مبادرة الفصائل والإنقسام الكبير ومصير منظمة التحرير فأين جبهة الإنقاذ؟؟

حجم الخط

بقلم د. طلال الشريف

 

 المية تكذب الغطاس، ومبادرة الفصائل طارت من القفص وإستقرت في عش حماس.

لم أتحدث عن مبادرة الفصائل منذ طرحها، ليس لأن موقف رفضها من حركة فتح أوضح الصورة وأريد التشفي الآن بالمبادرة، لا بل لأن المبادرة بمضمونها وطريقة إخراجها لا ترقى لدرجة مبادرة بثقل الإنقسام وتعقيداته وخاصة عندما تصيغها فصائل لها تاريخ طويل بالعمل السياسي والنضالي وكان عليها التدبر والتوقف أمام السياسة وقراءة الواقع أكثر جدية وأكثر علما لأن المبادرة من وجهة نظري لا تمت إلى السياسة في شيء، بل هي أقرب لشغل مخاتير بيردوا حردانة لجوزها،وهنا تكمن خطورتها، فهي مؤشر على تدني الحالة العقلية والشعورية لمجموعة من القادة الذين من المفترض يواجهون أو يدعون أنهم يواجهون مشروعا من أخطر مشاريع التاريخ وهو المشروع الصهيوني ولذلك أصابتني صدمة حين قرأتها عند نشرها وتمتمت وقلت لعلني متحامل قديم على الفصائل ورافضا لطريقة عملها لأنها لا تتناسب مع ما يلزم من قدرات وعقليات وذكاء تحتاجه قضيتنا ويحتاجه شعبنا للتحرر والاستقلال.

أكثر ما أزعجني أن غالبية صياغ هذه المبادرة يدعون اليسارية والديالكتيك والتقدمية وكبر الحيل الفكري، وكيف نسوا في غمرة أزماتهم قواعد التفكير السليم وبحور السياسة العميقة التي من المفترض أنهم غاصوا بها سنوات وسنوات وعدت أتذكر أن شعبنا في المنعطفات السياسية الحادة كان دائما أذكى من فصائله وقادته وكيف خاض نبضات ثورية حقيقية لإنهاء الإنقسام ولم ينجح لسبب واحد يتكرر مع كل نبضة وهو أن هذه الفصائل بمجملها المبادرين والمنقسمين هم من أفشلوا كل النبضات التي لو تركوها تتفاعل جماهيريا لأتت أكلها ولكنهم في كل مرة يركبون موجتها لعجزهم فيجرونها للخلف ويفشلونها، ولاحظوا كيف كانت تبدأ تلك النبضات الشعبية فتسارع التنظيمات لركوبها وقيادتها فتفشل، وما فشل مبادرة الفصائل إلا صورة مكثفة من عاداتهم وسلوكياتهم الفاشلة ولكنها الآن وفي مبادرتهم كانت ترجمة فاقعة للفشل المزمن لهم جميعا لعلهم يعيدون قراءة حالهم ويتركون الراية للأجيال الجديدة التي يحاربونها كلهم دون هوادة فالجالسون في قيادة تلك الأحزاب يفتكرن مواقعهم وظيفة لا تنتهي إلا بالتقاعد وللأسف ليس في السياسة قوانين تحدد سن التقاعد خاصة في بلادنا فلسطين ويا ليتهم يفهموا أن سن التقاعد هو الفشل المتكرر وليس العمر فقط.

موضوع الإنقسام للمرة الألف يحتاج روح ثورية تنبع من الديالكتيك الذي من المفترض أنهم قرأوه ومارسوه سنوات طويلة..

ببساطة نعيد القول وبعيدا عن التدخلات الخارجية التي تسببت في الانقسام ولازالت تواصل تعميقه، ولكن، هنا نتحدث عن قواعد أساسية للحل لفصائل وقادة يفترض هم فلسطينيون وهم أساس الإشكال سواء مستقلين في رأيهم أم يتبعون أجندات غيرهم وهم المسؤولون أولا وأخيرا عما حدث ويحدث لوضعنا وشعبنا وقضيتنا، ولذلك نقول:

أولا :

لا تسويات دبلوماسية في حالة الإنقسام الفلسطيني، لأن التسوية والمصالحة أول خطوة فيها هي إعادة الوضع لما كان قبل الإنقلاب الحمساوي بمعنى الإدارة والنظام والقانون الأساس الذي قام عليه الجميع وقدموا أنفسهم من خلاله وبعدها تجرى الانتخابات التي يعاقب شعبنا فيها من أخطأ ويكافئ من أحسن عملا، وليس هنا القصد والمعنى هو العودة للحالة الفوضوية التي كانت، هذا في شأن التسوية والمصالحة إذا أردنا الدبلوماسية لإن ذلك الطريق لا مكان للمكافآت المجانية فيه دون إرادة الشعب ولأن الحلول منذ البدء كانت خاطئة لمكافأتها الطرفين والسكوت عما فعلوا وصياغة الاتفاقات كلها كانت غير موضوعية ولا تسير على ما ذكرته من تلك القاعدة، وإنما كانت كل الاتفاقيات بها عوار حين أهملت مبدأ المحاسبة عما جرى. فتهيأ للجميع أنه أفلت من أخطائه والعقاب،وأن الاتفاقيات ببنودها تكافئه فتغطرسوا جميعا على حساب الشعب ولذلك لم يلتفتوا حتى لمعاناة شعبنا التي تبكي الحجر لأنهم أمنوا العقاب، ومن أمن العقاب أساء الأدب، ومعناه أن من تجاوز حدوده بالتصرف مع أو التعدي على الآخرين دون الخوف مما قد يردعه من عقاب أو حتى التوبيخ يزداد صلافة وتعدي وتجاوز، فما بالك حين يكافأ كما صيغت كل اتفاقيات المصالحة للأسف، وهذا الحديث يشمل. طرفي الصراع.

ثانيا:

وبعيدا عن التحريض ورفض العنف فحالتنا الفلسطينية المنقسمة ليس لها حل تصالحي دبوماسي لأن الإنقسام في عمقه سياسي حتى لو كان الصراع على الكراسي والسلطة والحكم، وهو في الأصل مرفوض ومنبوذ لشعب مازال تحت الاحتلال، ولكن والحالة هي في لب السياسة، والسياسة تفترض الأدوات السياسية في حال نزاع كهذا، وهو أن تتداعى القوى الرافضة والمتضررة من الانقسام لتشكيل جبهة إنقاذ تتولى مهمة قيادة شعبنا للخلاص من هذا الانقسام تتشكل لها قيادة تطرح خطواتها وبرنامج إسقاط طرفي الإنقسام من الهيمنة على شعبنا ومقدراته سعيا لإنقاذه من هؤلاء الحكام، والخيار الثاني في الخيار الثوري هذا، هو ترك الشعب يفرز قياداته التي تقوده نحو الخلاص من هؤلاء الحكام بطريقته الخاصة المعبرة عن مصالحه ودون ركوب موجات ثورته من تلك الفصائل الفاشلة في تحريره من الإحتلال والفاشلة في تخليصه من محن ومعاناة الانقسام.

مبادرة الفصائل ستؤدي إلى إنقسام كبير بعد فشلها وستطيح بمنظمة التحرير وما يدل على ذلك هو تصريح الرئيس عباس بنيته إجراء انتخابات لنبدأ مشوار دوخيني يا لمونة من معيقات وقوانين وحيثيات وعدم تمكين وتخريب وتزوير وتدوير وقصة لن تنتهي بمصالحة أو استقرار للحالة الفلسطينية هذا إن لم تدفعها لخسائر استراتيجية أكبر وضحايا هي أقل في حجمها من ثورة شعب للخلاص من الانقسام والاحتلال أو خسائر سندفعها من حل جبهة الانقاذ،فنحن خاسرون في كل اتجاه ومن يتصور أن إنهاء الانقسام هو سحب شعرة من العجين، فهو واهم وليس بقائد، والطريق الصحيح لن يكون بالطريقة التي استمرت منذ الانقسام حتى الآن، بل، طريق إنهاء الإنقسام مؤلمة أكثر من ألم بدأ به الإنقسام واستمرت آلامه تتصاعد حتى اليوم، وهذه هي الحقيقة.