينية المستقلة، حيث لا يكفي الحديث عن الدولة المستقلة، ولا حتى المتصلة أو المتواصلة أو القابلة للحياة، كما كان يقول الخطاب الأميركي القديم، بل إن حديث الدولة الفلسطينية يعرف بمضمونه وهو أن يشمل أضلاع المثلث المكون من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
إذاً إجراء الانتخابات وحتى الحديث عنها يعيد مجددا إلى الوعي السياسي حقيقة وحدة الضفة وغزة، بعد سنوات من الانقسام، وإجراؤها يطوي صفحة خيارات الدولة البديلة، أي دولة غزة الموسعة أو المنفصلة، ويعيد مجددا وحدة الحال السياسي بين جناحي الوطن، وكما هو معروف بان الانقسام الواقع منذ عام 2007، جعل من واقعي غزة والضفة مختلفين سياسيا وقانونيا، فلم تعد وحدة الولاية السياسية تسري عليهما كما كان الحال ما بين عامي 1994_2007 .
كذلك فان إجراء الانتخابات وحتى مجرد الحديث عنها، يعني أن تجري الانتخابات الثالثة كما جرت الانتخابات في الجولتين السابقتين، حيث لن يكون بمقدور إسرائيل أن تقنع أحدا بإجرائها بطريقة مختلفة، والجميع يذكر محاولة إسرائيل استثناء القدس من الانتخابات السابقة، أو أن يصوت سكانها في الضفة الغربية، وما إلى ذلك، وهذا يعني الرفض العملي والرد الفعلي على قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو على الأقل فرض حقيقة أن ذلك الاعتراف لا يشمل القدس الشرقية المحتلة.
وكما عجزت السلطة عن تأجيل موعد الانتخابات السابقة، فان الإعلان عنها اليوم، سيعني هجوما سياسيا على إسرائيل، حيث من المتوقع أن يضغط العالم من أجل إجرائها، وهي بذلك ستحقق إحدى الحسنيين، فإما تنعقد وفي ذلك كل الخير لفلسطين وشعبها، وإما لا تنعقد فتفرض الانكفاء على الهجوم المعادي.
هنا لا بد من الإشارة إلى مبادرة الفصائل، التي لا تعني أكثر من تمديد لعمر الانقسام، وتضييع فرصة ذهبية، تتمثل في استغلال الوقت الحالي، حيث تعجز إسرائيل عن تشكيل حكومتها، بعد انتخاباتها غير الحاسمة، بما يمنح الفرقاء الفلسطينيين وقتا إضافيا، لالتقاط الأنفاس وترتيب الوضع الداخلي لمواجهة حاسمة قادمة.
أي أن الانتخابات وبضربة واحدة، تضع حدا لفصل غزة عن الضفة الغربية، ولعزل القدس عن الضفة الغربية، لأن إجراء الانتخابات يشمل مواطني دولة فلسطين المحتلة_وإذا كان الاحتلال يستند في سياسته لتقطيع أوصال الفلسطينيين على الجغرافيا التي يتحكم بها بفرض حواجزه وسياساته_ فإن القيادة الفلسطينية بمقاومتها لسياساته الاحتلالية تعتمد على وحدة الشعب في تلك المناطق، أي ضمن أضلاع مثلث: القدس، الضفة وغزة، كذلك فإن حديث الانتخابات فضلا عن إجرائها فعلا، يعيد مجددا إلى الذاكرة صورة دولة فلسطين، حيث الانتخابات البرلمانية إنما هي إحدى علامات الدول الديمقراطية، ذلك أن حركات التحرر لا تجري الانتخابات البرلمانية.
وأكثر من هذا فان الاحتكام للانتخابات إنما هو خيار لا خلاف ولا اختلاف عليه، فكما هو حدث مقبول ومقنع للعالم الخارجي، فهو محل إجماع داخلي وكذلك شعبي، يكشف من يرفضه حقيقته وحقيقة موقفه المعادي للحقوق الوطنية وللحق الشعبي، ويكشف نزعته للتسلط والبقاء في موقع الحكم والسلطة على حساب مصلحة الوطن وحقوق المواطنين، وإذا كان هذا متوقعا من إسرائيل، فانه لن يكون مقبولا من «حماس» .
هنا لن تنطلي على أحد، أضاليل «حماس» حين ترد بالمطالبة بأن تترافق انتخابات التشريعي الثالث والرئاسة مع انتخابات المجلس الوطني، فهي شاركت في انتخابات المجلس التشريعي الثاني، بعد أن قاطعت انتخابات الرئاسة التي سبقتها، ودون أن تترافق مع انتخابات المجلس الوطني عام 2006 .
هذا إذا مطلب مردود على «حماس»، ويكشف محاولتها للتعجيز، وهي تريد أن تضيف إلى جانب مراهنتها على الرفض الإسرائيلي بالظروف العربية المحيطة للتواجد الفلسطيني بالشتات والخارج، لذا فإن أهم عامل اليوم من عوامل إطلاق رافعة الضغط الفلسطيني على ترامب ونتنياهو هو بإعلان القبول الفصائلي والشعبي كله لإجراء الانتخابات، لا أن يمنح احد من الفلسطينيين قشة النجاة لإسرائيل، التي سترد بالقول بأن الفلسطينيين لم يجمعوا على إجراء الانتخابات حتى توافق هي على أجرائها .
ولنتخيل الآن بأن يعلن الرئيس عن إجراء الانتخابات، وعن موعد محدد لها، بل أن يصدر مرسومه الرئاسي، وأن يتحول إجراؤها إلى مطلب شعبي عارم تجري من أجله التظاهرات، ضد إسرائيل، تطالبها كما تفعل الشعوب العربية حاليا في الشارع، حينها ستضغط الدنيا كلها على إسرائيل لإجرائها وسنفرض عليها أن تجلس في موقع الدفاع، حيث ستتحول دفة الصراع كله باتجاه أن تعود البوصلة مجددا على طريق حرية دولة فلسطين ووحدتها.